هذه مُجرَّد مُعاينة لتصميم تم اختياره من موقع Hitskin.com
تنصيب التصميم في منتداك • الرجوع الى صفحة بيانات التصميم
(حقيقة العلاقة بين الأمير عبد القادر الجزائري والحاج أحمد باي)
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
(حقيقة العلاقة بين الأمير عبد القادر الجزائري والحاج أحمد باي)
بسم الله الرحمن الرحيم
(حقيقة العلاقة بين الأمير عبد القادر الجزائري والحاج أحمد باي)
(حقيقة العلاقة بين الأمير عبد القادر الجزائري والحاج أحمد باي)
الحمد لله وحده وبعد:
من الملاحظ أنه كلما نُشِرَ موضوع يبحث في سيرة الأمير عبد القادر الجزائري ـ سواءٌ لبيان أحداث جهاده وحروبه مع الجيوش الفرنسية ، أو للردِّ على الشبهات المثارة حوله ـ تبرز أسئلةٌ من بعض الإخوة القرّاء مضمونها : الحديث دائمًا عن جهاد الأمير عبد القادر ومَنْ تَبِعَه من أهل الغرب الجزائري ولا يُتَحدَّث عن جهاد أحمد باي وأهل الشرق الجزائري؟ ولماذا رفضَ الأمير عبد القادر التحالف مع أحمد باي للقيام بثورة شاملة على جيوش الفرنسيين الغزاة؟ ولماذا قَبِل الأمير مهادنة الفرنسيين ريثما يقضوا على ثورة أحمد باي؟ ألم يكن من الأفضل أن يتحالف الأمير مع أحمد باي؟]
ويزيد بعض الإخوة سؤالاً آخر فيقول مستفهمًا ومتعجِّبًا : [لماذا يُقال عن الأمير إنه مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة مع أنه أقام دولته في بعض ولايات الغرب فقط؟!]
وبسبب تكرار هذا الأسئلة رأيتُ من المهم أن أبيّن للإخوة القرّاء حقيقةَ الأحداث في تلك الحِقبة ، وذلك جوابًا على أسئلتهم. فأقول بدايةً :
إنني أوصي نفسي وجميعَ الإخوة بعدم التشنج على ما ترسَّب واستقرَّ في أذهاننا من معلومات قد تكون خاطئة، وأن نبدأ بقراءة تاريخنا من مصادره الصحيحة، وأن يكون هدفُنا الوصولَ إلى الحق وأخذ الدروس والعِبر من تاريخنا وماضينا، وما أجمل ما صدَّر به الدكتور محمد العربي الزبيري كتابه (الثورة الجزائرية في عامها الأول) حيث قال : حكمةُ الكتاب "إنَّ الذي لا يدرس الماضي لا يمكن أن يفهم الحاضر، ومِنْ ثمَّ فهو لا يستطيع بناء المستقبل ، لأنّ عملية البناء والتشييد تعتمد، أساسًا، على الواقع المَعِيش".انتهى
وسأذكر الآن أجوبة مختصرة على وجه السرعة، ثم أنتقل إلى التفصيل والتوثيق بعون الله تعالى.
1ـ إن الشعب الجزائري جاهد العدو الفرنسي المعتدي في جميع أنحاء الجزائر من الشرق إلى الغرب، وسطَّر بجهاده أروع الدروس للمعتبرين والذاكرين.
2ـ إنّ أهل الشرق الجزائري (قسنطينة وما حولها) كانوا معجبين بجهاد إخوتهم في الوسط والغرب الجزائري، وكذلك كان أهل الغرب والوسط معجبين بجهاد إخوتهم في الشرق الجزائري.
3ـ إنّ جهاد الشعب الجزائري ليس محصورًا أو مقيَّدًا بشخص واحد ، وإنما هو جهاد أمَّةٍ بكمالها ، وبروز اسم الأمير عبد القادر الجزائري في مقدمة الحديث عن جهاد هذه الأمّة سببه أنه هو القائد الذي توحَّدت وتجمَّعت تحت إمرته معظم قبائل ومدن الجزائر فأدَّت إليه البيعة ، وهو بدوره بذل كل وسعه في قيادتها وصيانة كرامتها ، فأجبر الدولة الفرنسية على الاعتراف بالأمّة الجزائريّة وجعلها تخضع لإمارته وتبرم معه المعاهدات الرسمية الدولية!
4ـ إنّ أهل قسنطينة وما حولها كانوا يريدون أن يبايعوا الأمير عبد القادر وهو يريد ذلك ، ولكن الحاج أحمد باي هو الذي عارض ذلك.
5ـ إنّ أحمد باي لم يسعَ إلى التحالف مع الأمير ولم يعرضه عليه مطلقًا!!
6ـ إن الأمير عبد القادر هو الذي عرض على أحمد باي أن ينضم إليه ويتحالف معه وذلك أكثر من مرّة.
7ـ إن أحمد باي هو الذي كان يرفض في كل مرّة التحالف والاتحاد مع الأمير.
8ـ إنّ أحمد باي هو الذي هاجم خلفاء الأمير في المنطقة الشرقية وقاتلهم دون أن يتعرّضوا له!
9ـ الأمير عبد القادر لم يحارب أحمد باي ولم يتآمر عليه أبدًا.
10ـ الأمير أبرم معاهدة تافنة مع دولة فرنسا لأجل تقوية جيشه وتخفيف الضغط عن الشعب الجزائري، وليس لأجل السماح لفرنسا بالاستيلاء على قسنطينة!(ولم يكن يعلم أن فرنسا تخطط لذلك)
11ـ أحمد باي لم يعلن أي ثورة ولا يوجد في التاريخ الجزائري شيء اسمه ثورة أحمد باي!!
12ـ الأمير عبد القادر بويع أميرًا على الجزائر من قبل معظم الشعب الجزائري ، وامتدّت دولته ونفوذه لتشمل معظم التراب الجزائري في الغرب والوسط والجنوب والشرق. والمدن التي لم تكن تحت إمرته هي أربع مدن ساحلية، ومدينة قسنطينة وبعض نواحيها فقط.
13ـ جميع ما ذكر هو باتفاق المؤرّخين الجزائريين والأجانب المعتَبَرين، وهو مُثْبَت في جميع المراجع المشهورة والمعروفة والمتداولة بين الناس.
14ـ على الذين ينكرون كل ما ذكر أو بعضه أن يبينوا أدلّتهم ويذكروا مراجعهم ووثائقهم.
وبعد :
فإنّه من الضروري لكل من يريد أن يتحدث في التاريخ بصدقٍ وعن عِلم ، أن يطّلع على مصادره ومراجعه المتخصصة ، وأن يكون على دراية في كيفية قراءة التاريخ وفهمه ، ومن المهم جدًّا أن يكون القارئ للتاريخ والباحث فيه حياديًا وغير منحاز لفئة أو متعصبٍ لها. وقبل كل ذلك لا بدّ أن يكون غرضه صحيحًا ويرجو فيه الخير ، ويتقي الله فيما يكتبه وينشره.
لذلك فإنني في جوابي سأعتمد المعلومات التي صدرت عن مراجع حيادية في تاريخ الجزائر، وسأترك المعلومات الواردة في الكتب والمراجع التي قد يصنّفها البعض أنها منحازة أو غير منصفة.
والذي أعتقده ـ بعد بحث وقراءة في الكثير من الكتب التي أرَّخت للجزائر ـ أنّ كُتب الأستاذ الدكتور (أبو القاسم سعد الله) مُؤرِّخ الجزائر الكبير، هي من أفضل المراجع التي يمكن الاعتماد عليها في هذا الخصوص، وخاصّة أنّ كثيرًا من الكتّاب والمؤرِّخين الجزائريين الذين هم من مشارب متعددة ومدارس مختلفة، يوافقونه فيما ذهب إليه وأثبَتَه في هذا الخصوص.
وقبل أن أسرد كلام الدكتور أبي القاسم ، أجد من المهم أن أوضّح بعض الأشياء.
أولاً؛ عندما نريد أن نعقد مقارنةً بين شخص الأمير عبد القادر وشخص الحاج أحمد باي ، علينا أن نعرف حجم الشخصيتين التاريخي ، وذلك يكون بتعرّف الآثار التي تركها كل واحد منهما ، وبتتبع صدى اسم كل منهما عبر العصور والحقب.
مثال على ذلك : إذا حاولنا جمع المصادر التاريخية التي كَتَبَت أو تَرْجَمَت لكل من الأمير عبد القادر وأحمد باي نجد أنّ حجم المصادر والكتب التي تحدثت عن الأمير أكبر بكثير من تلك التي تحدثت عن الحاج أحمد باي.
وهذا سواء في المصادر العربية أو الأجنبية! يقول لويس لاتايّاد في كتابه (الأمير عبد القادر) : ((إنَّ المراجع ذات الصلة بعبد القادر (كتب، نشرات، مقالات، وثائق أرشيف ..الخ ..) تتجاوز الألف كثيرًا)).انتهى[ص 245]
وقد بحثت عن أحمد باي في المراجع الكبيرة التي تصدَّت لترجمة الأعلام في العالم العربي والإسلامي ولو لم يكونوا من المشاهير؛ مثل (الأعلام) لخير الدين الزركلي ، وغيره؛ فلم أجده في تراجمها!
وكذلك إذا نظرنا في الآثار التي تركها الأمير وتحدّث عنها الكتّاب نجد أنّها أكثر وأعمق وأبلغ من تلك التي تركها أحمد باي وتحدَّث عنها الكتّاب.
فمثلاً : إن دولة فرنسا المعتدية على الجزائر اضطرت لعقد معاهدات مع الأمير عبد القادر واعترفت بسيادته على الكثير من أقاليمها، في حين لم تعقد أي اتفاقية أو هدنة مع الحاج أحمد باي!
ولذلك لا عجب أن يستمر الحديث والكتابة والتأليف وعقد المؤتمرات بخصوص الأمير عبد القادر الجزائري في العالم كلّه، في حين نجد أنّ الحاج أحمد باي لا يحظى بذلك الاهتمام. وهذا لا يعني التقليل من جهود أحمد باي أو التهوين من شأنه ، وإنما هي مسألة الأقدار التي كتبها الله لكل واحد من بني آدم.
ثانيًا؛ عندما نريد أن نعالج مسألة تاريخية يجب أن تكون هذه المسألة وقعت أصلاً، لا أن نفترضها أو نتخيلها! وعندما نريد أن نحكم على مواقف بعض الأشخاص يجب أن نكون على يقين من الدوافع التي كانت لديهم ، لا أن نضع لهم دوافع من عندنا ونحكم على نيّاتهم رجمًا بالغيب!
ثالثًا؛ علينا أن نفرّق ـ ونحن نقرأ التاريخ القديم وقد جُمِعت أحداثه المتفرّقة ـ بين ما نراه الحل الأفضل ونتمنى لو أنه حدث ولكنه لم يحدث، وبين أن نحمّل تَبِعات عدم حدوثه لأشخاص لم يكونوا يعلمون الغيب، وفوجئوا بالأحداث!
وقبل أن أَشْرَع في بيان الحالة التي كانت بين الحاج أحمد باي والأمير عبد القادر ، أجد من الضروري التعريف بشخصية الحاج أحمد باي وسيرةِ حياته .
عرّف الأستاذ الدكتور أبو القاسم سعد الله بشخصية أحمد باي وبيّن الأوضاع التي كانت تحيط به فقال : ((.. إن حياته غنية وخصبة وجديرة بالاعتبار.
ولِدَ قرابة سنة 1786م لأبيه محمد الشريف ابن الباي أحمد القليي ، الذي حكم قسنطينة نحوًا من خمسة عشر عامًا. وأمّه رقية ابنة الحاج ابن قانة ، رأس إحدى العائلات الصحراوية الكبيرة ، وشيخ من أبرز شيوخها (شيخ العرب). وتثقَّف أحمد بن محمد ثقافة عصره، فأخذ من العربية الأدبَ واللسان ، ومن التركية الحُكم والسلطان، وتربى مع لِدَاتِه أبناء الأُسر الجزائرية، واندمج في حياة المدينة والريف، وتمرَّن على الصيد والفروسية، ومارس الحكم وهو ابن 18سنة إذ عيَّنه أحد البايات قائدًا على قبائل العواسي، وكان إذا عزل من منصبه يذهب نحو الغرب (مليانة، العاصمة، البليدة، الخ.) بعيدًا عن المؤامرات حتى يصفو الجو ويأتي من يقرِّبه إليه. وعندما تولَّى حسين باشا الحكم سنة 1818م قرَّبه إليه واعتبره أحد المخلصين له وعيّنه نائبًا لباي قسنطينة عندئذ، وهو أحمد المملوك، ولم تأت سنة 1826م حتى أصبح هو باي الإقليم كله.
وتمكن أحمد بن محمد من أداء الحج قبل توليه وظيفة الباي.
ومع أنّ الحاج أحمد كان أقرب العناصر التركية في الجزائر إلى الشعب فإنّه ظلَّ وفيًا للخلافة والسلطان العثماني. فلم يفكر في إعلان الاستقلال وتوحيد البلاد تحت شعار الوطنية، أو على الأقل لم يستقل استقلالاً في درجة محمد علي والي مصر نحو السلطان. لقد كان الوحيد الذي يملك التجربة والنظام والقوة سنة 1830م. أمّا من ظهروا بعد هذا التاريخ فقد كان عليهم أن يبدؤوا من الصفر، أو كانوا لا يملكون إلا الطموح مثل بعض البايات الذين نافسوه.... وكان ما قام به من إجراءٍ نحو الأتراك الذين تآمروا عليه أثناء غيابه في الجزائر، كان إجراءً انتقاميًا لا سياسيًا.
وقد ظهر حزبان على الأقل في قسنطينة منذ 1830 : حزبٌ ينادي باستمرار النظام التركي العثماني ، تزعَّمه المتآمرون على الباي الغائب، ولا شك أنّ هؤلاء وعلى رأسهم حمود بن شاكر، كانوا يعتقدون أنّ الحاج أحمد ليس منهم وأنه وطني بالأمومة والعاطفة والتكوين ، وأنهم خافوا منه ليس على مصيرهم فقط ولكن على مصير النظام كاملاً، أي الولاء لاسطنبول. أمَّا الحزب الثاني فقد تزعّمه أعيان قسنطينة وعلى رأسهم الشيخ محمد بن الفكون، شيخ الإسلام، الذي كانت كلمته مستجابة، يُضاف إلى هذا أنّ الحاج ابن قانة خال الحاج أحمد، قد لعب دورًا في إقناع الأعيان المذكورين بجزائريّة الحاج أحمد وعروبته.
إنّ تاريخ عودة الحاج أحمد إلى قسنطينة وتخلّصه من الأتراك المتآمرين عليه بالقتل وغيره ، واعتماده على جيش جديد من الشعب واستيلائه من جديد على مقاليد السلطة، هذا تاريخ معروف عند الدارسين...
اعتمد الحاج أحمد إذن على العنصر الوطني أكثر من ذي قبل. فقد سقط النظام المركزي بالعاصمة الذي كان يمكن أن يمدَّه بالدعم العسكري، وبَعُدَت الشُقَّة بينه وبين الباب العالي، وكثر خصومه المنادون برأسه والساعون إلى منصبه. وهاهم الفرنسيون أيضًا يهاجمون عنابة وبجاية، ويبثون عيونهم ومناشيرهم، وهاهو باي تونس يتآمر عليه مع الفرنسيين. إذن لا مناص للحاج أحمد من الاعتماد على العنصر الوطني : جيشًا وإدارة ومالاً. فأمّا شيخ الإسلام فقد جلب إليه ولاء الحضر، وأمَّا زواجُه السياسي فقد جلب إليه ولاء القيّاد ورجال الصف : أهل الحرب والفروسية من أمثال أولاد مقران (مجانة) وأولاد ابن قانة (الزيبان)، وأولاد عز الدين (زواغة)، وأولاد عاشور (فرجيوة). كما أنّ ولاء ابن عيسى وأضرابه جلب إليه أهل زواوة الصغرى والكبرى بجيشهم القوي وصمودهم المثالي، وقد أعاد الحاج أحمد على ضوء ذلك تنظيم الإدارة والجيش والمالية والنواحي، ولقَّب نفسه بلقب الباشا، وأرسل إلى السلطان يُعلن له الولاء ويطلب التأييد المعنوي والمادي، وراسل أهل إقليم الوسط يطلب منهم البيعة له، ولكننا لا نعرف أنه طمح إلى طلب البيعة له من الإقليم الغربي. ومن أجل هذا التنظيم الجديد وتخلصه من المتآمرين عليه، اتُّهِم الحاج أحمد بالقسوة والطغيان وحب المال، كما اتهم بالجبن. ولكن تلك أحكام ما تزال في حاجة إلى تأكيد أو نفي لأنها أحكام صادرة عن أعدائه الفرنسيين وحزبهم من الجزائريين المعاصرين له.
وإذا كان الأمير (عبد القادر) قد اعتمد في إدارته على رجال الدين فإن الحاج أحمد قد اعتمد على رجال السيف. فالأسماء اللامعة في إدارة الأمير هي : البركاني والسعدي وابن التهامي وابن علال الخ. وكلهم من أهل العلم والدين والزوايا. أمّا الأسماء اللامعة في إدارة الحاج أحمد فهي : ابن عيسى وابن الحملاوي وابن قانة والمقراني الخ. وكلهم من رجال السيف والحرب. تلك إدارة الإقطاع الديني وهذه إدارة الإقطاع الاقتصادي. تلك إدارة المثقفين ، وهذه إدارة الحاكمين.
وكما كان للحاج أحمد أنصار وأصدقاء كان له أيضًا خصوم وأعداء. وقد كثر أعداؤه بالخصوص بعد فرض الغزو الفرنسي على مدينة الجزائر ، إذ تحرّك أصحاب النوايا الخاصة ، وطمع الطامعون في حكم قسنطينة بمساعدة العدو الفرنسي. ولم يكن يجمع هؤلاء الأعداء جامعٌ سوى السخط على الحاج أحمد والإطاحة به ، ولم يقدِّروا أنَّ المستفيد من تناحرهم هو عدوّ الجميع.
وهؤلاء الأعداء هم: 1ـ فرحات بن سعيد، 2ـ إبراهيم الكريتلي، 3ـ ومحمد الصغير بن نعمون، 4ـوأحمد الشريف الريغي، 5ـ وعبد الرحمن سلطان تقرت، وغيرهم. يضاف إلى ذلك عداوة الفرنسيين الذين ناصبوه العداء من أوّل وهلة وعينوا له 6ـ اللقيط يوسف بايًا منافسًا له في عنّابة، 7ـ كما أنّ باي تونس كان عدوًا له يكيد له مع السلطان ومع رعيته، ويتحالف عليه مع الفرنسيين.
ومما لا شك فيه أن الأمير عبد القادر كان أيضًا من خصوم الحاج أحمد ، ولكنه لم يحاربه في الميدان أو يكيد له مع الفرنسيين ، وإنما بدأ يهتم بقسنطينة بعد توقيع معاهدة التافنة ، وأخذ يسعى بالمراسلة ونحوها إلى الاعتراف به سلطانًا وأميرًا للمؤمنين على الجزائر العثمانية كلها)).انتهى[(الحركة الوطنية الجزائرية) لسعد الله من ص140 إلى 145 باختصار]
إذن : هذه نُبذة سريعة من حياة الحاج أحمد باي ، وإذا أخذنا الجانب المتعلق بالعلاقة بينه وبين الأمير ، فإننا نجد أنّ الأستاذ أبا القاسم قد وصف العلاقة بينهما بالخصومة! فقال:"والأمير من خصوم الحاج أحمد"؛ في حين نجده قد وصف الآخرين بأنهم أعداء للحاج أحمد ؛ والذي أراه أنّ الأستاذ أبا القاسم قد تعمّد ذلك ولم يستعمل لفظ العداء وإنما عَدَلَ إلى لفظ الخصومة وزاده توضيحًا فقال : "ولكنه لم يحاربه في الميدان أو يكيد له مع الفرنسيين" والفرق واضح بين قولنا فلان عدو فلان ، وبين قولنا فلان خصم فلان. لأنّ الخصومة هي خلاف في الرأي وليس معها عداوة.
وإذا رجعنا إلى العبارة الأولى لسعد الله نجده قال : (وكما كان للحاج أحمد أنصار وأصدقاء كان له أيضًا خصوم وأعداء) . فجعل كلمة الخصوم في مقابلة الأنصار ، وكلمة الأعداء في مقابلة الأصدقاء.
ومع ذلك فإنّ كلام الأستاذ سعد الله ـ على إنصافه واحتياطه ـ بحاجة إلى توضيح من كان يخاصم الآخر؟ هل الأمير هو الذي خاصم أم أحمد باي هو المخاصم؟ وفي النقول التي سأعرضها عليكم من كتب الأستاذ سعد الله ، نجد دون أدنى شك أنَّ الحاج أحمد باي هو المخاصم .
وأستطيع القول إنّ الأمير لم يكن يحمل أي عداء أو كره لأحمد باي ، بدليل أنّنا إذا رجعنا إلى كتاب (تحفة الزائر في مآثر الأمير عبد القادر وأخبار الجزائر) نجد أنّ الكاتب عندما يتحدّث عن أحمد باي لا يصفه بأي وصف يشعر بوجود أي بغضاء أو حتى خصومة. ومؤلّف هذا الكتاب هو محمد باشا الابن الأكبر للأمير، وبدأ بكتابته في حياة الأمير ، فلو كان هناك أي عداوة أو خصومة لظهرت في كلامه لكننا لا نجد أثرًا لذلك.
وكذلك إذا رجعنا إلى كتاب (نخبة ما تسر به النواظر) وهو من تأليف الأخ الأصغر للأمير، السيد أحمد بن محيي الدين الحسني ، لا نجد أي كلمة أو عبارة تشعر بوجود عداوة بين الأمير وأحمد باي. بل على العكس، نجده لا يذكره باسمه فحسب بل يضيف إليه لقب الحاج فيقول الحاج أحمد باي! وفي هذا دليل على احترام الرجل.
والذي وجدته في كلام شقيق الأمير أنه عندما تحدَّث على سقوط قسنطينة في أيدي الفرنسيين ذكر أخطاء أحمد باي التي تسببت في سقوط تلك المدينة العظيمة، دون التعرض لشخص الرجل أو التشهير به.
والأمر الذي اتفق عليه المؤلِّفان هو الإشادة بأهل قسنطينة وبعلمائها ، والإعجاب ببسالة وشجاعة المجاهدين من أهل قسنطينة ، والتأسف على سقوط المدينة بأيدي الفرنسيين . فأورد محمد باشا ابن الأمير نصَّ الجواب الذي أرسله أعيان قسنطينة ردًّا على طلب الفرنسيين ـ المحاصرين لقسنطينة ـ تسليم المدينة ، ونَصُّه : ((من الأمّة المحافظة على شرفها وبلدها إلى العسكر الفرنساوي المعتدي على حقوق غيره : قد وصلتنا رسالتكم وفهمنا ما ذكرتموه فيها ، نعم إنّ مركزنا أمسى في خطر عظيم، ولكنْ استيلاؤكم على قسنطينة المحمية بالأبطال العربية الذين لا يهابون الموت ، موقوفٌ على قتل آخر واحد منهم. واعلموا أنَّ الموت عندنا تحت أسوار بلدتنا أحسن من حياتنا تحت سلطة فرنسا)).انتهى
ثمّ تحدَّث عن الهجوم الفرنسي على قسنطينة وكيف استطاع أهلها الأبطال المدافعون عنها أن يقتلوا 1ـالحاكم الفرنسي الجنرال دومريمون، 2ـ والجنرال بريكو، 3ـ والكمندان كومب، 4ـ والقائد فمبه دمبريني، 5ـ وجرحوا القائد الشهير لامورسيير جرحًا بليغًا أعجزه عن القيام ، 6ـ ووقع الألوف من العسكر الفرنسي قتلى وصرعى في أسوأ معارك الفرنسيين مع الجزائريين.
وأمّا السيد أحمد بن محيي الدين الأخ الأصغر للأمير، فعندما تحدَّث عن هجوم الفرنسيين على قسنطينة فإنه ذكر تفاصيل دقيقة لمِا حدث، ثمّ بيَّن أنَّ الذي كان له الفضل في حثِّ أهالي قسنطينة على الدفاع عن أنفسهم وحريمهم وأولادهم ويحرِّضهم على الجهاد والذب عن البلاد إنما هو شيخ البلدة وقائدها ابن البجاوي وليس الحاج أحمد باي، إلى أن مات ابن البجاوي في المحاصرة الثانية واستولت فرنسا على المدينة، وأحمد باي متربصٌ خارجها ينظر ما يؤول إليه أمرها!!
إذن من أين جاء الحديث عن الخصومة أو التنافر بين الأمير والحاج أحمد باي؟
الذي وجدته أنّ هذا الكلام لم يكن له وجود قديمًا وإنما الذي أشاعه وروَّج له هو الدكتور عبد الجليل التميمي التونسي! وتَبِعَةُ ذلك تقع عليه ، ووِزْرُ ذلك يلحق به ، وعند الله تلتقي الخصوم!
فالقارئ لأبحاث التميمي الخاصة بالتاريخ الجزائري يجد أنّ الرجل يبغض الأمير عبد القادر الجزائري بغضًا شديدًا ، وينسب إليه الأباطيل ، ويصوّره في أبشع صورة ، معتمدًا على خياله ومكنونات نفسه!! وقضية الخصومة بين الأمير وأحمد باي إنما هي نموذج من أعماله المسيئة للأمير ولتاريخ الجزائر.
وما يتقوّى به من عرض ما يسميه بالوثائق! لا يقوم به أي دليل علمي. فإنّ تلك الوثائق المزعومة في معظمها تفتقر إلى توثيق ثبوتها أولاً قبل النظر فيها، وقد ثبت بطلان معظمها ، ولكن الدكتور التميمي الذي يفتخر بأستاذه الفرنسي "روبار منتران" ويعتمد منهج المدرسة الفرنسية في معالجة التاريخ ، يأبى القبول بذلك ، ويكتفي بأي ورقة تُلقى إليه من الأرشيفات وفيها اسم الأمير حتى يعتمدها ويبني عليها!!
وأعجب من ذلك أنه حتى إذا تجاوزنا هذا الخلل العلمي الفظيع (وهو مسألة التحقق من الوثائق) ونظرنا في تلك الوثائق فإننا لن نجد المعاني التي استنتجها التميمي وبنى عليها أبحاثه! بل سنجد بكل وضوح أنّ الرجل لا يقرأ ما كُتب في تلك الوثائق وإنما يقرأ ما في ذهنه فحسب!!
الخطير في المسألة أنّ الدكتور التميمي الحائز للوسامِ الثقافي الفرنسي!!! Chevalier de l'Ordre des Arts et des Lettres من وزير الثقافة الفرنسي (J. Lang) سنة 1984م ـ قام بخلق فتنة فظيعة بين أبناء القطر الجزائري ، وراح يشككهم برجالاتهم : برفعه من يحب وخفضه من يبغض! وقَلَبَ حقائق تاريخ النضال الجزائري ، وقد تصدى له بعض علماء الجزائر وردّوا عليه ، ولكن ما كُتب قد كُتب ، وما قيل قد قيل!!
ومن الأمثلة التي تظهر بوضوح تحامل التميمي على الأمير إلى درجة أنه لم يعد يميز ما يقرأ : أنه في بحثه الذي قدّمه عن الأمير عبد القادر في المؤتمر الدولي الثاني لتاريخ بلاد الشام (1978) ـ أوردَ كلامًا على لسان الأمير زعم أنه في رسالة وجهها الأمير من (إمبواز) إلى صاحبه (محمد البوحميدي) "يشرح له فيها عن مدى إعجابه بالفرنسيين لشدة إكرامهم له واحترامهم له إلى درجة لم يكن يتصورها!!" واستنتج بعدها التميمي أن الأمير قد انقلبت مشاعره تجاه فرنسا وأنه أصبح بعد وصوله إليها معجبًا بها وبحضارتها ...الخ
والمضحك المبكي في الموضوع أنّ هذه الرسالة كما أرّخ لها التميمي أرسلها الأمير من إمبواز!!! والمعروف أنّ الأمير كان سجينًا هناك هو وأمّه وإخوته وعائلاتهم، وكانوا يعيشون ظروفًا صعبة وأوضاعًا سيئة تسببت في موت بعض أولاد الأمير وبعض أقاربه وأصحابه!!! فكيف تقبّل التميمي أن يكتب الأمير رسالة يُثني فيها على الحكومة الفرنسية التي غدرت به وزجَّت به في السجن خمس سنين؟!!
ولكن المضحك فعلاً أنّ الرسالة موجهة إلى البوحميدي!!
والصغير قبل الكبير ـ فضلاً عن المؤرخين وأهل العلم ـ يعلم أنّ البوحميدي لقي حتفه على يد سلطان المغرب عبد الرحمن بن هشام الذي غدر به وقتله سنة 1847م مع أنه كان في مهمة سفارة بين الأمير والسلطان ، وذلك قبل وصول الأمير إلى أمبواز!!!
أرأيتم إلى هذا التحقيق الفريد من نوعه الذي قام به الدكتور التميمي!! الأميرُ السجين يشكر السجَّان الفرنسي ويثني عليه! والأمير يُراسل صديقه الميت ليخبره أنه مسرورٌ في سجنه فرحٌ بموت أطفاله وأقاربه ، والرسالة تصل إلى قبر البوحميدي فيقرؤها ثم يرقد في قبره مطمئنًّا ، ويبعث بنسخة من الرسالة إلى التميمي!!
إنّ الذين يقبلون مثل هذا الكلام الذي هو أشبه بالهذيان ، عليهم ألاّ يتوقعوا أن يقبله أهل العلم وأهل الفطنة ، وقبل ذلك أصحاب السرائر الطيبة والسويَّة ، وعليهم أن يعلموا أنّ التاريخ لن يذكرهم إلاّ بسيئ أعمالهم .
ritaj22- مشرفة قسم الحبيبة فلسطين
-
عدد المساهمات : 4769
:
رد: (حقيقة العلاقة بين الأمير عبد القادر الجزائري والحاج أحمد باي)
شكرا جزيلا لك أختي ريتاج بارك الله فيك
رد: (حقيقة العلاقة بين الأمير عبد القادر الجزائري والحاج أحمد باي)
أسعدني مرورك الكريم خويا سفيان
عطرت صفحتي
عطرت صفحتي
ritaj22- مشرفة قسم الحبيبة فلسطين
-
عدد المساهمات : 4769
:
رد: (حقيقة العلاقة بين الأمير عبد القادر الجزائري والحاج أحمد باي)
بارك الله فيك اختي ريتاج
مشكوورة على الموضوع
مشكوورة على الموضوع
ريحان الجنة- عضو مبدع
-
عدد المساهمات : 713
:
مواضيع مماثلة
» فرنسا تريد الثأر من الأمير عبد القادر
» تقرير التلفزيون الجزائري عن المنتخب الوطني الجزائري - جديد عودة حسان يبدا
» العلاقة بين ادارة الجودة الشاملة و الادارة الاستراتيجية
» الامير عبد القادر
» عبد القادر غزال أمام المحكمة!
» تقرير التلفزيون الجزائري عن المنتخب الوطني الجزائري - جديد عودة حسان يبدا
» العلاقة بين ادارة الجودة الشاملة و الادارة الاستراتيجية
» الامير عبد القادر
» عبد القادر غزال أمام المحكمة!
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأربعاء 01 أكتوبر 2014, 10:45 من طرف دارين
» الخطبة في 2020
الأربعاء 01 أكتوبر 2014, 10:33 من طرف دارين
» مركز مصادر الإبداع للتدريب والاستشارات CSTC
الثلاثاء 19 أغسطس 2014, 07:14 من طرف al2bda3
» نماذج من رسائل رسمية..طلب وظيفة وغيره
الأحد 22 يونيو 2014, 12:01 من طرف نعاس محمد
» طلب مشرفين لعودة عمل المنتدى من جديد ♥
الثلاثاء 06 مايو 2014, 19:11 من طرف المشرف العام
» رسالة ماجستير كاملة : بيئة العمل الداخلية وعلاقتها بالتسرب الوظيفي
الخميس 06 مارس 2014, 16:47 من طرف rahim05
» فروض مع اجاباتها السنة 1-2-3-4 متوسط
الجمعة 31 يناير 2014, 17:31 من طرف معاذبن
» فروض من الاولى ثانوي إلى غاية الثانية ثانوي كل الشعب
الثلاثاء 19 نوفمبر 2013, 15:42 من طرف marilafolle
» مذكرة تخرج - دور إدارة الجودة الشاملة في تطوير الميزة التنافسية للمؤسسة الإقتصادية
الإثنين 30 سبتمبر 2013, 22:38 من طرف afaf berrah
» اختار حرف ونفذ المطلوب
الأربعاء 31 يوليو 2013, 23:13 من طرف هيمة
» مااااااااتهبطش .............
الأربعاء 31 يوليو 2013, 23:12 من طرف هيمة
» نصيحة اليوم
الأحد 28 يوليو 2013, 22:49 من طرف ريحان الجنة
» سجل حضورك بأجمل وردة 2
الأحد 28 يوليو 2013, 22:47 من طرف ريحان الجنة
» لعبه من ثلاثه حروف فقط
الأحد 28 يوليو 2013, 22:38 من طرف ريحان الجنة
» لغز عجز العلماء عن حله جرب حظك
الأحد 28 يوليو 2013, 22:30 من طرف ريحان الجنة