نتسابق و نتنافس نحن العرب كل يوم في مجالات شتى و قد تكون هذه المنافسات في مجالات مختلفة منها العلمية و منها العسكرية ... منها التراثية و اخرى الغذائية... و مرات كثيرة نتنافس في مدح بعضنا و البعض الاخر لا قدر الله يتسابق و ينافس في شتم غيره ... و لكن العرب اليوم انطلقوا بقوة لا مثيل لها و بسرعة البرق نحو غينس ... و قبل أن أبدأ مقالي فإني أحترم و أقدر ثقافات و عادات و تقاليد كل قطر او مجموعه ... و يا ليتنا نقول لغينس هذا سجل هذه المدينة الاثرية او هذا العرس الجماعي او هذه العادة العربية الاصيلة "وامعتصماه" ... سجل أننا عرب يجمعنا حرف واحد و سيف واحد و راية واحدة ... سجل ماذا حقق و قدم و أنجز العرب للعالم منذ 500 عام أو اكثر؟ و ماذا ستحقق لهم يا غينس بعد 500 عام او أكثر؟ هل العرب سيصبحون الامه المميزة بعد عقود و يستعيدون جزء من مجدهم و كرامتهم و تراثهم؟ و هل العرب سيوجهون جهودهم و أموالهم نحو اشياء يستفيد منها مجتمعاتهم؟ و هل غينس هذا فعلا يفتخر و يسجل و يؤرخ للعرب انجازاتهم في مجالات عظيمة كالتاريخ والعلم و الادب أم في مجالات سخيفة كالطعام و الشراب و جمع ما صنعه الاخرون؟ و هل اصبحنا كشعوب عربية و قادة و زعماء بهذا الرخص و بهذا الانحطاط لحضور اكبر و اضخم المنافسات في مجالات لا تقدم لنا شيئا بل تؤخرنا كثيرا و كثيرا؟ لماذا لا يجتمع العرب على قضاياهم الجوهرية و يعلنون عن أكبر حل للقضية الفلسطينية ؟ او ان يعلنون عن بناء اكبر سفينة او طائرة او صناعة رقيقة الكترونية؟
أسأل نفسي و أبدأ بها : هل سدر الكنافة حرر فلسطين أم أزال أي من الحواجز الصهيونية التي تحاصر مدينة نابلس؟ و هل يستحق هذا العمل كل هذه الفوضى و الحشود و حضور الصغير و الكبير و لكن ككل مرة لانظام و لا ترتيب ... شيء لا يليق بالفلسطينين!! و هل ثوب الخليل سيعيد للحرم الابراهيمي العزة و الحرية؟ هل سيعيد للخليل اراضيها و مدينتها القديمة أم سيعيد لها حصتها في مياهها؟ و لماذا لم ندخل غينس كوننا نعيش تحت وقع و ظلم أطول احتلال في التاريخ ...أم لم يتذكر أحد ذلك؟ ماذا قدم للعرب المواطن اللبناني "الحاصل على شهادة جينس" الذي جمع اكبر عدد من السيارات؟ هل يوجد بها سيارة واحدة من انتاج عربي؟ و لبنان تحتفل بفوزها بصنع أكبر طبق "كبة" و أكبر صحن "حمص" و ليس باكبر او احدث وسائل الدفاع عن النفس على الاقل و زادوا الطينة بلة بأكبر صحن "تبولة"!! و يا ليت هذا الهيكل من "الشاورما اللبنانية" عمارة يسكن بها المشردين!! و يا ليت هذا يحمي لبنان من الطيران الاسرائلي الذي يخترق اجوائها كل يوم او يا ليت غينس هذا يعترف بمزارع شبعا؟
و ماذا قدمت "الكبسة السعودية" التي صنعت بايدي هندية و بهارات بنغاليه و لحمة استرالية و رز صيني و بإناء من صنع امريكي و أين السعوديون ... دورهم فقط في الأكل و الشرب و التقاط الصور و في دفع التكاليف و الاجور التي تشبع آلآف الجوعى في مشرق و مغرب العالم العربي!! و هذا البحر"طبق شوربة شوفان" دخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية باعتباره الأكبر بعد أن اتسع ل 5 أطنان من المياه المضاف إليها 250 كغم من شوربة كويكر أعده 4 طهاة سعوديين بجدة "وهم و الله أعلم من العمالة المستوردة" وأكثر من 900 كغم من البصل و الطماطم إضافة إلي الملح والفلفل الأبيض والبقدونس والكزبرة والريحان والثوم ... النتيجة ... القاء كل هذه الكمية من الشوربة في مجاري الصرف الصحي ... و ساعدت شوربة ماجي كويكر (المصنعه تحت اسم "شركة نستله - 1866" و مقرها مانعة المآذن - سويسرا (في هذا الحدث الضخم ... أليس هذا لهوا بنعم الله أم أنه نوع من التحدث بنعم الله أم أن هؤلاء من الموفرين ام من المسرفين أم من أخوان الشياطين ؟ و يا لفرحة السلف العربي بالخلف الذي صنع أكبر طبق من الرطب و آخر من المثلوثة!! و يا لفرحة العرب عند رؤويتهم أكبر شعار وطني في "تنومة" ( السيفين و النخلة السعودية)!! و قد حررنا العراق و بلاد الشام ...
فغينس هذا الكل ينافس و يفكر به ... المسؤول قبل الرعية او قبل الشعوب التي تقبل لنفسها التسلي بهذا ... فهل دبي بحاجة لشهرة بانتاج اكبر طبق برياني في العالم ... في العالم!! و ماذا عن أكبر طبق من البطيخ ... فلنستحي و نسكت أفضل و الخجل هنا حرام؟ و يا ليت طبق "بزين" في ليبيا قدم لأطفال كابول و بغداد!! و ماذا يا أهلي العرب قدم لنا صاحب أكبر طبق "جمبري" الذي كلف السعوديون 130 ألف ريال و أين ذهب بعد ذلك؟ الاجابة ... كالجمل الذي صنع به المنسف ... فبعد يومين رمي للكلاب التي رفضت ان تاكله بسبب رائحته!!!! و هناك من صنع أكبر قطعة قطايف أو أكبر صحن فول او حتى قرص فلافل!! يا ليت "طبق الكسكسي" ينقل لأهلنا المحاصرين أو لأهل الصومال الجائعين ... أليست بلاد العرب أوطاني؟؟ أم أن هؤلاء فقط يدفعون ضريبة الدم العربية اليومية و من ثم تؤسس على دمائهم الجمعيات الخيرية و الاهلية و حدث عن النهب و السلب هنا ما شأت ... ؟ و هناك أكبر "بطاقة تهنئة" دخلت غينس في البحرين و كانت بطول خمسة كيلومترات و نصف ... ضاع وقت 8000 الاف طالب لاعدادها و ضاع وقت الالاف من موظفي وزارة التعليم ... فالوقت لا قيمة له عند شعوبنا العربية العظيمة ... الوقت و أن تهدرهه و تسوء استخدامه في بطاقة تهنئة ... ما هذا؟ و الامارات دخلت غينس بتشكيلها لاكبر علم من السيارات (430 سيارة) و للاسف و أكيد لم تنتج او تصنع في الامارات او في الوطن العربي!!
قائمة الانجازات العربية تطول و تطول و مع مضي الوقت و من الملاحظ سيستثمر العرب كل العرب وقتهم و على ما يبدو ستنحصر انجازاتهم في الحصول على "شهادة غينس" ... و ليس على شهادة براءة اختراع او ابداع او دفاع!! و أخشى أن لا تدرك أي من الشعوب خطورة حضورهم و دعمهم لمثل هذه المسابقات الفارغة من المضمون ... و حتى الاعمى يدرك انها تركز على الشكل فقط ... و يا ليتنا نصحو و نطلب من غينس ان يسجل اعداد براميل النفط التي تنهب كل يوم؟ عدد الملايين من الدولارات التي تذهب هنا و هناك بفعل الفساد!! عدد الشهداء و الاسرى في فلسطين او العراق او لبنان او الصومال!! سجل يا غينس و خصوصا للعرب عدد الاطنان من المواد الغذائية المستوردة التي تعبر حدودهم كل يوم و من أين!؟. يا ليتك يا غينس تدخل العرب صفحاتك بانجاز عربي في اي من مجالات النصر او القهر لعدو في قرون مضت و آتيه! يا ليت شهادة غينس ... كانت للعلم و العلماء فقط و ليس للفنانين و للطباخين!! يا غينس نحن لم يعد لنا الا ان نسالك الرحمة لامة لم و لن يخط على صفحاتك يوما انها شيء او قدمت للبشرية شيء؟ شخصيا لو تقابلني لاستحيت منك و خجلت و بكيت ... و لكني قد أفكر كيف من الممكن أن أنضم أليك ... فأرجوك أن لا تقابلني او تاتي إلي ... أذهب هناك ... الى اليابان ... الى الصين ... الى امريكا ... الى اسرائيل ... اذهب الى اوروبا و ستجد كل ما تبحث عنه ... اما نحن العرب فلن تجد لدينا شيئا ... حتى أوطان لم يعد لنا ... و نحن اليوم نقيم في أوطان مستأجرة ... و لتعلم يا غينس أن جنازتنا و دفننا اليوم ... فسجل اكبر عدد من الجثث و القبور و ضع ملاحظه بسيطة بخط مائل لكنهم احياء و عاشوا بلا حياء.