المشرف العام المشرف العام
عدد المساهمات : 5351 :
| موضوع: أسرار المعجزة اليابانية في أسباب وعوامل التطور الياباني الإثنين 20 ديسمبر 2010, 20:16 | |
| مع انتهاء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي السابق كثرت الدراسات والأبحاث والكتب(1) لكبار المفكرين والكتاب والباحثين الأمريكان والغربيين حول التجربة اليابانية الحديثة (المعجزة اليابانية) مبدين في كثير من الأحايين تخوفهم من نجاح اليابان والفوز أخيراً بالزعامة القطبية العالمية، بعد انتهاء نظام القطبية الثنائية في بداية التسعينات من هذا القرن انتهاء الحرب الباردة وذلك لأن اليابان حققت في فترة هذه الحرب قفزات كبيرة في عالم ثورة التكنولوجيا والصناعة خصوصاً، والاقتصاد عموماً ونافست بضائعها البضائع الأمريكية الأمر الذي دعاهم الكتاب للبحث في أسرار المعجزة اليابانية ليس للاستفادة والتعلم منها، وإنما لوقف أو الحد من الاندفاعة اليابانية المعاصرة، في هذا المقال سنتناول أسباب وعوامل نجاح التطور الياباني لتعريف القارئ الكريم بأهم تجربة نهضة عالمية حديثة يمكن الاستفادة منها وأخذ الدروس والعبر سيما وأن اليابان لا تنتمي إلى العالم الغربي وإنما دولة شرقية آسيوية لها تراثها ومميزاتها وخصائصها المختلفة عن أي دولة غربية.
أسباب نجاح تجربة التحديث اليابانية:
قبل أن نتناول أسباب النجاح الياباني لا بد من الإشارة إلى أن قوانين التقدم العامة تختزن في الممارسة العملية سمات إيجابية بحيث يصبح التقدم سمة المجتمع بأكمله في عملية حركية معقدة. كذلك قوانين التخلف التي تحول المجتمع في الممارسة العملية أيضاً إلى حلقات متشابكة معقدة يقع خلالها المجتمع بأسره في دائرة التخلف والتبعية التي يصعب الخروج منها إلا بكسر الحلقات الأساسية التي تسجن حركة المجتمع داخل التخلف. وبالرغم من صعوبة معرفة أسباب نجاح تجربة التحديث اليابانية بسبب ما يحيطها من غموض إلا أنه يمكننا أن نحددها بالأسباب والمجالات التالية: 1 تقديس العمل وتضخيم الإنتاج: لعب العامل الإنساني دوراً بارزاً في نجاح التجربة اليابانية، فالعامل الياباني بعلاقاته الأسرية المتماسكة وعلاقاته مع زملائه ومدرائه في الشركة أو المؤسسة التي يعمل فيها، وكذلك روح التنافس الشريف مع المؤسسات اليابانية الأخرى أو مع المؤسسات الأجنبية العاملة في اليابان، إن هذه الميزات الإنسانية لا يمكننا فهمها من دون ربطها بالأبعاد الثلاثة الاقتصادي الاجتماعي السياسي التي تشكل بتفاعلها الأساس الموضوعي الذي نبتت عليه وتميزت به تجربة التحديث اليابانية المعاصرة، والياباني يقدس نظام العمل إلى درجة غريبة. إذ أن المقاهي وأماكن اللهو الأخرى تكاد تكون خالية أثناء ساعات العمل، وتمتلئ بعد الانتهاء من العمل، ويمكن الإشارة إلى أن المعدل السنوي لساعات العمل باليابان بلغ أعلى نسبة له في العالم كله، هذا بالنسبة لتقديس العمل أما بالنسبة لتضخيم الإنتاج فيمكننا القول بأن نظام العمل هناك له دور إيجابي هام في مجال تضخيم الإنتاج، ومن سماته الإيجابية: أ اعتماد مبدأ الكفاءة، يتم اعتماد هذا المبدأ بشكل دقيق بحيث أن الياباني لا يشعر بوجود حواجز ماتقف أمامه أو تعرقل جهده الفعال للوصول إلى الغاية المرجوة، وبالتالي هناك تشجيع مستمر لعمله. ب الافتخار بالانتساب إلى الشركة أو المؤسسة، وهذه سمة هامة في نظام العمل الياباني إذ يتحول العامل أو الموظف إلى جزء لا يتجزأ من الشركة أو المؤسسة التي يعمل بها، ويبقى العامل مستقراً في شركته طالما بقي على قيد الحياة، حيث الرتبة والراتب لا يفارقانه طيلة عمله بالشركة، ولا يوجد نظام النقل، أي نقله من مؤسسة إلى أخرى كما هو الحال في معظم البلدان النامية. ج التوازن بين المصلحة الخاصة ومصلحة الجماعة: يقوم نظام العمل الياباني بالدرجة الأولى على المصلحة العامة مع عدم الإضرار بالمصلحة الفردية الخاصة أي أن مصلحة الشركة هي المحددة لنظام العمل. ولا توجد أضرار لمصلحة الفرد ما عدا عدم الاستقرار للنساء العاملات إذ يتم قذفهن إلى الخارج ولا يشعرن بالاستقرار عند زواجهن وانجابهن للأطفال، وعدا عن هذا فالشركة تؤمن قسطاً كبيراً من حاجيات ومتطلبات العاملين لديها، وتعتبر الشركة بالنسبة للعامل مصدر فخر واعتزاز بالانتماء إليها. 2 الجماعية في اتخاذ القرار: يتميز اليابانيون بالروح الجماعية والعمل كفريق متكامل وهذه سمة من سمات شخصيتهم الوطنية، والمجتمع الياباني استطاع أن (يتغلب على الطبيعة الشاقة التي تواجد فيها بفضل صياغة نمطه المتفرد من الوحدة التكوينية بحيث أصبحت الأمة في عصرها الحديث مؤسسة ووحدة تكوينية فيها لا تتحرك إلا بعد أن ينصهر القرار أو الاتجاه في بوتقة الإجماع أو على الأقل الموافقة الضمنية الاجتماعية، ومن هنا استطاعت اليابان أن تتفتح على كل معطيات العالم الحديث - منذ عصر ميجي- تستوعبها ثم تعيد صياغتها بشكل يناسب تراثها الفريد في التعبئة الوطنية الشاملة)(2). 3 الإدارة اليابانية: تعتبر الإدارة أحد مفاتيح الاقتصاد الياباني، هذه الإدارة التي تتداخل عوامل نجاحها بين التعليم الممتاز والنسيج الاجتماعي التاريخي الذي يربط اليابانيين بالعمل والولاء للمؤسسة وعطف الإدارة وتفهمها لمطالب وحاجات العاملين لديها. والإدارة اليابانية تتميز بالعقلانية والعملية ويتجلى ذلك بما يلي: الاعتماد على الكفاءة والمستوى العلمي وليس التوارث أو المحسوبية. الاعتماد على الأقدمية والسن للتدرج في السلم الوظيفي إلى نهاية الخدمة. التعاون الوثيق والعلاقة الحميمة بين العمال والمدراء على كافة المستويات، وتبني مبدأ القرار الجماعي. التعاون الوثيق بين نقابات العمال ورجال الأعمال وبينهم وبين إدارات الدولة والتصرف العقلاني على أساس أن الأفضلية المطلقة يجب أن تعطى لمصلحة اليابان العليا ودورها على المستوى الدولي. الاعتماد على مبدأ العامل الشريك في العمل وإشعاره بالاستقرار العام طيلة حياته المهنية بحيث يتحول إلى جزء لا يتجزأ من الشركة أو المؤسسة التي يعمل بها كما مرّ معنا آنفاً. حل المشاكل العالقة عن طريق التحكيم والمساومة ورفض اللجوء إلى الإضرابات وتعطيل الإنتاج وبالرغم من سلبيات هذا المبدأ على مستوى العامل المعيشي إلا أن نتائج هامة تحققت على هذا المبدأ في مجال تضخيم الإنتاج الياباني وتجميل صورة اليابان كواحدة من أكثر البلدان استقراراً داخلياً، وإفادة لأصحاب الرساميل الضخمة التي تبحث عن الاستقرار في عالم شديد الاضطراب، وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى أن وزارة التجارة الخارجية والصناعة اليابانية MITI تقوم بتمويل المشاريع الداخلية والخارجية وتساهم في إقامة التوازن بين الشركات اليابانية وبين القطاع العام والخاص، وفي تمويل المشاريع ذات الأبعاد المستقبلية، وترفض المشاريع ذات الإنتاجية المتدنية، وتعطي الأولوية للسلع ذات الإنتاج التنافسي علي المستوى العالمي خاصة في مجال الإلكترونيات والكمبيوتر.. 4 التعليم: أصبحت مناهج التربية والتعليم اليابانية اليوم من المناهج العالمية التي تنظر إليها وتحاول تقليدها الأمم الأخرى، ويؤخذ على نظام التعليم الياباني عدم إعداد الطلاب نظرياً بشكل كاف، والاكتفاء بالإعداد المهني والعملي السريع، وفي المنزل تساعد الأم على تهيئة طفلها للتعلم، كما يدفع الأب الكثير من دخله لضمان تعليم مناسب لأطفاله، ويعصب قسم كبير من الطلاب رؤوسهم بلفة من القماش في أثناء المذاكرة للامتحان كدليل ومؤشر على التصميم متذكرين بذلك تصميم أجدادهم الساموراي في الحرب من أجل الانتصار. 5 الإعلام: تعتبر شبكة الإعلام اليابانية شبكة هائلة وتشمل المطبوعات والصحف اليومية التي توزع بالملايين وضمن إقليمية ومحطات تلفزة قومية وتجارية، اليابانيون يقومون بدفع اشتراكاتهم للتلفاز الياباني على غرار البريطانيين ولكن بطريقة تطوعية ونسبتهم 90% من المواطنين بانتظام دون مطالبة من الجهات اليابانية المسئولة. 6 الاستفادة من الظروف الدولية: وبالإضافة إلى ما تم ذكره فيما سبق يمكن أن نذكر في هذا الصدد قدرة اليابان على الاستفادة من الحظر المفروض عليها من قبل التحالف بعد الحرب ونزع سلاح وترويض الروح العسكرية اليابانية التي كانت حتى ذلك الوقت سمة من سمات الشخصية اليابانية، ورب ضارة نافعة كما يقولون فقد تمكنت اليابان من خلال تلك السياسة من توفير الطاقة التي مكنتها من التوجه للإنتاج الاقتصادي من أجل السلام والاعتماد على الأمريكان لحفظ السلام في جنوب شرق آسيا، أي باختصار استفادت اليابان من أجواء وظروف الحروب الباردة بالانصراف للعمليات الاقتصادية، ووفرت لنفسها قدرة اقتصادية وتكنولوجية هائلة ظهرت تجلياتها بعد انتهاء الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية، ودخلت اليابان النظام العالمي الجديد كقطب عالمي مرشح لتتبوأ موقعاً متقدماً قد يصل إلى درجة الزعامة القطبية الأولى مستقبلاً. خاتمة: وفي الختام نجد كل هذه الأسباب المذكورة التي يمكن أن تكون عوامل التجربة اليابانية الحديثة، ويمكن تلخيص النجاح الياباني وقوة تجربته بحفاظه على تراثه التاريخي ومشاركته في الحضارة الحديثة في آن واحد، ويقول في هذا الصدد الدكتور محمد الرميحي رئيس تحرير مجلة العربي الكويتية: "ومن هنا أيضاً يتأكد لأهل الرأي في الأمم الأخرى أن نجاح اليابان نجاح إنساني ولو توافرت ظروف مشابهة ولا نقول مطابقة لما توفر لليابان وهذا ممكن لأصبحت دول وشعوب أخرى تجاربها ناجحة بنجاح التجربة اليابانية نفسها على الأقل في الإطارين السياسي والصناعي(3). وبالنسبة للعالم العربي فللأسف لم يتم الإطلاع بشكل كاف ومطلوب حتى الآن على المعجزة اليابانية وحقيقتها وظروفها وحيثياتها بالرغم من أن اليابان نفسها استفادت من فشل تجربة محمد علي في مصر التحديثية، ويشير في هذا الصدد الباحث الدكتور مسعود ضاهر(4) إلى ندرة الترجمات العربية للكتب والدراسات اليابانية وأن ما يتم اعتماده موضوعات بعض الصحف والدوريات الأمريكية والأوروبية، وكذلك بعض الترجمات عن اليابان. إن اليابانيين يترجمون كل ما يصدر بالعربية عن اليابان، في حين أن العرب يفتقرون إلى الأبحاث المؤلفة عن اليابان أو الترجمات عن الكتب اليابانية، والبعض يعزون السبب لصعوبة اتقان اللغة اليابانية، ولكن هذا لا يعد مبرراً بحد ذاته طالما أن العديد من الباحثين الغربيين يتقنونها بشكل جيد. ويمكن القول بأن شعباً يمتلك حضارة عريقة كالشعب العربي يحتاج إلى دراسة معمقة لتلك التجارب الرائدة التي تسعى إلى الحفاظ على الذات مع الانفتاح الكامل على روح العصر وحضارته وثورته الإعلامية والمعلوماتية، إن التجربة اليابانية يمكن أن تكون مثالاً يحتذى حول نهضة كانت تفتقد إلى الحد الأدنى الضروري من المواد الخام في بلد (مساحته محدودة بالنسبة لعدد سكانه) لكن الإنسان الياباني بإرادته وعلمه وعمله ومثابرته استطاع إنجاح تلك التجرب والمعجزة (المعجزة اليابانية)
| |
|