هذه مُجرَّد مُعاينة لتصميم تم اختياره من موقع Hitskin.com
تنصيب التصميم في منتداك • الرجوع الى صفحة بيانات التصميم
مستقبل النضال الفلسطيني.. رسالة إلى الشباب
2 مشترك
منتدى القلوب الصادقة :: الأقسام الفكرية والثقافية :: قسم الطلاب عامة :: فضاء الجامعة :: منتدى العلوم السياسية
صفحة 1 من اصل 1
مستقبل النضال الفلسطيني.. رسالة إلى الشباب
مستقبل النضال الفلسطيني.. رسالة إلى الشباب
عزمي بشارة
يبدأ موضوعنا اليوم بكلمة نلفظها ونخشى أن نعيها في الأزمات. إنه لفظ"مستقبل" الذي غالبا ما نستخدمه آليا من دون التفكير فيه. إنه غير المفكرفيه بامتياز في هذه المرحلة الحرجة من التاريخ الفلسطيني الغارق في تفاصيلسياسة "العملية السياسية". والتفاصيل هنا ليست تفاصيل شيء يُستدل به علىمستقبل ما، بل إنها تفاصيل ذاتها فقط. تفاصيل زائلة ما إن تنشأ وتحظىبالتفاتة حتى تختفي وتصبح ماضيا.
والمستقبل مضمر حتى في الخلاف الفلسطيني الفلسطيني. فالبوح بتصوراتهالمتناقضة مدعاة للحرج والخجل من حقيقة ما ينتظر في نهاية مفاوضاتٍ لانهاية لها أصلا من جهة، ومدعاة للسخرية مما يسمى لا واقعية الطرح من الجهةالأخرى.
فماذا نقول للشباب؟ سواء كانوا مكترثين أو غير مكترثين بالمستقبل، إنهمالمستقبل ذاته، وهم بالإحالة "ممثله الشرعي والوحيد". ولا شك أن فهمهمللماضي والحاضر جوهري في تحديد هويتهم. ومن دون المستقبل، أي من دونالغاية، تنقلب هذه عصبيةً بلا معنى.
وفي هذه الأثناء ينشغل من يُفترَضُ أن يقدّم تصورا لمستقبل المجتمعالفلسطيني بالحنين إلى ماض ثوري مقاوم فعلا، ولكن لا بد من زرعهبالأساطير، لتجنيده كتعويض عن بؤس الحاضر وتغييب المستقبل، أو ينشغل فيوسم هذا الماضي كسلسلة من الأخطاء لشطبه، ولتبرير هجرانه من قبل حاضر لايريد أن يمتّ له بصلة.
ويغرق الناس بفيض من تفاصيل التسوية والمفاوضات وزيارات المبعوث الأميركي وتجميد الاستيطان ولجنة المتابعة العربية.
ولا يصح في الانشغال والإشغال هذا إلا تسمية صناعة العدم والعبث. فهذهكلها لا تصلح لتتصدَر نشرة إخبارية في مجتمع واقع تحت الاحتلال. وهي لاتكاد تصلح لأن تكون ملاحظة على هامش الخبر. لقد كان آخر خبر صنعته القيادةالفلسطينية قبل عقدين تقريبا. وما زال الوضع الناجم عنه يحول بيننا وبينالتفكير في مستقبل النضال الفلسطيني.
والخبر مركب من ظروف تاريخية اجتماعية وسياسية سابقة وراهنة ومن خياراتسياسية ذاتية. وسبق أن قمنا بتحليله وتشخيصه مرارا ولن نفعل ذلك مرة أخرى،ولكننا نود التذكير بعناصره قبل أن نتناول مستقبل النضال الفلسطيني.
"
ما الانتفاضة الأولى إلا شكل فريد للنضال الشعبي تم تأطيره والحفاظ علىديمومته في محاولة من قبل القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في الداخللأن يلتف على تهميش منظمة التحرير بعد عام 1982، وعلى انسداد الجبهاتالعربية كافة في وجه المقاومة الفلسطينية
"
أولا: الظرف الموضوعي والخلفية التاريخية
النضال الوطني الفلسطيني هو نتاج صراع بين السكان الأصليين العرب فيفلسطين وحركة استعمارية استيطانية عرّفت وتعرف نفسها بأنها حركة قومية،ولا ينفصل فيها الانتماء القومي عن الديني، وتمارس الاستيطان باعتبارهعملية من بناء الأمة وإقامة الدولة وبناء المؤسسات.
وقد اتخذ النضال الفلسطيني شكلا منظّما في سياقات تشكلِ وعي عربي يرفضتقسيم بلاد الشام. ووصلت قمتها التنظيمية في ستينيات القرن الماضي بوجودمشروع عربي يتبنى حركة وطنية تولدت عنها كيانية فلسطينية. ولم يقم فصيلفلسطيني واحد منذ عام 1936، ثم بعد النكبة في الخمسينيات والستينيات منالقرن الماضي خارج هذا السياق. كان النضال الوطني الفلسطيني جزءا منالصراع العربي ضد إسرائيل، بوصفها مشروع احتلال استيطاني لأرض عربية.
وقد اختلّت هذه المعادلة التي قامت على اعتبار قضية فلسطين قضية العربعندما وصلت إلى الحكم في أكبر دولة عربية نخب سياسية عسكرية تبعتها فئاتاقتصادية استنتجت من هزيمة عام 67، ومن نتائج حرب 73 غير المكتملة، ضرورةالتسوية مع إسرائيل كجزء من الانتقال إلى المعسكر الأميركي اقتصادياوسياسيا (اقرأ التبعية!).
لقد تطلب إنفاذ هذا القرار تحوّلات سياسية واجتماعية وحتى ثقافية، كماتطلب عبور حواجز وروادع لا يمكن تجاوزها من دون تغيّر عميق في الشخصيةالثقافية والسياسية وفي الفهم الذاتي للنخب الحاكمة.
فمثلا، تشترط التسوية المنفردة مع إسرائيل على أساس حدود 4 حزيران 67افتراض أن قضية الدولة العربية الجانحة للسلم هي استعادة سيناء. عندهاتبدو استعادتها نصرا، وحلا للقضية. والنصر كما هو معلوم أفضل من الهزيمة.والواقع أن إسرائيل احتفظت بها لغرض مقايضتها بالسلام والاعتراف، وأن هذهالصفقة، وأصنافها على كافة الجبهات، هي في الواقع تحقيق للهدف الإسرائيليمن الحرب.
وهذا يعني أن قضية فلسطين ليست قضيتها. كما يقود إلى كتابة تاريخ صراع هذهالدولة مع إسرائيل منذ 67، والكبت السياسي والثقافي والاقتصادي لما سبقحرب 67 وأسبابها. وإلا فكيف يمكن إقناع مجتمع أو شعب أو حتى جزء منهبالسلام وتبادل السفارات مع كيان استيطاني احتل جزءا من الوطن العربيواستوطنه؟
لا بد من إقناعه على الأقل بأن قضيته ليست قضية فلسطين، وإنما قضية أراضيهذه الدولة التي احتُلت عام 67، وهذا يعني مسا ضمنيا بعروبته وبدء عمليةالتشكيك فيها، كما يعني أمرين آخرين: أن فلسطين قضية الفلسطينيين، وأن أيدولة عربية لم تُحتل لها أراض عام 67 ليس لها شأن هنا.
وما شأن المغرب وموريتانيا والعراق بموجب هذا التفكير؟ شأنها هو عروبتها ذاتها. فهذه الدول ليست فلسطين، ولا احتلت أراضيها عام 67.
سوف تطرح هذه التحولات لاحقا أسئلة كبرى متعلقة بالتطبيع مع إسرائيلوأسئلة كبرى متعلقة بهوية الدول وشعوبها، وأسئلة أخرى متعلقة بسلوك الدولالعربية تجاه احتلالات أخرى في المنطقة.
لقد تبلورت الهوية العربية الحديثة على أنها هوية قومية ثقافية سياسيةتطمح إلى أن ترسي أساسا لبناء أمة من خلال تناقضات وتسويات محورها رفضتقسيم بلاد الشام في اتفاقيات سايكس بيكو، والالتفاف حول فلسطين من المحيطإلى الخليج، ولاحقا حول تحرير الجزائر باعتبارها قضية العرب جميعا، ومنخلال التمسك بعروبة أي بلد عربي في صراعه ضد الاستعمار.
ولذلك يصعب حصر حجم إسقاطات وتداعيات خطوة توقيع دول عربية كبرى اتفاقسلام مع إسرائيل (من دون حل قضية فلسطين) على الهوية العربية في كافةالمجتمعات العربية.
كان هذا خيار قيادات ونخب سياسية اقتصادية، ولكنه بعد أن خلق واقعا جديدايتلخص في خروج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي، تحوّل هذا الخيار الذاتيالذي اتخذته قيادة سياسية عربية إلى ظرف موضوعي بالنسبة للقياداتالفلسطينية. وكان بإمكان القيادة الفلسطينية أن تستنج من هذا الواقعالمعطى الجديد خيارات مختلفة.
وما أجّل حسم هذه الخيارات لعقد كامل هو وجود معسكرين عالميين، ورفضأحدهما لسلام برعاية الآخر. فقد وفر ذلك إمكانية تحالف مع الاتحادالسوفيتي ضد السلام المصري الإسرائيلي كسلام أميركي (باكس أميركانا، هوالتعبير الذي استخدم في تقبيحه، بغض النظر عن عدالته).
وانتهت المهلة مع انهيار منظومة الاتحاد السوفيتي، وتبعه تفكك النظام العربي الرسمي بشكله المعروف حتى تلك الفترة.
فمع انهيار الاتحاد السوفيتي انهارت الجبهة العربية ضد الصلح المنفرد(الصمود والتصدي)، وانهارت الروادع والكوابح عند من أيد خطوة السادات فيمكنون نفسه كاتما تأييده خوفا أو خجلا.
ففي العقد الواقع بين 1978-1979 و1988-1989 كان المعسكر الرافض للصلحالمنفرد ما زال حيا يسنده معسكر عالمي. وكان مع بوادر وهنه يجهل دنوّساعته.
ورافق انهيار المعسكر الاشتراكي تفكك النظام الرسمي العربي بعد حرب الكويت. ونجم عنهما انسداد السبل أمام الانتفاضة الأولى.
وما الانتفاضة الأولى إلا شكل فريد للنضال الشعبي تم تأطيره والحفاظ علىديمومته في محاولة من قبل القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في الداخلأن يلتف على تهميش منظمة التحرير بعد عام 1982، وعلى انسداد الجبهاتالعربية كافة في وجه المقاومة الفلسطينية.
لقد كانت الجبهة الوحيدة المفتوحة أمام المقاومة الفلسطينية منذ حرب 73 هيالجبهة اللبنانية وقد أغلقت هذه الجبهة بعد حرب عام 82. وبقيت جبهةالاحتكاك الرئيسية مع إسرائيل هي المناطق المحتلة عام 67، وسرعان ما تحولتإلى ساحة المواجهة والصدام الرئيسية التي بحوزة القيادة الفلسطينية، وذلكليس فقط في صراعها مع إسرائيل، بل في صراعها من أجل البقاء كقيادة معترفبها عربيا ودوليا.
"
كل ما نريد أن نوصله لعقل وقلب الشاب العربي والفلسطيني، أنه بعد التقييمالعاقل والموضوعي للظروف، يأتي دور حرية الإرادة في صنع الخيارات. هذهالحرية هي شرط النضال. وهي شرط المعنى في حياة الشباب
"
ثانيا: أمام الخيارات التفاوضية
بعد حرب الكويت وانهيار المنظمة الاشتراكية وتفكك النظام العربي، ومعهالجبهة المعارضة للحل المنفرد، وبدء المفاوضات العربية مع إسرائيل التيتحولت إلى مفاوضات منفردة في ما بات يسمى "مسارات" تخوضها "أطراف" (منضمنها "طرف" إسرائيلي) في "عملية السلام" لحل "أزمة الشرق الأوسط" (وغيرهامن مساحيق مغسلة اللغة ومصبغة المصطلحات الصحفية ووكالات استيرادالمصطلحات السياسية الأميركية في فهمنا لذاتنا وأفعالنا)، وقفت القيادةالفلسطينية أمام ما بدا لها خيارين لا ثالث لهما:
1- الانقراض في المنفى في تونس بعيدا عن جبهات المواجهة وعن أماكن تجمعالشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة والأردن ولبنان وسوريا، وبعيدا عنالمفاوضات.
2- طرح رزمة مغرية لإسرائيل والولايات المتحدة عبر الوسيط الأوروبي (أوسلو في هذه الحالة).
وتتلخص الرزمة في تنازل القيادة الفلسطينية عن العناصر الرئيسية المكونةلقضية فلسطين وعن طابع وتاريخ ممارسة حركة التحرر، وذلك مقابل الاعترافالأميركي الإسرائيلي بمنظمة التحرير الفلسطينية (م. ت. ف) وتأهيلهاللانضواء تحت لواء الصلح المنفرد مع إسرائيل.
ولكنه هذه المرة ليس صلح دولة عربية مع إسرائيل، بل هو صلح مع من بات يسمى"صاحب القضية"، ذلك الذي "يستطيع أن يمنح إسرائيل الشرعية"، لأنه "الممثلالشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني"، خلافا لقيادات من مناطق 67 جُمعتلتفاوض. وما كانت لتتجرأ على الذهاب إلى مدريد لولا الضوء الأخضر من م. ت.ف.
لقد تحولت مقولة "الممثل الشرعي الوحيد" إلى أداة مساومة. وتكمن قوتها فيقدرتها على مقايضة الشرعية. فالممثل الشرعي صار يعني أنه القادر على فتحبوابة لإسرائيل لاكتساب الشرعية في المنطقة العربية وحتى في العالمالإسلامي.
لقد كانت تلك القيادة مقتنعة بأن جهازها البيروقراطي الباقي في تونس بعدحرب 1982 من دون النظام العربي ومن دون النظام الدولي القديم، وبعيدا عنتجمعات الشعب الفلسطيني سوف ينقرض عاجلا أو آجلا، إذا بقي مقصيا خارجصالونات الدبلوماسية.
فقد أصرت الولايات المتحدة حتى أوسلو على التفاوض مع قيادة فلسطينية فيالضفة الغربية وقطاع غزة كاستمرار لنهج كامب ديفد المصري الإسرائيلي الذييرى في أراضي 67 المشكلة الوحيدة التي تحتاج إلى الحل كشرط للسلام، وعلىأساسها قامت معاهدة مدريد.
ما رأيناه في حينه خيارا خاطئا وازداد اقتناعنا بفداحته عبر السنوات، لمتره القيادة الفلسطينية خيارا أصلا. لقد كان بالنسبة لها ضرورة وجودية.والمقصود وجودها هي، واستمرارها قيادة، وليس وجود الشعب الفلسطيني.
وقد أثبتت الأحداث هذا الترابط العضوي بين وجودها وبين عملية التسوية،وكان التجلي الأوضح حين وُضِع حد لوجود رمز هذا الخيار الرئيس الشهيد ياسرعرفات عندما تعارض مع استمرار التسوية، لأنه أصر حتى اللحظة الأخيرة علىأن يستمر في التفاوض مع الحفاظ على بعض الثوابت (ليس كلها)، ومن بينهاالقدس. كما حاول أن يلتف على التنسيق الأمني مع إسرائيل. وهو الأمر الذياعتبرته إسرائيل، وما زالت تعتبره، وظيفة السلطة الرئيسية في الاتفاقيات.
وكانت المحاولة الأخيرة التي عشناها جميعا في الانتفاضة الثانية التيتعتبرها إسرائيل، خلافا لما يروّجه أنصار التسوية حاليا، إحدى "حروبها"الأكثر شراسة حتى اليوم.
وقد استقطبت بعدها الساحة الفلسطينية، إذ استنتج منها مؤيدو التسوية ضرورةالإخلاص للتنسيق الأمني مع إسرائيل والرهان على المفاوضات وحدها وإقصاء كلخيار آخر. واستنتج منها مؤيدو المقاومة أن خيار التسوية يعني التنسيقالأمني مع الاحتلال لقطع رأس المقاومة، وحتى رؤوسهم أفرادا.
لماذا قمنا بهذا الاستعراض؟ ليس لنكرر تحليلا قمنا به في السابق. بل لنبينلجيل الشباب أنه أمام المعطيات والوقائع التي يجب أن نقيّمها وندرسهابالعقل، هنالك خيارات لا ضرورات فقط. والنضال خيار.
لم يكن النضال بعد الانتفاضة الأولى خيار القيادة الفلسطينية، بل كانخيارها استثمار هذه الانتفاضة لإنقاذ نفسها في ظل المعطيات الدوليةالجديدة. وذلك ليس لأن النضال يتعارض ومصالح الشعب الفلسطيني، بل لأنهاوضعت استمرارها السياسي وبقاءها قيادة فوق حقوق ومصالح الشعب الذي تمثل،ورهنا بالمعطيات الدولية.
والدليل على أن هذا الخيار لم يكن الخيار الوحيد الممكن، أنه في نفساللحظة التاريخية تولّدت خيارات مقاومة أخرى أنجبت قيادات أخرى. وبإمكانناأن نتخيل ماذا لو قررت القيادة الفلسطينية في حينه استمرار النضال فيالظروف الجديدة بوسائل جديدة في إطار يستوعب القوى الجديدة الناشئة علىالساحة الفلسطينية التي تتبنى خيار المقاومة. لا وجود لـ"لو" في التاريخ.ولكننا نوردها فقط لكي لا تطمئنَ القلوبُ لضرورات هي في الواقع خيارات.
فكل ما نريد أن نوصله لعقل وقلب الشاب العربي والفلسطيني، أنه بعد التقييمالعاقل والموضوعي للظروف، يأتي دور حرية الإرادة في صنع الخيارات. هذهالحرية هي شرط النضال. وهي شرط المعنى في حياة الشباب.
"
لا يمكن أن تكون مؤمنا بالحرية والعدالة الاجتماعية، ولا يمكن أن تكون وطنيا من دون أن تتخذ موقفا بين المقاومة والتعاون مع الاحتلال
"
ثالثا: ماذا يعني النضال في هذه الظروف
لقد عمم في العقود الأخيرة على مستوى النظام العربي نموذج كامب ديفدالمصري، وذلك على مستوى الممارسة من خلال الاتفاقات الموقعة والمفاوضات(الجاري منها والمتوقف) وكان تعميم نموذج الصلح المنفرد على المسارالفلسطيني هو الأهم بعد السلام المصري مع إسرائيل. وهو الأكثر تشويها. فقدخضع لنموذج ميزان القوى بين دولتين (كما في حالة السلام المصريالإسرائيلي)، لكن من دون دولتين.
لقد تم التنازل عن صيغة حركة التحرر الوطني في الصراع قبل أن تحقق الحركةأهدافها، وقبل أن تنشئ دولة على جزء من الأرض المحتلة على نمط التفكيرالمرحلي.
لقد تخلت عن صيغة حركة التحرر، فخسرتها ولم تكسب الدولة. وكانت النتيجةسلطة فلسطينية مكلّفة بشؤون السكان، ومكلفة بالتنسيق مع الاحتلال أمنيا ضدالنضال الفلسطيني، وتتحمل أعباء الاحتلال، ولكنها معتمدة على أذونهوترخيصاته وتأشيراته، وعلى رضاه السياسي والأمني، وعلى التمويل الأوروبيوالأميركي المشروط منذ الانتفاضة الثانية بحسن سلوك هذه القيادة وشعبها.
لقد انتقلت القيادة التاريخية للشعب الفلسطيني إلى وضع الرهينة، رهينةالاحتلال. يمكنها أن تفاوض وأن تعلق أن تفسّر، ولكنها لا تصنع خبرا، إنهارهينة من يصنع الخبر. وهي تحاول أن توسّع هامش ومساحة حركة الرهينة من دونأن تتجاوز السقف المفروض، فهي متجردة ذاتيا وموضوعيا من كافة الخياراتالأخرى.
والكارثة الكبرى أن فصائل منظمة التحرير التي عارضت الاتفاقيات، ولم تجدلها بديلا نضاليا أو حاضنة بديلة عن النظام الدولي الذي انهار، تآكلت فيالبداية أمام الجمعيات والمنظمات غير الحكومية في إيجاد مصادر عمل بديلةللمناضلين السابقين مؤدلجة بشعارات مثل المجتمع المدني وغيره.
ولكنها ما لبثت أن تحولت هي ذاتها إلى ما يشبه الجمعيات غير الحكوميةتمولها السلطة الفلسطينية، الممّولة بدورها من قبل "الدول المانحة"و"الرباعية".
وكما عم نموذج كامب ديفد على مستوى الدول، عم نموذج المنظمات غير الحكوميةعلى مستوى الفصائل والأحزاب التي أصرت على البقاء في المجتمع السياسيالجديد الذي يسيطر عليه خطاب أميركي ولغة أميركية والمنشغل بلعبة واحدة هي"عملية السلام" تأييدا ونقدا، مديحا وذما... ونجا من هذه الصناعة من بقىفي إطار المقاومة.
كان النضال الفلسطيني نضالا في إطار حركة التحرر. وكانت حركة التحررمحتضنة من قبل نظام عربي، كان في خطاب "تقدمييه" و"رجعييه" معارضاللاحتلال الأجنبي، أي احتلال.
لقد منعت الأنظمة العربية المقاومة على حدودها منذ أن قررت انتهاء خيارالحرب، ومنذ أن انخرطت في عملية التفاوض مع إسرائيل، التي تسمى بإيجابيةأحيانا "مسيرة السلام" على وزن "مسيرة النضال" أو "مسيرة التحرر". وانضمتإليها القيادة الفلسطينية التي أصبحت نظاما عربيا (أو ترغب في أن تصبح).
مذ ذلك غابت صورة التحرر الوطني، وانقسم العرب إلى مناصري تسوية ومناصري مقاومة. وهي مفاهيم جديدة لم نعهدها.
ومن نافلة القول أننا لم نعهد قبول العالم العربي باحتلال بلد عربي، فبتنانعهد تسليم النظام الرسمي العربي باحتلال فلسطين، ثم العراق، واعترافهبسلطات تحت الاحتلال.
ولم نعهد في الماضي نضالا خارج إطار حركة التحرر فبتنا نعهده. كان للنضالقيم تعتبر المقاومة شرطا ضروريا، وكان يتجاوزه إلى مفاهيم تحررية أخرى لاتقتصر على مقاومة الأجنبي. واكتفت المرحلة بـ"مقاومات" يميّزها الاكتفاءبشرطها الضروري، وهو مقاومة الأجنبي.
وانسدت حدود الدول أمام المقاومة. فالدولة باتت تعني التسوية والتمسكبـ"عملية السلام". وتدبّرت المقاومة أمرها في المناطق التي تنسحب منهاالدولة أو تضعف، مثل ألا تكون دولة بل سلطة تحت الاحتلال، أو مثل أن تحتميالمقاومة بطائفة، بمجتمع مذهبي، حيث تضعف الدولة أمام الطوائف.
هنا يُطرح السؤال، هل هذا هو أفق النضال الذي نقدمه للأجيال القادمة؟ لامكان، ولا مجال للاستخفاف بضرورة الوقوف مع المقاومة ضد الاحتلال، فهامشالمناورة هنا ضيّق عند من ما زال يحمل قيم النضال والتحرر.
"
كنا في الماضي نطلق تسمية معينة على من يقايض الأهداف الوطنية بظروف حياةأفضل تحت الاحتلال، مثلما لم يكن تسليم معلومات للاحتلال عن مناضلين يسمى"تنسيقا أمنيا"
"
ولا يمكن أن تكون مؤمنا بالحرية والعدالة الاجتماعية، ولا يمكن أن تكونوطنيا من دون أن تتخذ موقفا بين المقاومة والتعاون مع الاحتلال.
وكلما اتسعت الهوة بين المقاومة وعدم المقاومة، بتحويل عدم المقاومة إلىفعل معاد للمقاومة، بالتنسيق مع الاحتلال مثلا، فإن هامش الخيارات يضيقبالنسبة لأي إنسان وطني.
والوطنية ليست شعارا، أو رسوما (كليشيها)، أو طرزة قديمة عفا عليها الزمن.الوطنية ليست تعصبا، ولا هي حركة إيديولوجية قومية. الوطنية هي الشرطاللازم لحياة مجتمع سوي، ومؤسسات شعب، واقتصاد طبيعي، وإنتاج ومنتجين،وتربية وتعليم، وقيم وأخلاق.
في ظل الوطنية قد ننقسم إلى ديمقراطيين وليبراليين وأصوليين. ولكن من دونوطنية لا ننقسم تحت سقف يجمعنا، بل ننحل انحلالا. ونتحول إلى عصابات ذئابوأيتام على موائد اللئام يحكم علاقتهم قانون الغاب، وتعبث بهم وبهويتهموثقافتهم، وحتى تصوراتهم عن ذاتهم القوى الاستعمارية.
من هنا، لا أفهم وطنية تحتار في الخيار بين المقاومة، مهما كان طابعها،وبين التنسيق الأمني مع الاحتلال. ولا أعرف وطنية لا يثيرها ولا يستفزهاولا يدفعها إلى الحسم تسليم شاب مناضل لقوات الاحتلال، مهما كانت دوافعهذا الشاب، ومهما كانت دوافع الذي سلمه.
وعندما أراجع مع شباب هذا الوطن تاريخ فصل قضية فلسطين عن العرب لتصبحقضية الفلسطينيين، وعندما أراجع النتائج المترتبة على ذلك في الفرز بينقوى التسوية من جهة ومقاومة من دون حركة تحرر من جهة أخرى، فغالبا مايذكّرني بعض الإخوة بما كتبته في الماضي من أن من لا يناضل من أجل حقوقهلا يُتوقع منه أن يناضل من أجل فلسطين.
فهل تريد أن ننتظر تحرر العرب لكي نعود ونخلق جبهة عربية من أجل فلسطين؟هل علينا أن ننتظر أن يناضل العرب لتغيير واقعهم في دولهم؟ هل هذا ماتعنيه باستعادة البعد العربي لقضية فلسطين؟
عندما كان العرب يُلامون بأنهم لا يخرجون للتظاهر من أجل فلسطين كنتُأقولُ مدافعا إن الناس لا تحترف التظاهر، ومن لا يناضل من أجل قضاياه لاينتظر منه أن يناضل من أجل فلسطين. والمقصود هو أن النضال من أجل فلسطينيتجاوز التضامن والتظاهر في المناسبات والأزمات، إذا كانت فلسطين قضيةالمجتمع، وإذا كان النضال جزءا من مشروع نظام، أو جزءا من مشروع معارضة،بحيث يتعلق برؤية مستقبل البلد ومستقبل العالم العربي.
وخارج هذا السياق يكون الموقف مع فلسطين تضامنا صادقا ومهما، لكنه متقطع تنقصه الديمومة.
هل ننتظر إذا نشوء مشاريع عربية لأنظمة، أو مشاريع معارضات عربية؟ لا ليسهناك وقت للانتظار ولكن الخلاف بيننا ليس على الانتظار، بل على ماذا نفعل.
هنالك من استنتج من عدم الانتظار الذهاب إلى التسوية حتى النهاية، بما فيذلك التنازل على الحقوق الثابتة غير القابلة للتصرف. فاشتدت دهشته حين لميجد الاحتلال متمسكا بثوابته فقط، بل يزداد تمسكا كلما تجرد هو من أسلحتهومن خياراته.. حتى أصبح بوسع أي شاب فلسطيني أن يعدد الثوابت الإسرائيليةويشخصها حتى في غابة التفاصيل التي يشغلونه بها:
- رفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
- التمسك بيهودية إسرائيل. وهي ليست يهودية مستجدة، بل هكذا أعلنت دولة إسرائيل منذ عام 48، وهكذا استمرت بالنظرية والممارسة.
- وضع الاعتبارات الأمنية فوق أي اعتبار سلام. وضمن تفسيرات وتطبيقات هذهالاعتبارات أن يكون أي كيان فلسطيني منزوع السلاح، وأن لا ينشأ تواصل بينهوبين الدول العربية من دون إذن إسرائيلي.
- لا عودة إلى حدود 67 في الضفة الغربية.
- الاحتفاظ بالسيادة الإسرائيلية على القدس.
- الحفاظ على العلاقة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة بشكل يميّز هذهالعلاقة كمّا ونوعا، سياسيا وثقافيا واقتصاديا، عن علاقات الولاياتالمتحدة مع الدول العربية المتحالفة معها.
قد يعني عدم الانتظار إذا الاندفاع إلى التسوية. وقد يعني النضال ضد مظاهرالاحتلال اليومية، وضد التواطؤ معه، والنضال ضد تقديم تنازلات متعلقةبالحقوق الثابتة، مهما اشتدت الظروف وتحوّلت الاعتبارات. والدافع هنامبدئي.
ولكن عمليا أيضا يمكن الاستمرار في النضال من دون استنزاف الشعب ووضعهأمام خيار التنازل كأنه ضرورة. وحتى من تبنى البراغماتية كإيديولوجية لابد أن يلاحظ أن التنازل عن الحقوق الثابتة لم يُقابَل بتنازلات إسرائيليةتحقق للفلسطينيين حقوقا، بل تمت مقايضتها بتأمين حياة أكثر راحة تحتالاحتلال.
وقد كنا في الماضي نطلق تسمية معينة على من يقايض الأهداف الوطنية بظروفحياة أفضل تحت الاحتلال، مثلما لم يكن تسليم معلومات للاحتلال عن مناضلينيسمى "تنسيقا أمنيا".
لنتذكر كيف كان يوصف فرد أو مجموعة تجتمع مع ضباط الاحتلال لمناقشة كيفيةإحباط عملية فدائية، أو كيفية تسليم مطلوبين، أو لتبادل المعلومات عن مكانوجودهم. بالتأكيد ما كنا نصف ما يقومون به بعبارة "تنسيق أمني".
"
عندما يُلقى سلاح النضال، ويتم التخلي عن إستراتيجية النضال الشامل تغدو المفاوضات تفاوضا على الحقوق، وليس لإحقاق الحقوق
"
أما حين تمارس ذلك قيادة مُمَأسسة، ومعترف بها دوليا، ولديها إمكانات فإنالمصاب جلل رغم غسيل التسميات، لأنه في هذه الحالة يتم نخر المجتمعالفلسطيني، بنخبه ومثقفيه، بواقعية ليست واقعية، وثقافة استهلاكية لا تنجمعن الإنتاج والنمو بل عن بيع الحقوق الوطنية والثقافة والتاريخ.
جاء في القرآن الكريم "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاالَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَأَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا" (الكهف 103-104)، وفي حالتنا، لا يحسبونأنهم يحسنون صنعا، بل يعرفون ماذا يفعلون. ولكنها مغسلة اللغة.
وجاء على لسان السيد المسيح "ماذا ينفع الإنسان لو كسب العالم كله وخسرنفسه؟" ونحن نطرح سؤالا أكثر تواضعا، ماذا ينفع الإنسان لو ربح بضعة ملاهٍومقاهٍ وأكشاك ومجمعات استهلاكية في ظل الاحتلال، وخسر مقابل ذلك ذاتهكشعب؟
وكيف نكون فلسطينيين من دون فلسطين، هل نصبح ضفاويين وغزاويين ومقدسيين،أو نابلسيين؟ إن من بدأ التعامل مع المناطق المحتلة عام 67 كأنها هيفلسطين لم يتنازل عن التاريخ فقط، بل تنازل عن حاضر الشتات وحاضر القدسوحاضر فلسطين التي احتلت عام 48، وتنازل لاحقا حتى عن الرابط بين الضفةالغربية وقطاع غزة.
ومن يدري ماذا ينتظرنا؟ إنه نفس المنطق التفكيكي الذي بدأ بالتنازل عن عروبة الدولة العربية وانتهى بتفكيكها إلى طوائف.
المهام النضالية كثيرة إذا، وهي لا تتلخص أبدا في الانتظار.
وهنا يُسأل السؤال، هل يتناقض النضال مع التفاوض؟ وهل يمكن تصور نضال بلا نهاية لا تتبعه مفاوضات؟
لقد تخللت المراحل الأخيرة من نضال حركات التحرر في العالم جميعها محادثاتسياسية ومفاوضات، بما فيها تلك التي انتهت بإنهاء الاحتلال كما فيالجزائر، وبتفكيك النظام القائم، كما في جنوب أفريقيا.
هذه ليست القضية. ومن يناقشها يختلق قضية وهمية. النضال يجري على كافةالجبهات والوسائل من الكفاح المسلح، وحتى النشاط الثقافي والتربويوالنقابي، والرأي العام الدولي، والرأي العام في دولة الاحتلال. النضالالوطني نضال شامل. وقد تتخلله هدنات وترافقه مفاوضات ومحادثات سياسية،وغير ذلك. المهم أن المفاوضات لا تُطرح بديلا للنضال قبل تحقيق الحقوق.
وعندما يُلقى سلاح النضال، ويتم التخلي عن إستراتيجية النضال الشامل تغدوالمفاوضات تفاوضا على الحقوق، وليس لإحقاق الحقوق. إن شرط المفاوضاتالنهائية مع أية قوة احتلالية هو اعتراف هذه القوى بنهاية الاحتلال،ورغبتها في أن تجري النهاية بشكل منظم، وأن تتفاوض على كيفية إنهاءالاحتلال.
أما المفاوضات الجارية بين السلطة وإسرائيل فلا تجري على تفكيك الصهيونيةوالاحتلال، بل على تفكيك التاريخ والجغرافيا الفلسطينية. وبذلك فإنها تقدمنموذجا حيا للتناقض بين النضال والتفاوض عند من تخلى عن النضال قبل تحقيقالأهداف.
"
ما تطبيق نموذج الدولتين إلا هذه الحالة المشوهة المحققة حاليا على الأرض، مع تعديلات طفيفة في المستقبل في أفضل الحالات
"
رابعا: أفق النضال الفلسطيني
لقد أصبح رفض الرأي العام الفلسطيني التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني شرطاستعادة البعد العربي لقضية فلسطين حاليا، خاصة بعد أن تذرعت الأنظمةالرسمية العربية بمقولات مثل "الممثل الشرعي والوحيد"، و"أهل مكة أدرىبشعابها"، و"لن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطيني". وهو شرط تفعيل حركةالتضامن الدولي. وهذا ممكن. ولكن لا يمكن تحريك تفعيل التضامن مع من يحرجهالتضامن، وتحرجه مقاطعة إسرائيل، ويعتبرهما تدخلا في المفاوضات وفي"علاقته الثنائية مع إسرائيل".
لا بد من التمسك بحقوق ثابتة غير قابلة للتصرف، مثل حق العودة، وزوالالاحتلال، وعروبة القدس، وغير ذلك لغرض استعادة هذا الأبعاد. وكلنا يعرفأن هذا التمسك يحبط التسوية، فإسرائيل لن تقبل بتسوية هذه شروطها.
ومن هنا فعاجلا أم آجلا يجب أن يطرح أفق أوسع للنضال يمكن أن نعتبرهعنوانا سياسيا جامعا لمئات المبادرات الفلسطينية المحلية التي قامت من دونإذن من أحد في مرحلة تهميش السلطة الفلسطينية لـ"م. ت. ف".
يجب أن تُجمع مئات المبادرات الشبابية والطلابية، واللجان المحلية فيمختلف أماكن وجود الشعب الفلسطيني، تحت سقف سياسي، وعنوانه رفض التنازل عنالحقوق الثابتة غير القابلة للتصرف، وأنه تعذرَ التوصل إلى تسوية عادلةبين كيانين في دولتين.
وما تطبيق نموذج الدولتين إلا هذه الحالة المشوهة المحققة حاليا على الأرض، مع تعديلات طفيفة في المستقبل في أفضل الحالات.
والأفق الوحيد لأي تحرر يحمله جيلنا والجيل القادم هو أن يعيش السكان في فلسطين كلها مواطنين متساوي الحقوق في دولة واحدة.
ولكي يحصل ذلك يجب أن تقوم هذه الدولة على المواطنة الديمقراطيةالمتساوية، تفكيك الصهيونية شرط لتحقيق المواطنة، وأن تنتمي فلسطينالديمقراطية هذه إلى حاضنة أكبر هي الوطن العربي.
وإن البديل لهذا الحل العادل على المدى البعيد ليس حل الدولتين، فنحن نرىتطبيقه جاريا أمام أعيننا، وإنما أن يجري التعامل مع هذا الكيان من قبلشعوب المنطقة (خلافا لأنظمتها) كدولة صليبية جديدة تزول عاجلا أم آجلا.
ومجرد التفكير في ذلك يجعل حل الدولة الواحدة في فلسطين يبدو كما هو فعلا حلا عادلا، وليس شعارا متطرفا
* الجزيرة نت
عزمي بشارة
يبدأ موضوعنا اليوم بكلمة نلفظها ونخشى أن نعيها في الأزمات. إنه لفظ"مستقبل" الذي غالبا ما نستخدمه آليا من دون التفكير فيه. إنه غير المفكرفيه بامتياز في هذه المرحلة الحرجة من التاريخ الفلسطيني الغارق في تفاصيلسياسة "العملية السياسية". والتفاصيل هنا ليست تفاصيل شيء يُستدل به علىمستقبل ما، بل إنها تفاصيل ذاتها فقط. تفاصيل زائلة ما إن تنشأ وتحظىبالتفاتة حتى تختفي وتصبح ماضيا.
والمستقبل مضمر حتى في الخلاف الفلسطيني الفلسطيني. فالبوح بتصوراتهالمتناقضة مدعاة للحرج والخجل من حقيقة ما ينتظر في نهاية مفاوضاتٍ لانهاية لها أصلا من جهة، ومدعاة للسخرية مما يسمى لا واقعية الطرح من الجهةالأخرى.
فماذا نقول للشباب؟ سواء كانوا مكترثين أو غير مكترثين بالمستقبل، إنهمالمستقبل ذاته، وهم بالإحالة "ممثله الشرعي والوحيد". ولا شك أن فهمهمللماضي والحاضر جوهري في تحديد هويتهم. ومن دون المستقبل، أي من دونالغاية، تنقلب هذه عصبيةً بلا معنى.
وفي هذه الأثناء ينشغل من يُفترَضُ أن يقدّم تصورا لمستقبل المجتمعالفلسطيني بالحنين إلى ماض ثوري مقاوم فعلا، ولكن لا بد من زرعهبالأساطير، لتجنيده كتعويض عن بؤس الحاضر وتغييب المستقبل، أو ينشغل فيوسم هذا الماضي كسلسلة من الأخطاء لشطبه، ولتبرير هجرانه من قبل حاضر لايريد أن يمتّ له بصلة.
ويغرق الناس بفيض من تفاصيل التسوية والمفاوضات وزيارات المبعوث الأميركي وتجميد الاستيطان ولجنة المتابعة العربية.
ولا يصح في الانشغال والإشغال هذا إلا تسمية صناعة العدم والعبث. فهذهكلها لا تصلح لتتصدَر نشرة إخبارية في مجتمع واقع تحت الاحتلال. وهي لاتكاد تصلح لأن تكون ملاحظة على هامش الخبر. لقد كان آخر خبر صنعته القيادةالفلسطينية قبل عقدين تقريبا. وما زال الوضع الناجم عنه يحول بيننا وبينالتفكير في مستقبل النضال الفلسطيني.
والخبر مركب من ظروف تاريخية اجتماعية وسياسية سابقة وراهنة ومن خياراتسياسية ذاتية. وسبق أن قمنا بتحليله وتشخيصه مرارا ولن نفعل ذلك مرة أخرى،ولكننا نود التذكير بعناصره قبل أن نتناول مستقبل النضال الفلسطيني.
"
ما الانتفاضة الأولى إلا شكل فريد للنضال الشعبي تم تأطيره والحفاظ علىديمومته في محاولة من قبل القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في الداخللأن يلتف على تهميش منظمة التحرير بعد عام 1982، وعلى انسداد الجبهاتالعربية كافة في وجه المقاومة الفلسطينية
"
أولا: الظرف الموضوعي والخلفية التاريخية
النضال الوطني الفلسطيني هو نتاج صراع بين السكان الأصليين العرب فيفلسطين وحركة استعمارية استيطانية عرّفت وتعرف نفسها بأنها حركة قومية،ولا ينفصل فيها الانتماء القومي عن الديني، وتمارس الاستيطان باعتبارهعملية من بناء الأمة وإقامة الدولة وبناء المؤسسات.
وقد اتخذ النضال الفلسطيني شكلا منظّما في سياقات تشكلِ وعي عربي يرفضتقسيم بلاد الشام. ووصلت قمتها التنظيمية في ستينيات القرن الماضي بوجودمشروع عربي يتبنى حركة وطنية تولدت عنها كيانية فلسطينية. ولم يقم فصيلفلسطيني واحد منذ عام 1936، ثم بعد النكبة في الخمسينيات والستينيات منالقرن الماضي خارج هذا السياق. كان النضال الوطني الفلسطيني جزءا منالصراع العربي ضد إسرائيل، بوصفها مشروع احتلال استيطاني لأرض عربية.
وقد اختلّت هذه المعادلة التي قامت على اعتبار قضية فلسطين قضية العربعندما وصلت إلى الحكم في أكبر دولة عربية نخب سياسية عسكرية تبعتها فئاتاقتصادية استنتجت من هزيمة عام 67، ومن نتائج حرب 73 غير المكتملة، ضرورةالتسوية مع إسرائيل كجزء من الانتقال إلى المعسكر الأميركي اقتصادياوسياسيا (اقرأ التبعية!).
لقد تطلب إنفاذ هذا القرار تحوّلات سياسية واجتماعية وحتى ثقافية، كماتطلب عبور حواجز وروادع لا يمكن تجاوزها من دون تغيّر عميق في الشخصيةالثقافية والسياسية وفي الفهم الذاتي للنخب الحاكمة.
فمثلا، تشترط التسوية المنفردة مع إسرائيل على أساس حدود 4 حزيران 67افتراض أن قضية الدولة العربية الجانحة للسلم هي استعادة سيناء. عندهاتبدو استعادتها نصرا، وحلا للقضية. والنصر كما هو معلوم أفضل من الهزيمة.والواقع أن إسرائيل احتفظت بها لغرض مقايضتها بالسلام والاعتراف، وأن هذهالصفقة، وأصنافها على كافة الجبهات، هي في الواقع تحقيق للهدف الإسرائيليمن الحرب.
وهذا يعني أن قضية فلسطين ليست قضيتها. كما يقود إلى كتابة تاريخ صراع هذهالدولة مع إسرائيل منذ 67، والكبت السياسي والثقافي والاقتصادي لما سبقحرب 67 وأسبابها. وإلا فكيف يمكن إقناع مجتمع أو شعب أو حتى جزء منهبالسلام وتبادل السفارات مع كيان استيطاني احتل جزءا من الوطن العربيواستوطنه؟
لا بد من إقناعه على الأقل بأن قضيته ليست قضية فلسطين، وإنما قضية أراضيهذه الدولة التي احتُلت عام 67، وهذا يعني مسا ضمنيا بعروبته وبدء عمليةالتشكيك فيها، كما يعني أمرين آخرين: أن فلسطين قضية الفلسطينيين، وأن أيدولة عربية لم تُحتل لها أراض عام 67 ليس لها شأن هنا.
وما شأن المغرب وموريتانيا والعراق بموجب هذا التفكير؟ شأنها هو عروبتها ذاتها. فهذه الدول ليست فلسطين، ولا احتلت أراضيها عام 67.
سوف تطرح هذه التحولات لاحقا أسئلة كبرى متعلقة بالتطبيع مع إسرائيلوأسئلة كبرى متعلقة بهوية الدول وشعوبها، وأسئلة أخرى متعلقة بسلوك الدولالعربية تجاه احتلالات أخرى في المنطقة.
لقد تبلورت الهوية العربية الحديثة على أنها هوية قومية ثقافية سياسيةتطمح إلى أن ترسي أساسا لبناء أمة من خلال تناقضات وتسويات محورها رفضتقسيم بلاد الشام في اتفاقيات سايكس بيكو، والالتفاف حول فلسطين من المحيطإلى الخليج، ولاحقا حول تحرير الجزائر باعتبارها قضية العرب جميعا، ومنخلال التمسك بعروبة أي بلد عربي في صراعه ضد الاستعمار.
ولذلك يصعب حصر حجم إسقاطات وتداعيات خطوة توقيع دول عربية كبرى اتفاقسلام مع إسرائيل (من دون حل قضية فلسطين) على الهوية العربية في كافةالمجتمعات العربية.
كان هذا خيار قيادات ونخب سياسية اقتصادية، ولكنه بعد أن خلق واقعا جديدايتلخص في خروج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي، تحوّل هذا الخيار الذاتيالذي اتخذته قيادة سياسية عربية إلى ظرف موضوعي بالنسبة للقياداتالفلسطينية. وكان بإمكان القيادة الفلسطينية أن تستنج من هذا الواقعالمعطى الجديد خيارات مختلفة.
وما أجّل حسم هذه الخيارات لعقد كامل هو وجود معسكرين عالميين، ورفضأحدهما لسلام برعاية الآخر. فقد وفر ذلك إمكانية تحالف مع الاتحادالسوفيتي ضد السلام المصري الإسرائيلي كسلام أميركي (باكس أميركانا، هوالتعبير الذي استخدم في تقبيحه، بغض النظر عن عدالته).
وانتهت المهلة مع انهيار منظومة الاتحاد السوفيتي، وتبعه تفكك النظام العربي الرسمي بشكله المعروف حتى تلك الفترة.
فمع انهيار الاتحاد السوفيتي انهارت الجبهة العربية ضد الصلح المنفرد(الصمود والتصدي)، وانهارت الروادع والكوابح عند من أيد خطوة السادات فيمكنون نفسه كاتما تأييده خوفا أو خجلا.
ففي العقد الواقع بين 1978-1979 و1988-1989 كان المعسكر الرافض للصلحالمنفرد ما زال حيا يسنده معسكر عالمي. وكان مع بوادر وهنه يجهل دنوّساعته.
ورافق انهيار المعسكر الاشتراكي تفكك النظام الرسمي العربي بعد حرب الكويت. ونجم عنهما انسداد السبل أمام الانتفاضة الأولى.
وما الانتفاضة الأولى إلا شكل فريد للنضال الشعبي تم تأطيره والحفاظ علىديمومته في محاولة من قبل القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في الداخلأن يلتف على تهميش منظمة التحرير بعد عام 1982، وعلى انسداد الجبهاتالعربية كافة في وجه المقاومة الفلسطينية.
لقد كانت الجبهة الوحيدة المفتوحة أمام المقاومة الفلسطينية منذ حرب 73 هيالجبهة اللبنانية وقد أغلقت هذه الجبهة بعد حرب عام 82. وبقيت جبهةالاحتكاك الرئيسية مع إسرائيل هي المناطق المحتلة عام 67، وسرعان ما تحولتإلى ساحة المواجهة والصدام الرئيسية التي بحوزة القيادة الفلسطينية، وذلكليس فقط في صراعها مع إسرائيل، بل في صراعها من أجل البقاء كقيادة معترفبها عربيا ودوليا.
"
كل ما نريد أن نوصله لعقل وقلب الشاب العربي والفلسطيني، أنه بعد التقييمالعاقل والموضوعي للظروف، يأتي دور حرية الإرادة في صنع الخيارات. هذهالحرية هي شرط النضال. وهي شرط المعنى في حياة الشباب
"
ثانيا: أمام الخيارات التفاوضية
بعد حرب الكويت وانهيار المنظمة الاشتراكية وتفكك النظام العربي، ومعهالجبهة المعارضة للحل المنفرد، وبدء المفاوضات العربية مع إسرائيل التيتحولت إلى مفاوضات منفردة في ما بات يسمى "مسارات" تخوضها "أطراف" (منضمنها "طرف" إسرائيلي) في "عملية السلام" لحل "أزمة الشرق الأوسط" (وغيرهامن مساحيق مغسلة اللغة ومصبغة المصطلحات الصحفية ووكالات استيرادالمصطلحات السياسية الأميركية في فهمنا لذاتنا وأفعالنا)، وقفت القيادةالفلسطينية أمام ما بدا لها خيارين لا ثالث لهما:
1- الانقراض في المنفى في تونس بعيدا عن جبهات المواجهة وعن أماكن تجمعالشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة والأردن ولبنان وسوريا، وبعيدا عنالمفاوضات.
2- طرح رزمة مغرية لإسرائيل والولايات المتحدة عبر الوسيط الأوروبي (أوسلو في هذه الحالة).
وتتلخص الرزمة في تنازل القيادة الفلسطينية عن العناصر الرئيسية المكونةلقضية فلسطين وعن طابع وتاريخ ممارسة حركة التحرر، وذلك مقابل الاعترافالأميركي الإسرائيلي بمنظمة التحرير الفلسطينية (م. ت. ف) وتأهيلهاللانضواء تحت لواء الصلح المنفرد مع إسرائيل.
ولكنه هذه المرة ليس صلح دولة عربية مع إسرائيل، بل هو صلح مع من بات يسمى"صاحب القضية"، ذلك الذي "يستطيع أن يمنح إسرائيل الشرعية"، لأنه "الممثلالشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني"، خلافا لقيادات من مناطق 67 جُمعتلتفاوض. وما كانت لتتجرأ على الذهاب إلى مدريد لولا الضوء الأخضر من م. ت.ف.
لقد تحولت مقولة "الممثل الشرعي الوحيد" إلى أداة مساومة. وتكمن قوتها فيقدرتها على مقايضة الشرعية. فالممثل الشرعي صار يعني أنه القادر على فتحبوابة لإسرائيل لاكتساب الشرعية في المنطقة العربية وحتى في العالمالإسلامي.
لقد كانت تلك القيادة مقتنعة بأن جهازها البيروقراطي الباقي في تونس بعدحرب 1982 من دون النظام العربي ومن دون النظام الدولي القديم، وبعيدا عنتجمعات الشعب الفلسطيني سوف ينقرض عاجلا أو آجلا، إذا بقي مقصيا خارجصالونات الدبلوماسية.
فقد أصرت الولايات المتحدة حتى أوسلو على التفاوض مع قيادة فلسطينية فيالضفة الغربية وقطاع غزة كاستمرار لنهج كامب ديفد المصري الإسرائيلي الذييرى في أراضي 67 المشكلة الوحيدة التي تحتاج إلى الحل كشرط للسلام، وعلىأساسها قامت معاهدة مدريد.
ما رأيناه في حينه خيارا خاطئا وازداد اقتناعنا بفداحته عبر السنوات، لمتره القيادة الفلسطينية خيارا أصلا. لقد كان بالنسبة لها ضرورة وجودية.والمقصود وجودها هي، واستمرارها قيادة، وليس وجود الشعب الفلسطيني.
وقد أثبتت الأحداث هذا الترابط العضوي بين وجودها وبين عملية التسوية،وكان التجلي الأوضح حين وُضِع حد لوجود رمز هذا الخيار الرئيس الشهيد ياسرعرفات عندما تعارض مع استمرار التسوية، لأنه أصر حتى اللحظة الأخيرة علىأن يستمر في التفاوض مع الحفاظ على بعض الثوابت (ليس كلها)، ومن بينهاالقدس. كما حاول أن يلتف على التنسيق الأمني مع إسرائيل. وهو الأمر الذياعتبرته إسرائيل، وما زالت تعتبره، وظيفة السلطة الرئيسية في الاتفاقيات.
وكانت المحاولة الأخيرة التي عشناها جميعا في الانتفاضة الثانية التيتعتبرها إسرائيل، خلافا لما يروّجه أنصار التسوية حاليا، إحدى "حروبها"الأكثر شراسة حتى اليوم.
وقد استقطبت بعدها الساحة الفلسطينية، إذ استنتج منها مؤيدو التسوية ضرورةالإخلاص للتنسيق الأمني مع إسرائيل والرهان على المفاوضات وحدها وإقصاء كلخيار آخر. واستنتج منها مؤيدو المقاومة أن خيار التسوية يعني التنسيقالأمني مع الاحتلال لقطع رأس المقاومة، وحتى رؤوسهم أفرادا.
لماذا قمنا بهذا الاستعراض؟ ليس لنكرر تحليلا قمنا به في السابق. بل لنبينلجيل الشباب أنه أمام المعطيات والوقائع التي يجب أن نقيّمها وندرسهابالعقل، هنالك خيارات لا ضرورات فقط. والنضال خيار.
لم يكن النضال بعد الانتفاضة الأولى خيار القيادة الفلسطينية، بل كانخيارها استثمار هذه الانتفاضة لإنقاذ نفسها في ظل المعطيات الدوليةالجديدة. وذلك ليس لأن النضال يتعارض ومصالح الشعب الفلسطيني، بل لأنهاوضعت استمرارها السياسي وبقاءها قيادة فوق حقوق ومصالح الشعب الذي تمثل،ورهنا بالمعطيات الدولية.
والدليل على أن هذا الخيار لم يكن الخيار الوحيد الممكن، أنه في نفساللحظة التاريخية تولّدت خيارات مقاومة أخرى أنجبت قيادات أخرى. وبإمكانناأن نتخيل ماذا لو قررت القيادة الفلسطينية في حينه استمرار النضال فيالظروف الجديدة بوسائل جديدة في إطار يستوعب القوى الجديدة الناشئة علىالساحة الفلسطينية التي تتبنى خيار المقاومة. لا وجود لـ"لو" في التاريخ.ولكننا نوردها فقط لكي لا تطمئنَ القلوبُ لضرورات هي في الواقع خيارات.
فكل ما نريد أن نوصله لعقل وقلب الشاب العربي والفلسطيني، أنه بعد التقييمالعاقل والموضوعي للظروف، يأتي دور حرية الإرادة في صنع الخيارات. هذهالحرية هي شرط النضال. وهي شرط المعنى في حياة الشباب.
"
لا يمكن أن تكون مؤمنا بالحرية والعدالة الاجتماعية، ولا يمكن أن تكون وطنيا من دون أن تتخذ موقفا بين المقاومة والتعاون مع الاحتلال
"
ثالثا: ماذا يعني النضال في هذه الظروف
لقد عمم في العقود الأخيرة على مستوى النظام العربي نموذج كامب ديفدالمصري، وذلك على مستوى الممارسة من خلال الاتفاقات الموقعة والمفاوضات(الجاري منها والمتوقف) وكان تعميم نموذج الصلح المنفرد على المسارالفلسطيني هو الأهم بعد السلام المصري مع إسرائيل. وهو الأكثر تشويها. فقدخضع لنموذج ميزان القوى بين دولتين (كما في حالة السلام المصريالإسرائيلي)، لكن من دون دولتين.
لقد تم التنازل عن صيغة حركة التحرر الوطني في الصراع قبل أن تحقق الحركةأهدافها، وقبل أن تنشئ دولة على جزء من الأرض المحتلة على نمط التفكيرالمرحلي.
لقد تخلت عن صيغة حركة التحرر، فخسرتها ولم تكسب الدولة. وكانت النتيجةسلطة فلسطينية مكلّفة بشؤون السكان، ومكلفة بالتنسيق مع الاحتلال أمنيا ضدالنضال الفلسطيني، وتتحمل أعباء الاحتلال، ولكنها معتمدة على أذونهوترخيصاته وتأشيراته، وعلى رضاه السياسي والأمني، وعلى التمويل الأوروبيوالأميركي المشروط منذ الانتفاضة الثانية بحسن سلوك هذه القيادة وشعبها.
لقد انتقلت القيادة التاريخية للشعب الفلسطيني إلى وضع الرهينة، رهينةالاحتلال. يمكنها أن تفاوض وأن تعلق أن تفسّر، ولكنها لا تصنع خبرا، إنهارهينة من يصنع الخبر. وهي تحاول أن توسّع هامش ومساحة حركة الرهينة من دونأن تتجاوز السقف المفروض، فهي متجردة ذاتيا وموضوعيا من كافة الخياراتالأخرى.
والكارثة الكبرى أن فصائل منظمة التحرير التي عارضت الاتفاقيات، ولم تجدلها بديلا نضاليا أو حاضنة بديلة عن النظام الدولي الذي انهار، تآكلت فيالبداية أمام الجمعيات والمنظمات غير الحكومية في إيجاد مصادر عمل بديلةللمناضلين السابقين مؤدلجة بشعارات مثل المجتمع المدني وغيره.
ولكنها ما لبثت أن تحولت هي ذاتها إلى ما يشبه الجمعيات غير الحكوميةتمولها السلطة الفلسطينية، الممّولة بدورها من قبل "الدول المانحة"و"الرباعية".
وكما عم نموذج كامب ديفد على مستوى الدول، عم نموذج المنظمات غير الحكوميةعلى مستوى الفصائل والأحزاب التي أصرت على البقاء في المجتمع السياسيالجديد الذي يسيطر عليه خطاب أميركي ولغة أميركية والمنشغل بلعبة واحدة هي"عملية السلام" تأييدا ونقدا، مديحا وذما... ونجا من هذه الصناعة من بقىفي إطار المقاومة.
كان النضال الفلسطيني نضالا في إطار حركة التحرر. وكانت حركة التحررمحتضنة من قبل نظام عربي، كان في خطاب "تقدمييه" و"رجعييه" معارضاللاحتلال الأجنبي، أي احتلال.
لقد منعت الأنظمة العربية المقاومة على حدودها منذ أن قررت انتهاء خيارالحرب، ومنذ أن انخرطت في عملية التفاوض مع إسرائيل، التي تسمى بإيجابيةأحيانا "مسيرة السلام" على وزن "مسيرة النضال" أو "مسيرة التحرر". وانضمتإليها القيادة الفلسطينية التي أصبحت نظاما عربيا (أو ترغب في أن تصبح).
مذ ذلك غابت صورة التحرر الوطني، وانقسم العرب إلى مناصري تسوية ومناصري مقاومة. وهي مفاهيم جديدة لم نعهدها.
ومن نافلة القول أننا لم نعهد قبول العالم العربي باحتلال بلد عربي، فبتنانعهد تسليم النظام الرسمي العربي باحتلال فلسطين، ثم العراق، واعترافهبسلطات تحت الاحتلال.
ولم نعهد في الماضي نضالا خارج إطار حركة التحرر فبتنا نعهده. كان للنضالقيم تعتبر المقاومة شرطا ضروريا، وكان يتجاوزه إلى مفاهيم تحررية أخرى لاتقتصر على مقاومة الأجنبي. واكتفت المرحلة بـ"مقاومات" يميّزها الاكتفاءبشرطها الضروري، وهو مقاومة الأجنبي.
وانسدت حدود الدول أمام المقاومة. فالدولة باتت تعني التسوية والتمسكبـ"عملية السلام". وتدبّرت المقاومة أمرها في المناطق التي تنسحب منهاالدولة أو تضعف، مثل ألا تكون دولة بل سلطة تحت الاحتلال، أو مثل أن تحتميالمقاومة بطائفة، بمجتمع مذهبي، حيث تضعف الدولة أمام الطوائف.
هنا يُطرح السؤال، هل هذا هو أفق النضال الذي نقدمه للأجيال القادمة؟ لامكان، ولا مجال للاستخفاف بضرورة الوقوف مع المقاومة ضد الاحتلال، فهامشالمناورة هنا ضيّق عند من ما زال يحمل قيم النضال والتحرر.
"
كنا في الماضي نطلق تسمية معينة على من يقايض الأهداف الوطنية بظروف حياةأفضل تحت الاحتلال، مثلما لم يكن تسليم معلومات للاحتلال عن مناضلين يسمى"تنسيقا أمنيا"
"
ولا يمكن أن تكون مؤمنا بالحرية والعدالة الاجتماعية، ولا يمكن أن تكونوطنيا من دون أن تتخذ موقفا بين المقاومة والتعاون مع الاحتلال.
وكلما اتسعت الهوة بين المقاومة وعدم المقاومة، بتحويل عدم المقاومة إلىفعل معاد للمقاومة، بالتنسيق مع الاحتلال مثلا، فإن هامش الخيارات يضيقبالنسبة لأي إنسان وطني.
والوطنية ليست شعارا، أو رسوما (كليشيها)، أو طرزة قديمة عفا عليها الزمن.الوطنية ليست تعصبا، ولا هي حركة إيديولوجية قومية. الوطنية هي الشرطاللازم لحياة مجتمع سوي، ومؤسسات شعب، واقتصاد طبيعي، وإنتاج ومنتجين،وتربية وتعليم، وقيم وأخلاق.
في ظل الوطنية قد ننقسم إلى ديمقراطيين وليبراليين وأصوليين. ولكن من دونوطنية لا ننقسم تحت سقف يجمعنا، بل ننحل انحلالا. ونتحول إلى عصابات ذئابوأيتام على موائد اللئام يحكم علاقتهم قانون الغاب، وتعبث بهم وبهويتهموثقافتهم، وحتى تصوراتهم عن ذاتهم القوى الاستعمارية.
من هنا، لا أفهم وطنية تحتار في الخيار بين المقاومة، مهما كان طابعها،وبين التنسيق الأمني مع الاحتلال. ولا أعرف وطنية لا يثيرها ولا يستفزهاولا يدفعها إلى الحسم تسليم شاب مناضل لقوات الاحتلال، مهما كانت دوافعهذا الشاب، ومهما كانت دوافع الذي سلمه.
وعندما أراجع مع شباب هذا الوطن تاريخ فصل قضية فلسطين عن العرب لتصبحقضية الفلسطينيين، وعندما أراجع النتائج المترتبة على ذلك في الفرز بينقوى التسوية من جهة ومقاومة من دون حركة تحرر من جهة أخرى، فغالبا مايذكّرني بعض الإخوة بما كتبته في الماضي من أن من لا يناضل من أجل حقوقهلا يُتوقع منه أن يناضل من أجل فلسطين.
فهل تريد أن ننتظر تحرر العرب لكي نعود ونخلق جبهة عربية من أجل فلسطين؟هل علينا أن ننتظر أن يناضل العرب لتغيير واقعهم في دولهم؟ هل هذا ماتعنيه باستعادة البعد العربي لقضية فلسطين؟
عندما كان العرب يُلامون بأنهم لا يخرجون للتظاهر من أجل فلسطين كنتُأقولُ مدافعا إن الناس لا تحترف التظاهر، ومن لا يناضل من أجل قضاياه لاينتظر منه أن يناضل من أجل فلسطين. والمقصود هو أن النضال من أجل فلسطينيتجاوز التضامن والتظاهر في المناسبات والأزمات، إذا كانت فلسطين قضيةالمجتمع، وإذا كان النضال جزءا من مشروع نظام، أو جزءا من مشروع معارضة،بحيث يتعلق برؤية مستقبل البلد ومستقبل العالم العربي.
وخارج هذا السياق يكون الموقف مع فلسطين تضامنا صادقا ومهما، لكنه متقطع تنقصه الديمومة.
هل ننتظر إذا نشوء مشاريع عربية لأنظمة، أو مشاريع معارضات عربية؟ لا ليسهناك وقت للانتظار ولكن الخلاف بيننا ليس على الانتظار، بل على ماذا نفعل.
هنالك من استنتج من عدم الانتظار الذهاب إلى التسوية حتى النهاية، بما فيذلك التنازل على الحقوق الثابتة غير القابلة للتصرف. فاشتدت دهشته حين لميجد الاحتلال متمسكا بثوابته فقط، بل يزداد تمسكا كلما تجرد هو من أسلحتهومن خياراته.. حتى أصبح بوسع أي شاب فلسطيني أن يعدد الثوابت الإسرائيليةويشخصها حتى في غابة التفاصيل التي يشغلونه بها:
- رفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
- التمسك بيهودية إسرائيل. وهي ليست يهودية مستجدة، بل هكذا أعلنت دولة إسرائيل منذ عام 48، وهكذا استمرت بالنظرية والممارسة.
- وضع الاعتبارات الأمنية فوق أي اعتبار سلام. وضمن تفسيرات وتطبيقات هذهالاعتبارات أن يكون أي كيان فلسطيني منزوع السلاح، وأن لا ينشأ تواصل بينهوبين الدول العربية من دون إذن إسرائيلي.
- لا عودة إلى حدود 67 في الضفة الغربية.
- الاحتفاظ بالسيادة الإسرائيلية على القدس.
- الحفاظ على العلاقة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة بشكل يميّز هذهالعلاقة كمّا ونوعا، سياسيا وثقافيا واقتصاديا، عن علاقات الولاياتالمتحدة مع الدول العربية المتحالفة معها.
قد يعني عدم الانتظار إذا الاندفاع إلى التسوية. وقد يعني النضال ضد مظاهرالاحتلال اليومية، وضد التواطؤ معه، والنضال ضد تقديم تنازلات متعلقةبالحقوق الثابتة، مهما اشتدت الظروف وتحوّلت الاعتبارات. والدافع هنامبدئي.
ولكن عمليا أيضا يمكن الاستمرار في النضال من دون استنزاف الشعب ووضعهأمام خيار التنازل كأنه ضرورة. وحتى من تبنى البراغماتية كإيديولوجية لابد أن يلاحظ أن التنازل عن الحقوق الثابتة لم يُقابَل بتنازلات إسرائيليةتحقق للفلسطينيين حقوقا، بل تمت مقايضتها بتأمين حياة أكثر راحة تحتالاحتلال.
وقد كنا في الماضي نطلق تسمية معينة على من يقايض الأهداف الوطنية بظروفحياة أفضل تحت الاحتلال، مثلما لم يكن تسليم معلومات للاحتلال عن مناضلينيسمى "تنسيقا أمنيا".
لنتذكر كيف كان يوصف فرد أو مجموعة تجتمع مع ضباط الاحتلال لمناقشة كيفيةإحباط عملية فدائية، أو كيفية تسليم مطلوبين، أو لتبادل المعلومات عن مكانوجودهم. بالتأكيد ما كنا نصف ما يقومون به بعبارة "تنسيق أمني".
"
عندما يُلقى سلاح النضال، ويتم التخلي عن إستراتيجية النضال الشامل تغدو المفاوضات تفاوضا على الحقوق، وليس لإحقاق الحقوق
"
أما حين تمارس ذلك قيادة مُمَأسسة، ومعترف بها دوليا، ولديها إمكانات فإنالمصاب جلل رغم غسيل التسميات، لأنه في هذه الحالة يتم نخر المجتمعالفلسطيني، بنخبه ومثقفيه، بواقعية ليست واقعية، وثقافة استهلاكية لا تنجمعن الإنتاج والنمو بل عن بيع الحقوق الوطنية والثقافة والتاريخ.
جاء في القرآن الكريم "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاالَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَأَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا" (الكهف 103-104)، وفي حالتنا، لا يحسبونأنهم يحسنون صنعا، بل يعرفون ماذا يفعلون. ولكنها مغسلة اللغة.
وجاء على لسان السيد المسيح "ماذا ينفع الإنسان لو كسب العالم كله وخسرنفسه؟" ونحن نطرح سؤالا أكثر تواضعا، ماذا ينفع الإنسان لو ربح بضعة ملاهٍومقاهٍ وأكشاك ومجمعات استهلاكية في ظل الاحتلال، وخسر مقابل ذلك ذاتهكشعب؟
وكيف نكون فلسطينيين من دون فلسطين، هل نصبح ضفاويين وغزاويين ومقدسيين،أو نابلسيين؟ إن من بدأ التعامل مع المناطق المحتلة عام 67 كأنها هيفلسطين لم يتنازل عن التاريخ فقط، بل تنازل عن حاضر الشتات وحاضر القدسوحاضر فلسطين التي احتلت عام 48، وتنازل لاحقا حتى عن الرابط بين الضفةالغربية وقطاع غزة.
ومن يدري ماذا ينتظرنا؟ إنه نفس المنطق التفكيكي الذي بدأ بالتنازل عن عروبة الدولة العربية وانتهى بتفكيكها إلى طوائف.
المهام النضالية كثيرة إذا، وهي لا تتلخص أبدا في الانتظار.
وهنا يُسأل السؤال، هل يتناقض النضال مع التفاوض؟ وهل يمكن تصور نضال بلا نهاية لا تتبعه مفاوضات؟
لقد تخللت المراحل الأخيرة من نضال حركات التحرر في العالم جميعها محادثاتسياسية ومفاوضات، بما فيها تلك التي انتهت بإنهاء الاحتلال كما فيالجزائر، وبتفكيك النظام القائم، كما في جنوب أفريقيا.
هذه ليست القضية. ومن يناقشها يختلق قضية وهمية. النضال يجري على كافةالجبهات والوسائل من الكفاح المسلح، وحتى النشاط الثقافي والتربويوالنقابي، والرأي العام الدولي، والرأي العام في دولة الاحتلال. النضالالوطني نضال شامل. وقد تتخلله هدنات وترافقه مفاوضات ومحادثات سياسية،وغير ذلك. المهم أن المفاوضات لا تُطرح بديلا للنضال قبل تحقيق الحقوق.
وعندما يُلقى سلاح النضال، ويتم التخلي عن إستراتيجية النضال الشامل تغدوالمفاوضات تفاوضا على الحقوق، وليس لإحقاق الحقوق. إن شرط المفاوضاتالنهائية مع أية قوة احتلالية هو اعتراف هذه القوى بنهاية الاحتلال،ورغبتها في أن تجري النهاية بشكل منظم، وأن تتفاوض على كيفية إنهاءالاحتلال.
أما المفاوضات الجارية بين السلطة وإسرائيل فلا تجري على تفكيك الصهيونيةوالاحتلال، بل على تفكيك التاريخ والجغرافيا الفلسطينية. وبذلك فإنها تقدمنموذجا حيا للتناقض بين النضال والتفاوض عند من تخلى عن النضال قبل تحقيقالأهداف.
"
ما تطبيق نموذج الدولتين إلا هذه الحالة المشوهة المحققة حاليا على الأرض، مع تعديلات طفيفة في المستقبل في أفضل الحالات
"
رابعا: أفق النضال الفلسطيني
لقد أصبح رفض الرأي العام الفلسطيني التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني شرطاستعادة البعد العربي لقضية فلسطين حاليا، خاصة بعد أن تذرعت الأنظمةالرسمية العربية بمقولات مثل "الممثل الشرعي والوحيد"، و"أهل مكة أدرىبشعابها"، و"لن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطيني". وهو شرط تفعيل حركةالتضامن الدولي. وهذا ممكن. ولكن لا يمكن تحريك تفعيل التضامن مع من يحرجهالتضامن، وتحرجه مقاطعة إسرائيل، ويعتبرهما تدخلا في المفاوضات وفي"علاقته الثنائية مع إسرائيل".
لا بد من التمسك بحقوق ثابتة غير قابلة للتصرف، مثل حق العودة، وزوالالاحتلال، وعروبة القدس، وغير ذلك لغرض استعادة هذا الأبعاد. وكلنا يعرفأن هذا التمسك يحبط التسوية، فإسرائيل لن تقبل بتسوية هذه شروطها.
ومن هنا فعاجلا أم آجلا يجب أن يطرح أفق أوسع للنضال يمكن أن نعتبرهعنوانا سياسيا جامعا لمئات المبادرات الفلسطينية المحلية التي قامت من دونإذن من أحد في مرحلة تهميش السلطة الفلسطينية لـ"م. ت. ف".
يجب أن تُجمع مئات المبادرات الشبابية والطلابية، واللجان المحلية فيمختلف أماكن وجود الشعب الفلسطيني، تحت سقف سياسي، وعنوانه رفض التنازل عنالحقوق الثابتة غير القابلة للتصرف، وأنه تعذرَ التوصل إلى تسوية عادلةبين كيانين في دولتين.
وما تطبيق نموذج الدولتين إلا هذه الحالة المشوهة المحققة حاليا على الأرض، مع تعديلات طفيفة في المستقبل في أفضل الحالات.
والأفق الوحيد لأي تحرر يحمله جيلنا والجيل القادم هو أن يعيش السكان في فلسطين كلها مواطنين متساوي الحقوق في دولة واحدة.
ولكي يحصل ذلك يجب أن تقوم هذه الدولة على المواطنة الديمقراطيةالمتساوية، تفكيك الصهيونية شرط لتحقيق المواطنة، وأن تنتمي فلسطينالديمقراطية هذه إلى حاضنة أكبر هي الوطن العربي.
وإن البديل لهذا الحل العادل على المدى البعيد ليس حل الدولتين، فنحن نرىتطبيقه جاريا أمام أعيننا، وإنما أن يجري التعامل مع هذا الكيان من قبلشعوب المنطقة (خلافا لأنظمتها) كدولة صليبية جديدة تزول عاجلا أم آجلا.
ومجرد التفكير في ذلك يجعل حل الدولة الواحدة في فلسطين يبدو كما هو فعلا حلا عادلا، وليس شعارا متطرفا
* الجزيرة نت
رد: مستقبل النضال الفلسطيني.. رسالة إلى الشباب
بارك الله فيك اخي سفيان
انا من المتابعين لكتابات الدكتور عزمي بشارة واستمتع وانا اقراها في هذه االمقالة التي نقلتها اخي اعجبني كلام عزمي بشارة عن دور الشباب في مستقبل فلسطين اتمنى ان نكون شبابا يحملون القضية الفسطينية على محمل الجد
انا من المتابعين لكتابات الدكتور عزمي بشارة واستمتع وانا اقراها في هذه االمقالة التي نقلتها اخي اعجبني كلام عزمي بشارة عن دور الشباب في مستقبل فلسطين اتمنى ان نكون شبابا يحملون القضية الفسطينية على محمل الجد
فلسطيجزائرية- عضو شروقي
-
عدد المساهمات : 2490
:
مواضيع مماثلة
» رسالة إلى الشباب
» مستقبل النظام الإقليمي العربي
» مستقبل النظام الإقليمي العربي
» الفنان الفلسطيني ابو عرب
» صور للمنتخب الفلسطيني
» مستقبل النظام الإقليمي العربي
» مستقبل النظام الإقليمي العربي
» الفنان الفلسطيني ابو عرب
» صور للمنتخب الفلسطيني
منتدى القلوب الصادقة :: الأقسام الفكرية والثقافية :: قسم الطلاب عامة :: فضاء الجامعة :: منتدى العلوم السياسية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأربعاء 01 أكتوبر 2014, 10:45 من طرف دارين
» الخطبة في 2020
الأربعاء 01 أكتوبر 2014, 10:33 من طرف دارين
» مركز مصادر الإبداع للتدريب والاستشارات CSTC
الثلاثاء 19 أغسطس 2014, 07:14 من طرف al2bda3
» نماذج من رسائل رسمية..طلب وظيفة وغيره
الأحد 22 يونيو 2014, 12:01 من طرف نعاس محمد
» طلب مشرفين لعودة عمل المنتدى من جديد ♥
الثلاثاء 06 مايو 2014, 19:11 من طرف المشرف العام
» رسالة ماجستير كاملة : بيئة العمل الداخلية وعلاقتها بالتسرب الوظيفي
الخميس 06 مارس 2014, 16:47 من طرف rahim05
» فروض مع اجاباتها السنة 1-2-3-4 متوسط
الجمعة 31 يناير 2014, 17:31 من طرف معاذبن
» فروض من الاولى ثانوي إلى غاية الثانية ثانوي كل الشعب
الثلاثاء 19 نوفمبر 2013, 15:42 من طرف marilafolle
» مذكرة تخرج - دور إدارة الجودة الشاملة في تطوير الميزة التنافسية للمؤسسة الإقتصادية
الإثنين 30 سبتمبر 2013, 22:38 من طرف afaf berrah
» اختار حرف ونفذ المطلوب
الأربعاء 31 يوليو 2013, 23:13 من طرف هيمة
» مااااااااتهبطش .............
الأربعاء 31 يوليو 2013, 23:12 من طرف هيمة
» نصيحة اليوم
الأحد 28 يوليو 2013, 22:49 من طرف ريحان الجنة
» سجل حضورك بأجمل وردة 2
الأحد 28 يوليو 2013, 22:47 من طرف ريحان الجنة
» لعبه من ثلاثه حروف فقط
الأحد 28 يوليو 2013, 22:38 من طرف ريحان الجنة
» لغز عجز العلماء عن حله جرب حظك
الأحد 28 يوليو 2013, 22:30 من طرف ريحان الجنة