انتهت الحرب اليابانية - الأمريكية بهزيمة
منيت بها الإمبراطورية اليابانية بعد أن حسمها الأمريكيون باستخدام السلاح
النووي تاركين خلفهم آثاره لتنتقل جيلاً بعد جيل.
ومع الاتفاقية التي عقدت بين اليابان و الولايات المتحدة الأمريكية والتي
بموجبها تم إنهاء كافة أشكال التسلح الياباني و إلغاء الجيش, كانت بداية
أسطورة العملاق الياباني, حيث سخرت اليابان كل إمكانياتها بعيداً عن
القطاع العسكري لصالح بحوث التطوير و التحديث.
إذا ما نظرنا إلى اليابان جغرافياً و اقتصادياً و سياسياً في تلك المرحلة التاريخية فيمكن لنا وضع التصورات التالية:
إن موقع اليابان جغرافياً لا يملك الأهمية النسبية بالمقارنة مع الكثير من دول العالم.
افتقار اليابان لكافة أشكال الموارد و خصوصا الصناعية منها.
خروج اليابان من الحرب بأرضية اقتصادية و سياسية ضعيفة نسبياً.
ورغـم وجود العوامل الاقتصادية و السياسية السلبية في هذا الموطن من
العالم إلا أنه حقق قفزات نوعية على كافة الأصعدة سواء الاقتصادية منها أو
الاجتماعية.
و قد أثبتت البحوث التي أجريت في أواخر الثمانينات و أوائل التسعينات من
القرن الماضي أن متوسط إنتاجية المنظمات والوحدات الاقتصادية في اليابان
يشكل أربعة أضعاف تلك المنظمات الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية.
و إذا ما سلطنا الأضواء على العوامل التي أدت إلى الوصول باليابان إلى ما
وصلت إليه من تقدم تقني و اقتصادي فيمكن لنا إجمالها في عاملين اثنين
أساسيين:
الاهتمام الكبير بالعنصر البشري, و بالموارد البشرية في العمل.
الاهتمام و التوسع في المجال التكنولوجي.
هذان العاملان متكاملان, بحيث يصعب فصل أحدهما عن الآخر في دراسة المؤثرات المحرضة على تطور العملاق الياباني.
أما عن الاهتمام بالمورد البشري فقد لاحظ اليابانيون افتقار بلادهم للكثير
من الموارد الاقتصادية, و غناها بالمورد البشري الذي يشكل العماد الأول في
أي عملية انتاجية, و من هذا المنطلق بدء التوسع بالاهتمام بهذا المورد و
إدخاله بكامل طاقته في العمل. فركزوا على جملة من العوامل التي تؤثر في
الفرد العامل و أهمها:
العوامل الفنية المتعلقة بقدراته و إمكاناته و مواهبه: حيث ركزوا على
تأهيل كافة الأفراد و تدريبهم بما يؤدي إلى رفع إنتاجيتهم و الوصول بهم
إلى أقصى درجات المقدرة.
العوامل النفسية المتعلقة بالروح المعنوية للعاملين و هنا تماماً يكمن سر
نجاح الإدارة اليابانية ففي حين كان هَم الإدارة في الولايات المتحدة هو
تحقيق أكبر ربح ممكن حتى و إن كان على حساب العاملين, كانت الإدارة
اليابانية تسعى إلى تحقيق رضا العاملين و ولاءهم للمنظمة التي يعملون بها.
و من أجل كل ذلك ظهرت العديد من النظريات و الكثير من الأساليب التي أدت
بالفعل إلى تحقيق الروح المعنوية العالية.
أما عن المجال التكنولوجي و الذي يشكل السر الثاني في نجاح هذا العملاق و
يمكن لنا أن نؤكد على أن التوسع في هذا المجال استند على المورد البشري
بالدرجة الأولى, فالمقدرة العالية للفرد الياباني والتي تحققت مع تدريبه و
تأهيله, و بالروح العالية له تكمن اليابانيون من التقدم بخطوات واسعة و
سريعة تكنولوجيا و الوصول إلى درجة راقية جدا في هذا المجال.
و أخيراً لا يسعنا إلاّ الوقوف باحترام أمام هذه التجربة الفريدة لمثل هذا
العملاق الذي كان و ما يزال الأكبر في عالم يغص بتكتلات اقتصادية ضخمة من
حيث إمكاناتها و مواردها.
و إن كنا قد قارنا الحال الذي عليه اليابان في تلك الحقبة مع ما هو عليه
في الولايات المتحدة دون غيرها فذلك يعود إلى أن الولايات المتحدة هي
الدولة الوحيدة التي خرجت من الحرب باقتصاد قوي و إمكانات هائلة دون أي
دولة أخرى, فيكفي أن نعلم أنها كانت تسيطر على حوالي (80%) من احتياطي
الذهب في العالم...!
د. عمر وصفي عقيلي , إدارة الأفراد , منشورات جامعة حلب.
د. صـلاح الشنواني , إدارة الأفراد و العلاقات الإنسانية , دار الجامعات المصرية , الإسكندرية , 1976.
د. إسماعيل شعبان , العلاقات الاقتصادية الدولية , جامعة حلب
موضوع: أسطورة العملاق الياباني 
الإثنين 20 ديسمبر 2010, 21:01
