قال يوسف الكوفي : حججت ذات سنة ،فإذا أنا برجل عند البيت وهو يقول : اللهم اغفر لي وما أراك تفعل !
فقلت : يا هذا ، ما أعجب يأسك من عفو الله !
قال : إن لي ذنباً عظيماً !
فقلت : أخبرني .
قال : كنت مع يحيى بن محمد بالموصل ( من الخوارج ) ، فأمرنا يومَ جمعة ، فاعترضنا المسجد ، فقتلنا ثلاثين ألفاً ، ثم نادى مناديه : من علق سوطه على دار فالدار وما فيها له ، فعلقت سوطي على دار ودخلتها ، فإذا فيها رجل وامرأة وابنان لهما ، فقدمت الرجل فقتلته ، ثم قلت للمرأة : هاتي ما عندك ! ولا ألحقت ابنيك به ،. فجاءتني بسبعة دنانير.
فقلت : هاتي ما عندك ؟
فقالت : ما عندي غيرها ، فقدّمت أحد ابنيها فقتلته .
ثم قلت : هاتي ما عندك و إلا ألحقت الآخر به !
فلما رأت الجد مني ، قالت : أرفق ! فإن عندي شيئاً كان أودعنيه أبوهما ، فجاءتني بدرع مذهبة لم أر مثلها في حسنها ، فجعلت أقلبها ، فإذا عليها مكتوب بالذهب :
إذا جار الأمير وحاجباه *** وقاضي الأرض أسرف في القضاء
فويل ثم ويـــل ثم ويـــل *** لقاضي الأرض من قاضي السماء
فسقط السيف من يدي وارتعدت ، وخرجت من وجهي إلى حيث ترى
* الخوارج : طائفة أبت إلاّ تمزيق صفّ المسلمين ، وتشتيت شمل الموحّدين ، فخرجت على الخليفة الذي تمّت بيعته من أهل الحلّ والعقد وتمّت له الإمامة على المسلمين.
أحياناً يكون الظالم زوجاً يقول لنفسه : إن زوجتي ليس لها سند ، ومقطوعة من الأهل ، فيظلمها أشدَّ الظُلم ، ويضغط عليها أشدَّ الضغط ، فنقول له : فويلٌ ثم ويلٌ ثم ويلٌ *** لقاضي الأرض من قاضي السماءِ.
أحياناً تكون بوظيفة يمكن أن تؤذي الناس من خلالها ، تستخدم هذه الثقة التي مُنحت إيَّاها لحفظ مصالح الأمة في سبيل ابتزازِ أموال الأمة ، فيقال لك: فويلٌ ثم ويلٌ ثم ويلٌ *** لقاضي الأرض من قاضي السماءِ.
وما أكثر أنواع الظلم ، والظلم ظلماتٌ يوم القيامة ، والله سبحانه وتعالى من أسمائه المُقسط ، لذلك ، المؤمن يعُدُّ للمليون قبل أن يظلم إنساناً ، لأنَّه يعلم أنَّ الله أقدرُ عليه منه على هذا الإنسان.
وقد ورد هذا في نصِّ حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عندما رأى أحد أصحابه يضرب غلاماً له بالسوط ، فقال له : " اعلم أبا مسعود ، أنَّ الله أقدر عليك منك عليه ". صحيح مسلم