تابع
أولاً : مفهوم الثقافة السياسية
لكل مجتمع خصوصية تعكسها ثقافته السائدة بين ابنائه، تلك الثقافة التى
تطورها مجموعة القيم والمفاهيم والمعارف التى اكتسبها عبر ميراثه التاريخى
والحضارى وواقعه الجغرافى والتركيب الاجتماعى وطبيعة النظام السياسى
والاقتصادى، فضلاً عن المؤثرات الخارجية التى شكلت خبراته وانتماءاته
المختلفة.
والثقافة السياسية هى جزء من الثقافة العامة للمجتمع .. وهى تختلف من بلد
لآخر حتى لو كان شعباه ينتهجان نفس الأساليب الحياتية، وينتميان إلى نفس
الحضارة، ويتقاسمان الاهتمامات والولاءات.
يقصد بالثقافة السياسية مجموعة المعارف والآراء والاتجاهات السائدة نحو
شئون السياسة والحكم، الدولة والسلطة، الولاء والانتماء، الشرعية
والمشاركة.
وتعنى أيضاً منظومة المعتقدات والرموز والقيم المحددة للكيفية التى يرى
بها مجتمع معين الدور المناسب للحكومة وضوابط هذا الدور، والعلاقة
المناسبة بين الحاكم والمحكوم.
ومعنى ذلك أن الثقافة السياسية تتمحور حول قيم واتجاهات وقناعات طويلة
الأمد بخصوص الظواهر السياسية، وينقل كل مجتمع مجموعة رموزه وقيمه وأعرافه
الأساسية إلى أفراد شعبه، ويشكل الأفراد مجموعة من القناعات بخصوص أدوار
النظام السياسى بشتى مؤسساته الرسمية وغير الرسمية، وحقوقهم وواجباتهم نحو
ذلك النظام السياسى.
ولما كانت الثقافة السياسية للمجتمع جزءاً من ثقافته العامة، فهى تتكون
بدورها من عدة ثقافات فرعية، وتشمل تلك الثقافات الفرعية : ثقافة الشباب،
والنخبة الحاكمة ،والعمال، والفلاحين، والمرأة .. الخ.
وبذلك تكون الثقافة السياسية هى مجموع الاتجاهات والمعتقدات والمشاعر التى
تعطى نظاماً ومعنى للعملية السياسية، وتقدم القواعد المستقرة التى تحكم
تصرفات الأفراد داخل النظام السياسى، وبذلك فهى تنصب على المثل والمعايير
السياسية التى يلتزم بها أعضاء المجتمع السياسى، والتى تحدد الإطار الذى
يحدث التصرف السياسى فى نطاقه.
أى أن الثقافة السياسية تدور حول ما يسود المجتمع من قيم ومعتقدات تؤثر فى السلوك السياسى لأعضائه حكاماً ومحكومين.
وعلى ذلك يمكن تحديد عناصر مفهوم الثقافة السياسية على النحو التالى :
• تمثل الثقافة السياسية مجموعة القيم والاتجاهات والسلوكيات والمعارف السياسية لأفراد المجتمع.
• الثقافة السياسية ثقافة فرعية. فهى جزء من الثقافة العامة للمجتمع تؤثر
فيه وتتأثر به، ولكنها لا تستطيع أن تشذ عن ذلك الإطار العام لثقافة
المجتمع.
• تتميز الثقافة السياسية بأنها متغيرة. فهى لا تعرف الثبات المطلق،
ويتوقف حجم ومدى التغير على عدة عوامل من بينها : مدى ومعدل التغير فى
الأبنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ودرجة اهتمام النخبة الحاكمة
بقضية التغير الثقافى، وحجم الاهتمام الذى توليه وتخصصه الدولة لإحداث هذا
التغيير فى ثقافة المجتمع، ومدى رسوخ هذه القيم فى نفوس الأفراد.
• تختلف الثقافة السياسية بين مجتمع وآخر كما تختلف من فرد لآخر داخل
المجتمع. هذا الاختلاف تفرضه عوامل معينة كالأصل ومحل الاقامة والمهنة
والمستوى الاقتصادى والحالة التعليمية.
يمكن الحديث عن مجموعة من العناصر أو المكونات للثقافة السياسية سواء تلك
التىتتبناها الدولة (ثقافة الحكام) أو الثقافة الرسمية وتلك السائدة لدى
أفراد المجتمع (المحكومين) والتى تسمى الثقافة غير الرسمية ومن هذه
المكونات :
أ ـ المرجعية :
وهى تعنى الإطار الفكرى الفلسفى المتكامل، أو المرجع الأساسى للعمل
السياسى، فهو يفسر التاريخ، ويحدد الأهداف والرؤى، ويبرر المواقف
والممارسات، ويكسب النظام الشرعية.
وغالباً ما يتحقق الاستقرار بإجماع أعضاء المجتمع على الرضا عن مرجعية
الدولة، ووجود قناعات بأهميتها وتعبيرها عن أهدافهم وقيمهم. وعندما يحدث
الاختلاف بين عناصر النظام حول المرجعية، تحدث الانقسامات وتبدأ الأزمات
التى تهدد شرعية النظام وبقائه واستقراره.
ومن أمثلة المرجعيات الديمقراطية، والاشتراكية، والرأسمالية، والعلمانية
.. الخ وأغلب الظن أنه لا يوجد أثر محسوس للاختلاف بين عناصر المجتمع فى
الديمقراطيات الغربية، إذ أن هناك اتفاقا عاما على الصيغ المناسبة لشكل
النظام السياسى والاجتماعى والاقتصادى، أما فى الدول النامية فالمسائل
المتعلقة بشكل نظام الحكم وطبيعة النظام الاقتصادى وحدود العلاقة بين
الدين والدولة لم تحسم بعد ولا تزال مثار خلاف وصراع.
ب ـ التوجه نحو العمل العام :
هناك فرق بين التوجه الفردى الذى يميل إلى الاعلاء من شأن الفرد وتغليب
مصلحته الشخصية، وبين التوجه العام أو الجماعى الذى يعنى الايمان بأهمية
العمل التعاونى المشترك فى المجالين الاجتماعى والسياسى.
والتوجه نحو العمل العام والاحساس بالمسئولية الاجتماعية تجاه المجتمع
وقضاياه من أهم مكونات الثقافة السياسية، ذلك أن هذا الشعور بالمسئولية
يدفع المواطن إلى الإيجابية فى التعامل مع القضايا والموضوعات فى ظل ثقافة
متشابهة مؤداها الاحساس بالولاء للجماعة.
ج ـ التوجه نحو النظام السياسى :
الاتجاه نحو النظام السياسى والايمان بضرورة الولاء له والتعلق به من
ضرورات الاحساس بالمواطنة وما ترتبه من حقوق والتزامات. فكل ثقافة سياسية
عليها أن تحدد النطاق العام المعقول للعمل السياسى والحدود المشروعة بين
الحياة العامة والحياة الخاصة. ويتضمن هذا النطاق تحديد الأفراد المسموح
لهم بالمشاركة فى العملية السياسية ووظائف المؤسسات السياسية كل على حدة.
كما تفرض الثقافة السياسية معرفة حدود المشاركة فى هذا النظام مثل السن والجنس والمكانة الاجتماعية والوضع العائلى.
بالاضافة إلى أن بعض الثقافات السياسية تحرص على تحديد الأبنية والوظائف
السياسية فى الدولة، وكذلك الأجهزة المنوطة بتحقيق الأهداف التىتحددها
الدولة. فالثقافة السياسية هى التى تدعم النظام، وتحدد أطره، وتغذيه
بالمعلومات المستمدة من واقع البيئة وخصوصيتها، وتحافظ عليه وتضمن بقاءه.
د ـ الاحساس بالهوية :
يعتبر البعض أن الاحساس بالانتماء من أهم المعتقدات السياسية، ذلك أن شعور
الأفراد بالولاء للنظام السياسى يساعد على اضفاء الشرعية على النظام، كما
يساعد على بقاء النظام وتخطيه الأزمات والمصاعب التى تواجهه.
فضلاً عن أن الاحساس بالولاء والانتماء للوطن يساعد على بلورة وتنمية
الشعور بالواجب الوطنى وتقبل الالتزامات، كما يمكن من فهم الحقوق
والمشاركة الفاعلة فى العمليات السياسية من خلال التعاون مع الجهاز
الحكومى والمؤسسات السياسية ، وتقبل قرارات السلطة السياسية والايمان
بالدور الفاعل لها فى كافة مجالات الحياة.
يحتاج أى نظام سياسى الى وجود ثقافة سياسية تغذيه وتحافظ عليه. فالحكم
الفردى توائمه ثقافة سياسية تتمحور عناصرها فى الخوف من السلطة والإذعان
لها، وضعف الميل إلى المشاركة، وفتور الايمان بكرامة وذاتية الانسان، وعدم
اتاحة الفرص لظهور المعارضة. أما الحكم الديمقراطى فيتطلب ثقافة تؤمن
بحقوق الانسان، وتقتنع بضرورة
حماية الانسان وكرامته فى مواجهة أى اعتداء على هذه الحريات، حتى لو كان
من قبل السلطة نفسها، كما يشترط لاستمرار النظام والحفاظ على بقائه توافر
شعور متبادل بالثقة بالآخرين فى ظل مناخ اجتماعى وثقافى يعد الانسان لتقبل
فكرة وجود الرأى والرأى الآخر، ويسمح بوجود قدر من المعارضة فى إطار قواعد
وأطر سياسية موضوعة بدقة لكى تنظم العلاقة بين أفراد المجتمع السياسى.
وتساهم الثقافة السياسية السائدة فى المجتمع إلى حد كبير فى بلدان كثيرة
فى تحديد شكل نظام الحكم، بل انها قد تساهم فى تحديد عناصر القيادة
السياسية. فقد تكون القيادة السياسية حكرا على عائلة معينة أو على مجموعة
صغيرة ذات وضعية خاصة دينية أو مذهبية أو عرقية أو تعليمية. وحيث يقدر
المجتمع كبار السن ويعلى الذكور على الإناث، يغلب أن تجىء القيادة من صفوف
المسنين الذكور. وفى كثير من الأنظمة السياسية ينظر إلى فئة معينة على
أنها الأجدر بالسيطرة على المستويات العليا للسلطة. هذه الفئة قد تكون
رجال الدين أو العسكريين أو المحامين .. الخ. وفى مثل هذه الحالة يتوقع أن
تعكس السياسة العامة مصالحهم فى المقام الأول.
وتؤثر الثقافة السياسية كذلك على علاقة الفرد بالعملية السياسية ، فبعض
المجتمعات تتميز بقوة الشعور بالولاء الوطنى والمواطنة المسئولة، وهنا
يتوقع ان يشارك الفرد فى الحياة العامة، وأن يسهم طواعية فى النهوض
بالمجتمع الذى ينتمى إليه. وفى دول أخرى يتسم الافراد باللامبالاة
والاغتراب وعدم الشعور بالمسئولية تجاه أى شخص خارج محيط الأسرة. وفى بعض
الأحيان ينظر المواطن إلى النظام السياسى على أنه أبوى يتعهده من المهد
إلى اللحد ويتولى كل شىء نيابة عنه ويعمل على ضمان رفاهية الجماعة. وفى
المقابل قد يتشكك الفرد فى السلطة السياسية ويعتبرها مجرد أداة لتحقيق
مصالح القائمين عليها ليس إلا.
لذلك يمكن القول أن الاستقرار السياسى يعتمد على الثقافة السياسية.
فالتجانس الثقافى والتوافق بين ثقافة النخبة والجماهير يساعدان على
الاستقرار. أما التجزئة الثقافية والاختلاف بين ثقافة النخبة وثقافة
الجماهير، فإنه يشكل مصدر تهديد لاستقرار النظام السياسى.
يمكن القول أن هذه الأزمة هى آخر الأشكال التى وصلت إليها التطورات فى
الدول النامية. وهى تعنى فى مضمونها : تخبط الجماعة السياسية فى تعريفها
لنفسها وفى تحديد شعورها الجماعى بهويتها الحضارية من منظور التاريخ بمعنى
.. هل نحن امتداد للماضى أم ينبغى أن تكون انظارنا مشدودة ومتطلعة إلى
المستقبل الذى يتجسد فى الطريق الذى سلكه غيرنا أم أننا أبناء الحاضر وكفى
!!
وتتلخص هذه الأزمة فى التخبط عند اختيار النموذج الحضارى الذى تنشده الجماعة السياسية فى التحديث الثقافى والتنمية الشاملة .
وهناك على الساحة نماذج وأفكار مطروحة ومتناقضة ابتداء من النموذج التركى
الذى اختار التغريب الكامل وانتهاء - على العكس من ذلك - بإدانة المجتمع
العصرى الحالى باعتباره مجتمعاً جاهلياً ينبغى تكفيره وهجره ونبذ اساليب
الحياة فيه.
ويمكن طرح قضية الأصالة والمعاصرة على شكل بدائل ثلاث هى : التمسك
بالأصالة، أو السير فى طريق المعاصرة، أو القيام بمحاولة توفيقية بالجمع
بين الاثنين. غير أن الاكتفاء بهذا الطرح فى تحليل أزمة الهوية يثير
إشكاليات تزيد من تعقيد القضية ، ويجعل الوصول إلى رأى حاسم فيها أمر يكاد
يكون مستحيلاً.
لذلك اقترح بعض المفكرين صيغة أخرى تقضى على هذا التداخل .. وهى صيغة
(الاتباع أم الابداع) بمعنى أن الشكل الحضارى الذى نواجهه هو :هل نظل إلى
الأبد مقلدين محاكين (سواء لأجدادنا أو للأجانب) نساير الآخرين ونمسك بذيل
تطور لم نصنعه، أم نصبح مبدعين نبتكر حلولنا الخاصة ونقف ندا للآخرين
بأفكارنا الخلاقة.
وفى محاولة للبحث عن أصول أزمة الهوية فإنه يمكن القول أن أزمة الهوية
تظهر عند الفتى فى سن المراهقة فى شكل أزمة ذاتية .. والذات هى المفهوم
الذى يكونه الفرد عن نفسه باعتباره مصدر للتأثير والتاثر فى البيئة
المحيطة.
وفى تلك السن يقوم داخل الفرد صراع بين النوعين من القيم : صراع بين
الدافع إلى تحقيق صورة للذات مقبولة اجتماعياً،وبين جانب من الذات ثابت
ومستقر يتضمن معانى القصور والعجز والضعف، وعدم التكافؤ والفشل وغير ذلك.
وبذلك يقع المراهق فى بلبلة وحيرة واضطراب تتدخل فيه عدة عوامل ، فيما
يتعلق بتحديد (الذاتية) أى الصفات المميزة التى يرضى المراهق أن تتحدد بها
ذاته، فى هذه الحالة تحدث أزمة ذاتية وذلك عندما يعجز الفرد عن أن يحدد
تكاملاً ذاتياً بين قيمه وأهدافه وقدراته، أى عند فشله فى تحديد "هويته".
وبالمثل يمكن القول أن الأمم النامية والدول الغنية تقع قبل مرحلة
الانتقال أو التطور فريسة لأزمة ذاتية من هذا النوع. وذلك عندما تخفق فى
تحديد هويتها الحضارية.
ويذكر علماء النفس أنه فى حالة إخفاق الفرد فى التوافق مع الذات وتأكيدها
فإنه يلجأ إلى أسلوب لا توافقى يتراوح بين حالتين هما : الاغتراب أو
التطرف. وعادة ما يوجه المغتربون اهتماماتهم على وجه الأخص إلى الداخل، فى
حين أن المتطرفين يوجهون اهتماماتهم إلى الخارج، وهو نفس السلوك السياسى
لبعض الأقطار الذى يتراوح بين الانغلاق الداخلى أو العزلة وبين التطرف
العدوانى. هذا فضلاً عن الاحساس بالقصور والعجز والضعف وعدم التكافؤ
وتزايد الاحساس بعدم الثقة فى العالم المحيط.
وتكمن جذور أزمة الهوية فى عدة عوامل من أبرزها السيطرة الأجنبية وما
تلاها من تبعية وما يترتب عليها من تشويه اقتصادى واجتماعى حضارى ونفسى
وكذلك تعميق التبعية بمعنى كثافة الاعتماد من جانب الحكومات على القوى
الخارجية لتحقيق الأهداف الوطنية، وأيضا شدة الاعتماد من جانب الشعوب على
حكوماتها لتحقيق الآمال الجماهيرية، فضلا عن النظرة الأحادية للأمور بمعنى
أن كافة الأشياء والظواهر والمواقف هى إما ابيض أو أسود ولا وسط مما يضيع
نسبية الحقائق والأحكام ويدفع إلى التعصب والتطرف وعدم القبول بالحلول
الوسط.
صفوة القول أن أزمة الذاتية تتبلور فى أن المشكلة ليست أزمة معرفة وإنما
هى أزمة تقييم، بحيث نعجز عن تقييم موقعنا فى خريطة الأسرة الدولية
المعاصرة وتحديد مركزنا على مر الزمن الذى يمتد عبر ثلاث نقاط من الماضى
إلى الحاضر فالمستقبل.
وفى إطار البحث عن الذات أو الهوية الحضارية هذه ، تحدث نزعة الخلط بين
موقفين : البحث عن الذات، والعودة إلى الذات، وهذه الأخيرة تعنى العودة
إلى الداخل ونحو الماضى. وأصحاب هذه النزعة حينئذ يكونون بمثابة قوم
يمسكون بمرآة عظيمة ينظرون فيها ليهتدوا بها إلى طريقهم، وهم فى الواقع لا
يرون إلا انفسهم وعلى هذا النحو قد يضيع منهم الطريق الصحيح.
وتتمثل مشكلة تحديد الهوية فى تحديد تعريف الذات، ذلك أن هذه المشكلة تحدد
مواقعنا فى مواجهة الآخرين. فلكى تتحدد الهوية لابد من تحديد علاقات
الأشخاص ببعضهم ومدى انتمائهم أو بعدهم عنهم.
وهنا تبرز مشكلة الهوية لدى الشباب كجماعة اجتماعية متميز . فالشباب جماعة
اجتماعية لها ثقافتها الفرعية الخاصة. وقد أدى طول فترة التعليم إلى توافر
الوقت الطويل للشباب والذى نتج عنه ما يمكن تسميته بالمراهقة الممتدة ..
تلك المراهقة الممتدة التى تؤدى إلى الهوية المشتتة.
ويرجع ظهور مشكلة الهوية لدى الشباب الى عوامل مثل :
أ ـ سرعة التغير فى المجتمع :
ان الحالة العامة للحياة وسرعة التحرك فيها وشعور الانسان بهذه الحياة من
زاوية مفاهيمه عن الزمان والمكان والعلاقات الاجتماعية تتعرض لهزات عنيفة،
بل ان مفاهيم المجتمع نفسه والثقافة قد أصابهما التغيير.
ب ـ التحديث :
تتمثل مشكلة التحديث فى التغير الضخم الشامل فى كل مكان، حيث لا تستطيع أى
جماعة أن تفلت من التغيير فى هذا القرن. لقد نتج عن عدم القدرة على
التعامل بنجاح مع مجتمع ديناميكى كثير من التغيير والفوضى وعدم الرضا. وفى
النهاية اهتزاز الهوية لدى الشباب نتيجة لصدمات التغيير.
جـ ـ التشتت النفسى :
ويحدث هذا الشتت بين القديم الأصيل والجديد المستورد، وبين قيمة العمل
اليدوى وعائده وبين الوظيفة ونتيجة لتلك المشاكل يشعر الشباب بالاغتراب فى
وطنه بسببب فتور العلاقات الانسانية وشكه فى كل شىء، مما يؤدى إلى وجود
صراع بين الهوية القومية أو الوطنية وبين الحضارة الحديثة، وقبول أو عدم
قبول تقويم الحضارة الغربية لحضارتنا الوطنية وقيمها ورموزها وطريقة حياة
شعبنا.
وفى هذا الاطار يمكن أن نميز بين هويات متعددة هى الهوية الوطنية والهوية العربية والهوية الإسلامية والهوية العالمية.
(1) الهوية الوطنية :
تتحدد الدائرة الوطنية بالحدود السياسية للدولة .. وقد غلب هذا التيار
الداعى للانتماء إلى الوطن (مصر) والدولة، على أى من الدوائر الأخرى.
ولقد كان هذا التيار قوياً فى فترة الجهاد من أجل الاستقلال، ثم ضعف بعد
ثورة التحرير وقيام الدولة المستقلة لكنه عاد إلى القوة مرة أخرى بعد حرب
يونيو 1967 ثم ازداد قوة بعد توقيع معاهدة السلام بين مصر واسرائيل
والمقاطعة العربية لمصر.
(2) الهوية العربية :
تؤكد الهوية العربية على الانتماء إلى الدائرة التى تشمل الوطن العربى
الكبير من المحيط إلى الخليج. ويؤكد هذا التيار على روابط مصر العربية،
والمتمثلة فى اللغة والثقافة والحضارة والأصل السامى لكل الأمة العربية.
كما يركز هذا التيار على إنكار رسوخ الدولة الوطنية ويتجاهل الخصوصيات
الثقافية المشتركة فى بلاد الوطن العربى ويركز على تحقيق الوحدة العربية.
(3) الهوية الاسلامية :
يؤكد التيار الاسلامى على الانتماء إلى دائرة الحضارة الاسلامية التى ساهم
فى بنائها العرب، وغلب على هذا التيار الانتماء إلى العقيدة اكثر من
الوطنية والانتماء القومى، وسعى إلى التواصل مع التنظيمات المعبرة عنه فى
العالم الاسلامى. وقد عمل هذا التيار على استقطاب العديد من الشباب.
بالتركيز على الإحباط الثقافى والحضارى .
(4) الهوية الإنسانية العالمية :
ان النظرة العالمية هى النظر إلى الجنس البشرى كأسرة واحدة تقوم على تنمية
المصالح المشتركة باستخدام مصادر الثروة الطبيعية وتسيير المجتمع نحو
الرفاهية. وتظهر لدى الشباب الرغبة فى التمثل بالأنماط السلوكية المتبادلة
التى تنتجها الحضارات المختلفة فى مراحل تماسكها واحتكاكها المباشر،
تعبيراً عن طبيعة العلاقات المتطورة بينها.
كما ينتج عن ذلك صراع بين الحضارات، وتمزق شباب الدول النامية بين قيمه
الموروثة والمحببة، وبين مقتضيات ومتطلبات الحضارة العالمية الصناعية إذ
لا يمكن تفادى وقوع التغيير الحضارى الذى اتسعت فيه الاتصالات الفكرية
والمادية مما يؤدى إلى وقوع الشباب فريسة الصراع الثقافى وتنافس الهويات
بالأخص فى ظروف التحول نحو العالمية فى الاقتصاد والاتصال والاعلام
والثقافة، الأمر الذى يعلى من شأن المؤثرات الخارجية على القيم السياسية
لكافة المواطنين وفى مقدمتهم الشباب.
ومع ذلك .. فإنه يمكن القول أن أزمة الهوية الحضارية والثقافية لدى الشباب
ينبغى ألا تثير الانزعاج بيننا، لأننا نشترك فيها مع معظم دول المعمورة.
أما وجه القلق فيها فيكمن فى الخطورة التى تترتب على عدم حسمها والتى
تتلخص فى تأخيرنا عن اللحاق بقطار العالمية السريع الذى يتوجب أن نأخذ فيه
مكاناً مناسباً.
والحل المنشود قد يكون غير تقليدى ومبتكر فلابد أن نسعى لاستيعاب الشباب
ودمجه فى قضايا مجتمعه وابتكار اساليب وجهود لتنمية ولاءات الشباب تجاه
هويتهم الوطنية مع عدم اغفال للتيارات القومية والعالمية حتى نتمكن من
مواجهة التحديات القادمة وسوف نحاول طرح بعض الأساليب المبتكرة لعلاج هذه
القضية فى الفصل القادم (المشاركة السياسية).
ثانيا ً: عملية التنشئة السياسية
تشهد المجتمعات المعاصرة - بدرجات متفاوتة- أزمة تكامل قومى ، فمن الواضح
ان اكثر الدول النامية بها العديد من الجماعات المختلفة عرقياً ولغوياً
ودينياً ، الأمر الذى جعل من عملية بناء الآمة مطلباً ملحاً. وتواجه اكثر
من دولة متقدمة وان كان بدرجة اقل حدة نفس المشكلة حيث تضم اقليات لم
تستوعب فى النسيج الاجتماعى ومن هنا تصبح التنشئة السياسية لازمة لخلق
شعور عام قوى بالهوية القومية.
ولقد شرعت الدول النامية عقب حصولها على الاستقلال فى القيام بعمليات
تحديث اقتصادية واجتماعية وسياسية. وتتضمن التنمية فى بعدها السياسى تطوير
المؤسسات السياسية وتحقيق نوع من التمايز التخصص الوظيفى فيها بمعنى إنشاء
مؤسسات سياسية ودستورية متخصصة كالأحزاب والبرلمان … الخ. كما شكل إحلال
نسق من القيم السياسية الحديثة محل منظومة القيم التقليدية . وتعد التنشئة
المخططة والمستمرة سبيلاً لاغنى عنه لإحداث التطوير الثقافى المنشود.
وتتعدد التعريفات التى طرحها الباحثون لمفهوم التنشئة السياسية. فليس هناك
تعريف واحد متفق عليه. وسنعرض فيما يلى طائفة من هذه التعريفات، فنتناول
أولا مفهوم التنشئة بصفة عامة ثم التنشئة السياسية.
وتعرف التنشئة على إنها عملية التفاعل الاجتماعى التى يتم من خلالها تكوين
الوليد البشرى وتشكيله وتزويده بالمعايير الاجتماعية، بحيث يتخذ مكاناً
معيناً فى نظام الأدوار الاجتماعية ، ويكتسب شخصيته، أو هى العملية التى
يتم من خلالها تكييف الفرد مع بيئته الاجتماعية بحيث يصبح عضواً معترفاً
به ومتعاوناً مع الآخرين.
وهو مصطلح يستخدم للاشارة الى الطريقة التى يتعلم بها الاطفال قيم
واتجاهات مجتمعهم وما ينتظر ان يقوموا به من أدوار عند الكبر. ويعرفها
البعض على انها تلك العملية التى يكتسب الفرد من خلالها ثقافة ومعايير
جماعته فى السلوك الاجتماعى وهى عملية لا تحدث لفترة معينة ثم تتوقف
ولكنها مستمرة وممتدة أى أن هناك اتجاهين للنظر إلى مفهوم التنشئة :
الأول : ينظر إلى التنشئة كعملية يتم بمقتضاها تلقين المرء مجموعة من
القيم والمعايير المستقرة فى ضمير المجتمع بما يضمن بقاءها واستمرارها .
الثانى : ينظر إلى التنشئة على أنها عملية من خلالها يكتسب المرء تدريجيا
هويته الشخصية التى تسمح له بالتعبير عن ذاته وقضاء مطالبه بالطريقة التى
تحلو له.
ويمكن أن نخلص إلى تحديد عناصر مفهوم التنشئة السياسية على النحو التالى :
• نقل الثقافة السياسية عبر الأجيال.
• تكوين الثقافة السياسية.
• تغيير الثقافة السياسية.
أ ـ التنشئة والمشاركة السياسية :
تتوقف مشاركة الفرد فى الحياة السياسية جزئياً على كم ونوعية المنبهات
السياسية التى يتعرض لها. غير أن مجرد التعرض للمنبه السياسى لا يكفى وحده
لدفع الفرد إلى المشاركة السياسية وإنما لابد ايضاً أن يتوفر لديه قدر
معقول من الاهتمام السياسى، وهو ما يتوقف على نوعية خبرات تنشئته المبكرة.
فالتجارب والخبرات التى تحدث فى مرحلة الطفولة تلعب دوراً هاماً فى تشكيل
اتجاهات الأفراد وتوجيه سلوكهم الفعلى فيما بعد، ويستمر تأثير هذه التجارب
والخبرات على الأفراد طوال سنوات المراهقة والنضج.
ولما كانت التنشئة لا تقف عند المراحل الأولى من العمر بل انها تحدث طوال
حياة الفرد فإنه يمكن القول أن كل ما يتعلمه الفرد، وما يمر به من خبرات
وتجارب على مدى عمره من الطفولة وحتى الكهولة، يؤثر بدرجة كبيرة على مدى
مشاركته السياسية.
ب ـ التنشئة والتجنيد السياسى :
يقصد بالتجنيد السياسى تقلد الأفراد للمناصب السياسية سواء سعوا إليها بدافع ذاتى أو وجههم آخرون إليها.
وينحدر شاغلو المراكز السياسية من ثقافات فرعية مختلفة، ولذا تصبح التنشئة
السياسية الفعالة عملية حيوية لتزويدهم بالمعارف والمهارات السياسية. ومما
يذكر أن القيم والاتجاهات التى اكتسبها الفرد من معايشته للجماعات الأولية
تظل تزاول تأثيرها عليه بعد تجنيده فى أى منصب سياسى.
جـ ـ التنشئة والاستقرار السياسى :
يشير الاستقرار إلى قدرة النظام على أن يحفظ ذاته عبر الزمن أى يظل فى
حالة تكامل، وهو ما لا يتأتى له إلا إذا اضطلعت أبنيته المختلفة بوظائفها
على خير وجه ومن بينها وظيفة التنشئة السياسية.
وللتنشئة السياسية بعدان باعتبارها وظيفة ضرورية لاستمرار النظام أولهما
البعد الأفقى ومضمونه أن الجيل القائم ينقل ثقافته إلى الجيل اللاحق.
وثانيهما البعد الرأسى ومؤداه أن يوجد اتساق بين قيم واتجاهات وسلوكيات
أفراد الجيل السائد بما يضمن للجسد السياسى قدراً …. من التلاحم والترابط.
ويشير البعض إلى وظائف التنشئة على النحو التالى :
(1) تعليم اللغة.
(2) تشكيل السلوك الانسانى للفرد.
(3) تشكيل السلوك الاجتماعى للفرد.
(4) اكساب الفرد ثقافة المجتمع.
(5) الحفاظ على نسق القيم السائد فى المجتمع.
(6) تعليم المهارات.
(7) تشكيل شخصية الفرد.
تمر عملية التنشئة بعدد من المراحل التى ترتبط بنمو الفرد وتطوره، وهى
مرحلة الطفولة ثم المراهقة وأخيراً النضج والاعتدال. ويتحدد السلوك
السياسى للفرد فى مرحلة النضج بدرجة ما بخبرات التنشئة التى يكتسبها فى
مرحلتى الطفولة والمراهقة.
ويتلقى الفرد فى كل مرحلة من هذه المراحل جزءاً من عملية التنشئة. كما
يتعرض ايضاً فى كل مرحلة إلى أداة أو أكثر من أدوات التنشئة التى قد تكمل
بعضها البعض أو قد يتعارض بعضها مع البعض الآخر.
فالإنسان فى مختلف مراحل حياته يعايش مؤسسات عديدة، بعضها مفروض عليه ـ
كالأسرة أو المدرسة مثلاً ـ وبعضها الآخر إرادى ينضم إليه طوعاً دون ضغط،
ويتلقى من كل هذه المؤسسات خبرات وقيم واتجاهات ومبادىء يختزنها فى ذاكرته
ووجدانه لتساهم بطريق مباشر أو غير مباشر فى تحديد مواقفه وسلوكه بعد ذلك.
تتنوع وتتعدد الأدوات التى تلعب أدواراً رئيسية فى عملية التنشئة. فتحت
تأثير الأسرة والمدرسة وجماعات الرفاق وأدوات الاعلام يكتسب الفرد قيماً
ومعايير واتجاهات منها ما هو اجتماعى له آثاره السياسية، ومنها ما هو
سياسى. وسوف نتناول هذه الأدوات على النحو التالى :
أ ـ الأســـرة :
تعتبر الأسرة من أهم أدوات التنشئة السياسية وأعظمها تأثيراً فى حياة
الأفراد فهى أول جماعة يعيش فيها الفرد، وهى التى تقوم بإشباع حاجاته
البيولوجية وما يرتبط بها من حاجات سيكولوجية واجتماعية خلال مراحل حياته
الأولى، وهى التى تنقل إليه كافة المعارف والمهارات والاتجاهات والقيم
التى تمكنه من أن يعيش حياة اجتماعية ناجحة بين أفراد المجتمع.
وقد أكدت معظم الكتابات التى تناولت التنشئة على أن الأسرة هى أهم أدوات
التنشئة نظراً لما لها من تأثير حلزونى يمتد ليطوق كل الأدوات الأخرى مثل
جماعات الرفاق والمدرسة والسلطة ووسائل الإعلام وغيرها.
وتعتبر الأسرة المدرسة الأساسية لكل طفل لأن ما يتعلمه فيها يبقى معه طوال
حياته. فعن طريقها يكتسب قيمه الاجتماعية، ومعايير سلوكه، ويكتسب ضميره
الآمر الناهى الذى يثيبه على خير ما يقوم به ويعاقبه على شر ما يقترفه،
وعن طريقها ايضاً يكتسب الطفل المعايير العامة التى تفرضها أنماط الثقافة
السائدة فى المجتمع.
ب ـ المدرسة :
وتقوم المدرسة بعملية التنشئة السياسية عن طريقين :
(1) التثقيف السياسى :
ويتم هذا التثقيف من خلال مواد معينة كالتربية الوطنية والتاريخ. وتهدف
التربية الوطنية إلى تعريف التلميذ بحكومة بلده، وتحديد السلوك المتوقع
منه، وزرع مشاعر الحب والولاء القومى فى نفسه، ويرمى تدريس التاريخ بما
يتضمنه من انتصارات وهزائم إلى تعميق إحساس الطالب بالفخر والانتماء
القوميين.
(2) طبيعة النظام المدرسى :
فالمدرسة وحدة اجتماعية لها طابعها الخاص الذى يساعد بدرجة كبيرة فى تشكيل
إحساس التلميذ بالفاعلية الشخصية وفى تحديد نظرته تجاه البناء الاجتماعى
القائم.
(3) جماعة الرفاق :
تعرف جماعة الرفاق على أنها الجماعة التى تتكون من أصدقاء الطفل الذين
يتقاربون فى أعمارهم وميولهم وهواياتهم، كما أنها الجماعة التى ينسب إليها
الفرد سلوكه الاجتماعى ويقيمه فى إطار معاييرها وقيمها واتجاهاتها وأنماط
سلوكها المختلفة.
وجماعات الرفاق لها دور فى التنشئة السياسية من خلال حث أعضائها أو الضغط
عليهم ليعملوا وفق الاتجاهات وأنماط السلوك السياسية الى تقبلها الجماعة،
فالفرد قد يصبح مهتماً بالسياسة أو متابعاً للأحداث السياسية لأن أحد أو
بعض رفاقه المقربين يفعلون ذلك.
(4) دور المؤسسات الدينية :
تقوم المؤسسات الدينية بدور كبير فى عملية التنشئة وذلك لما تتميز به من
خصائص فريدة أهمها : إحاطتها بهالة من التقديس، وثبات وإيجابية المعايير
السلوكية التى تعلمها للأفراد، والاجماع على تدعيمها.
والدين له مؤسساته التى تعمل على تحقيق أهدافه وغاياته السامية، ولا يقف
الدين عند حدود العبادات وإقامة الشعائر الدينية، بل ان الدور الذى يقوم
به فى تنشئة الأفراد يكاد يعكس آثاره على بقية المؤسسات الأخرى العاملة فى
مجال الضبط الاجتماعى، ولذلك يعد الدين والمؤسسة التى تعمل على تحقيق
أهدافه عنصراً أساسياً من عناصر التنشئة.
وتقوم المؤسسات الدينية بدورها فى عملية التنشئة من خلال:
• تعليم الفرد والجماعة التعاليم الدينية والمعايير السماوية التى تحكم سلوك الفرد بما يضمن سعادة الفرد والمجتمع.
• إمداد الفرد بسلوكيات أخلاقية.
• تنمية الضمير عند الفرد والجماعة.
• الدعوة إلى ترجمة التعاليم السماوية السامية إلى سلوك عملى.
• توحيد السلوك الاجتماعى والتقريب بين مختلف الطبقات الاجتماعية.
(5) دور مؤسسات العمل :
وتؤثر مؤسسات العمل فى التنشئة من خلال ما يدور داخلها من علاقات واتصالات
ومعاملات بين الرؤساء والمرؤوسين ، وبين العاملين فى هذه المؤسسات بعضهم
البعض بحيث أنه كلما اتسمت هذه العلاقة بالود والتعاون والمشاركة فى اتخاذ
القرارات ، وفى تسيير أمور المؤسسة، كلما كان الفرد أكثر ميلاً للمشاركة
خارج نطاق العمل، أما إذا اتسمت هذه العلاقة بالحقد والكراهية والتسلط،
كلما كان الفرد أكثر ميلاً إلى السلبية واللامبالاة فى داخل وخارج بيئة
العمل.
(6) دور الأحزاب السياسية :
تقوم الأحزاب السياسية بدور كبير فى عملية التنشئة من خلال غرس قيم
ومفاهيم ومعتقدات سياسية معينة لدى الفرد، وذلك بهدف توجيه الأفراد وجهة
سياسية معينة تتفق مع توجهات هذه الأحزاب، كما تم توضيحه فى العدد الثانى
من هذه السلسلة عن الأحزاب.
وتقوم الأحزاب بهذا الدور من خلال ما تقدم من معلومات، وما تمارسه من
تأثيرات على الآراء والقيم والاتجاهات السلوكية السياسية للجماهير،
مستخدمة فى ذلك كل ما تملك من وسائل اتصال بالجماهير سواء كانت هذه
الوسائل جماهيرية كالراديو والتليفزيون والصحف والمجلات والكتيبات
والنشرات وغيرها، أو وسائل اتصال مباشر كالندوات والمؤتمرات والمحاضرات
والاجتماعات والمناقشات والمقابلات التى ينظمها الحزب من أجل الوصول إلى
أكبر قطاع ممكن من الجماهير.
وتقوم الأحزاب السياسية بدور مزدوج فى عملية التنشئة السياسية يتمثل فى دعم الثقافة السياسية السائدة، وخلق ثقافة سياسية جديدة.
(7) دور وسائل الاتصال :
تؤدى هذه الوسائل من صحف ومجلات وإذاعة وتليفزيون دوراً هاماً فى عملية
التنشئة السياسية. إذ تزود الفرد بالمعلومات السياسية وتشارك فى تكوين
وترسيخ قيمه السياسية . وفى المجتمعات المتقدمة تنتشر الوسائل الاعلامية
على نطاق واسع وتقوم هذه الوسائل بنقل المعلومات عن قرارات وسياسات النخبة
الحاكمة إلى الجماهير، ونقل المعلومات عن مطالب وردود فعل الجماهير إلى
النخبة وهذا التدفق المستمر للمعلومات من أعلى إلى أسفل وبالعكس من شأنه
العمل على تأكيد قيم الثقافة السياسية السائدة.
وقد عمدت القيادات السياسية فى الدول النامية إلى تطوير وسائل الاتصال
الجماهيرى لتسهم فى تشكيل الثقافة السياسية الجديدة غير أنه توجد مجموعة
من العوامل كالأمية وتدهور مستويات المعيشة والفقر والمرض وغياب التيار
الكهربائى وعزلة القرية التى تحول دون تحقيق الاستفادة القصوى من هذه
الوسائل.
ويقتضى تعظيم الاستفادة من الوسائل الجماهيرية حدوث نوع من التعاون والتضافر فى الجهود التى تبذلها مؤسسات أخرى 1