(1)

الصمت

أشعر بك كسكين غرزت حوافه في صميم القلب
وأراك دمي شلال هادر من دمعه يصب

أنظر حولي ، تحيطني نظرات الجميع ، تحييني وتبتسم لي
فأرسم ابتسامة جوفاء عرضها يترواح من سنتمتر

إلى عشر .. حسب لائحة الإبتسامات .
من أوحى لي بفكرة الصمت

وأنا التي كنت أغرق الكون بثرثرتي ?
من أين أتتني لغة الصمت

وأنا التي كنت أجيد مغازلة الحروف ومعانقة الكلمات ?
فتشت في قاموسي جيدا ً فلم أرَ من الصمت إلا حروفا ً مبعثرة هنا وهناك
ص .. م .. ت

لماذا قمت بترتيبها وتصفيفها وتلميعها ؟
لماذا قمت بتداولها ؟

لماذا لم أشطبها من قاموسي قبل أن يلحظها أحد فتصبح عادة مألوفة ؟
صمت

أتجرع البعد كمن يتجرع السم وقاية من الموت
وما ضير الموت ؟

أكوي هذا الفؤاد بالجمرأملا ً في مد عمره
ولمَ طول الأعمار ؟

طالما سكننا الصمت وأوينا إليه وإلتحفناه سماء ً لنا
فما جدوى العبث بالفؤاد والأعمار ؟

إن كان الصمت هو مقبرة الأيام القادمة
فلنجهز النعش أولى من كي الفؤاد.

(2)

أنت من تكون؟

يشغلني هذا السؤال الملّّح ، أنت من تكون ؟
تعودت أن تكون بجانبي لأكون ،


تعودت أن أفتح عينيّ فأراك ،
تعودت أن أستجير بك على رمضاء هذه الغربة الموحشة فأجدك ،


تعودت أن تكون البلسم لجراحي ، والعبير لأنفاسي ، والكلمة المضيئة التي أزين فيها عنوان كتاباتي ،

تعودت أن أراك في كل ثانية من عمري لتهز لي رأسك بأني ما زلت أحيا ،تعودت أن أمد يدي في قلبك فلا أجد أنثى غيري تتربع على عرشه

وتعودت أن أعبث مليا ً بفكرك وأنقبه جيدا ً خشية أن يكون خيال أنثى يطوف بأرجائه ،

تعودت أن أفتش في سطورك وبين كلماتك عن رائحة أنثى لأتهمك بالخيانة ولكن محاولاتي باءت بالفشل فمن تكون ؟

سؤال أرقني بل ما زال يؤرقني ؟
هل أنت ملاك حارس يلتصق بروحي ليحميني من عثراتي ؟


هل أنت طيف من ريحان وعنبر تسّكن كل أوجاعي وأناتي ؟
هل أنت أغنية المساء على سريري كي تغفو هذه الجفون المثقلة بالسهد وطول السهر ؟


هل أنت ينابيع الأمل في غد ٍ لم أقوَ على تشكيل تضاريسه بعد ؟
هل أنت علب الذكرى العطرة التي تداعب نسائمها رئتي في أشد حالات الاختناق ؟


هل أنت عصاة الجنية التي تحول كل مساءاتي المكفهرة إلى مساءات صيفية حالمة ؟

هل أنت طفلي الذي لم أنجبه بعد يسكن في جنباتي ؟
هل أنت حبل من الياسمين يكلل عنقي ووشاح من القرنفل يلف جيدي ؟

أم إسوارة من الحب تزين بحروفها معصمي ،أم خاتم من الوفاء الحرّ يطوق إصبعي ؟

وأعود لأعوم من جديد في بحر السؤال أنت من تكون ؟

وأكتفي بأنك ظل أنفاسي ونور أمالي وعبير كلماتي وزهو أفكاري ويكفيني أنني لا أحب اسمي إلا عندما تناديني به فأنت أنت كلي أنا من يوم ولدت وإلى أن يأخذني الفناء أنت أنا .



(3)


لماذا ؟



لماذا وأنت أكبر من كلمات الحب المنتهكة وأسمى من عبارات العشق البالية تصر على أن مشاعر الغرام هي وحدها التي تسود العقل وتحكم القلب والوجدان ؟



لماذا تقف كتمثال ٍ فرعوني في باب القلب ترتدي ثياب العاشق وتتسول العشق من الثقوب وأنا التي أوليتك مكانة في أعماق القلب لا تصدأ ولا



تعتريها رياح التغيير ؟



لماذا ترفرف حول الجنان هائما ً معذبا ً منفطر الفؤاد و تهجر جنة تتهادى على شرفاتها الورود اليانعة وتتمايل على أغصانها البلابل وتتراقص بين أصابع يديك حورية حسناء خرجت للتو من مصباح علاء الدين ؟



لماذا تحاول أن تحرق كفي الممدودة إليك بحنو بجمر من النار التي أوقدتها لأضيء دربك الموحش وأهديك إلى نور السبيل ؟



لماذا يثور بحرك الأهوج في وجهي ويحاول أن يغرق مركبي وأنا التي بددت عمرا ً بأكمله لدفع مركبك إلى برّ الأمان ؟



لماذا تحاول أن تستأثر بضوء الشمس وتستجمعه في حضنك ليشرق من سمائك ويضيء لك نجمات الجبين ؟



لا تلمني الآن ، لا تلمني وأنت أكبر من كلمات الحب وعبارات الغرام إن أقفلت في وجهك باب جنتي وأخرجتك من حياتي لأنك لم تفهم ... ولن تفهم أن هنالك مشاعر أسمى من العشق وأنبل من التسول خلف الأبواب الموصدة في وجه المارقين. .


(4)

كيف أقرؤك ؟


قل لي كيف أقرؤك ؟ قل لي كيف أفهمك ؟علمني كيف أفسرك ؟
كيف أفكك رموزك وطلاسمك ؟ كيف أتهجى حروفك ؟ كيف أتتبع طقوسك ؟


كيف أتربع على عرش قلبك وأنت كالزئبق تفر من بين يدي ّ كلما حاولت أن ألمسك ؟

مبهم أنت لي ؟ لا أعلم .. واضح أنت لي ؟ لا أعلم .. قل لي كيف أقرؤك؟

فتشت عنك في معاجم اللغة و بحثت في ثنايا الأبجدية ، رسمت بريشتي كل الوجوه الآدمية


وما زلت لم أرى مثلك.


يحيرني صمتك ويضعفني فأغيب بلا وعي لأعود فأراك تركض في إثري وأعاتب نفسي وألومها وأجلدها بالسياط لأنها ابتعدت وما أن أعود فلا أجد إلا ظلك .


غريبة أنا أشعر بنفسي حين أصافح باب بيتك ، حين أحدثك ، حيت أتلمس أشيائي التي خبأتها


في قلبك ،وحين أغادرك لا أسمع إلا صدى قلبي يعاتبك وهمسات هجرتها هناك تقول في يوم كنت لي وكنت لك فأين أنت الآن من قلبٍ افتقدك ؟


هل حقا ً عجزت أن أقرأك فقل لي كيف أقرؤك ؟


(5)

اعتذار

أعتذر يا سيدي فانا ما زلت أجهل تماما ً نظرات الأعين ، ما زلت لا أستطيع ترجمة لغة الصمت ، لا أستطيع قراءة الحروف المبهمة ولا أستشف ما اختبأ منها وراء السطور .

صغيرة أنا يا سيدي على عالمكم الكبير ، وقلبي صغير جدا ً لن يقوَ على كل هذا الكذب والتضليل ، أشعر بذاتي تتقيأ كل حروفكم المخادعة وكل

ألوانكم وأقنعتكم وكلامكم المعسول المحشو بالدهاء والرياء .
صغيرة أنا وأنا التي أفنيت عمرا ً في زراعة الورود في حدائقكم وانتظار

القمر كل مساء في شرفاتكم لألقي عليه التحية فبل أن اخلد للنوم لأصافح أحلاما ً بريئة وأعانق أطياف ملائكة وأصحو مع أول خيوط الفجر لأرسل

لكم ألوان الحب مع أشعة الشمس لتداعب جفونكم المسدلة في ليل طويل .
استفقت على خيانتكم وخداعكم كما استفقتم على حبي بكل ألوانه وأطيافه

، ولا عجب فأنا صغيرة جدا ً في عالمكم الكبير ، صغيرة جدا ً على خداعكم ، أعتذر يا سيدي فأنا ما زلت صغيرة جدا ً على عالمكم الكبير .