ماهية الدولة :
في الواقع فإن مصطلح الدولة معناه الحديث لم يكن موجودا على عهد اليونان أو الرومان . ويمكن القول أن هذا المصطلح كما يستعمل في الوقت الراهن هو حديث نسبيا مكيافيللي أول من أدخل مصطلح الدولة في علم السياسة ، كما ظهر في كتابة الأمير ، حيث اعتبر أن كل القوى التي كانت لديها سلطة على جميع الأفراد في علم السياسة هي دولا سواء كانت ملكية أو جمهورية .
و في الوقت الراهن يحاول علم السياسة البحث عن تحليل الدولة تحليلا علميا ليس كمفهوم مجرد و إنما باعتبارها حقيقة واقعة . و في نفس الوقت يحاول دراستها بأسلوب موضوعي و بروح الشك العلمي بعيدا عن التعصب الأيديولوجي .
و لقد تعددت تعريفات الدولة في هذا المجال فتتفق تعريفات " فوشيه وديفو" على أن عناصر الدولة تتمثل في مجموعة من الأفراد و الإقليم و السلطة التي يخضعون لها و لها مهام متعددة من أهمها خدمة الصالح العام لهؤلاء الأفراد .
و يسير كل من " كابلان و لازويل " في نفس هذا الاتجاه حيث يعرفان الدولة على أنها جماعة إقليمية ذات سيادة .
و يعرفها " ماكيفر بيج " على أنها تتميز عن كافة التنظيمات أو الروابط الأخرى بتمتعها بحق استخدام القوة العليا و القهر .
و يعرفها كل من بطرس غالي و خيري عيسى بأنها جماعة من الأفراد يقيمون بصفة دائمة في إقليم معين و تسيطر عليهم هيئة منظمة استقر الناس على تسميتها بالحكومة .
و بالرغم من تعدد التعريفات إلا أنها تسير في اتجاهين :
الأول يعرف الدولة تعريفا واسعا في ضوء الوظائف و الأغراض و الطاعة .
الثاني يعرفها في ضوء تحديد العناصر الضرورية اللازمة لقيام الدولة ، و يتفق أصحاب هذا الاتجاه على أن عناصر السكان و الإقليم و الحكومة و السيادة تمثل المقومات الرئيسية للدولة .
إلا انه يجب التفرقة بين الدولة و المجتمع ، الدولة و الشعب ، الدولة و الأمة ، الدولة و الحكومة .
1- الدولة و المجتمع : إن الباحث في علم السياسة يجب عليه التفرقة بين الدولة و المجتمع . فالإنسان كائن اجتماعي يعتمد على مجموعة متداخلة من الجماعات و الروابط التي ينتمي إليها . و المجتمع مركب من العلاقات الاجتماعية تشكلت و نمت من خلال تلك الروابط و الجماعات ، و تتحد العلاقات الاجتماعية بما يمكن تسميته بالوعي المتبادل . و المجتمع يشمل هذه العلاقات الكلية .
من الناحية الزمنية فإن المجتمع سابق على تكوين الدولة ، فلقد عاش الناس في المجتمع البدائي و هو أحد أشكال المجتمع و لم يكن عندئذ قد ظهر شكل الدولة رسميا .
و من الناحية الوظيفية تقوم الدولة بفرض الإطار القانوني و غرضها الرئيس الحفاظ على النظام العام . أم المجتمع فينجز وظائف متعددة لاستمرار الحياة الاجتماعية .
و من الناحية البنائية فهما مختلفان أيضا ، حيث ينتمي أفراد المجتمع إلى كيان تنظيمي واحد من الناحية الرسمية هو الدولة . بينما ينتمون إلى العديد من الكيانات غير الرسمية مثل الأسرة ...
و من ناحية أسلوب العمل ، فبينما تعتمد الدولة على أسلوب الإلزام يعتمد المجتمع على أساليب الإقناع و العمل التطوعي و الاختياري .
2- الشعب و الدولة : إن الشعب مجموعة من السكان يعيشون مستقرين على أرض معينة و تربطهم يبعضهم البعض صلات روحية حلت محل روابط الأسرة و القبيلة و غيرها من روابط الدم . ويؤدي كل فرد في الجماعة المذكورة و الشعب عملا مفيدا .
و أهم السمات المميزة للشعب روح واحدة تقوم على الماضي و الحاضر و ميراث الجماعة و ذكرياتها و معتقداتها و أفكارها و مشاعرها و إحساساتها المشتركة .
3- الأمة و الدولة : إن الأمة جماعة متماسكة وفق نظامها الاجتماعي و هي بلا أرض مهينة لها . وهي جماعة من الناس تربط بينهم روابط وحدة العرق و اللغة و الدين الخ ، و تجمعهم مشاعر واحدة تطورت عبر الزمان .
في حين أن الدولة لا تعدو أن تكون أكثر من وحدة سياسية قانونية .فلأمة أكثرا تعقيدا و تركيبا من الدولة .
كما أن الأمة ليس لها تنظيم قانوني ، على خلاف الدولة التي تمثل أعلى المجتمعات السياسية و أكثرها تعقيدا و كمالا .
4 الدولة و الحكومة :
- إن قوة الدولة أساسية و أولية ، بينما سلطة الحكومة مشتقة و مفوضة من قبل الدولة .فالحكومة هي أحد مقومات الدولة .
- إن الدولة تشمل تجمعا من السكان داخلها ، بينما تشمل الحكومة جزء من المكان فقط .
- إن الحكومات تأتي و تذهب و يمكن أن تتغير ، إلا أن الدولة إذا انتهت فإنها تنتهي إلى الأبد . و لا تتأثر الدولة بتغير الحكومات .
ب- مقومات الدولة : اتضح مما سبق أن مقومات الدولة تتحدد في أربع عناصر أساسية هي السكان ، الإقليم ، الحكومة ، السيادة . و نتناول فيما يلي هذه العناصر المتفاعلة :
1- السكان : الدولة كيان إنساني و بالتالي فإن السكان يمثلون العنصر الظاهر لها . و قد اختلفت آراء الكتاب السياسيين حول حجم سكان الدولة ، فلقد وضع كل من أرسطو ، وروسو حدودا على عدد السكان ، فعلى سبيل المثال حدد روسو عدد السكان بعشرة ألاف ، بينما يرى أرسطو انه ينبغي أن يكون عدد السكان كافيا لإدارة الحكم الذاتي و ممارسة الحكم عليهم في الوقت نفسه .
لكن الدول الحديثة تتجه إلى الأعداد الكبيرة لأنها تمثل نصدر قوة عسكرية لها ن رغم أن هناك من يرى أن القوة العسكرية ترتبط بالتقدم التكنولوجي في الوقت الراهن أكثر من حجم السكان . و في الوقت نفسه تثير قضية حجم السكان تساؤلات حول مقدار الموارد المتنافس عليها في المجتمع .
و من ناحية أخرى يثير تركيب السكان التساؤل التالي : هل يجب أن يكون للدولة مجموعة من السكان المتجانسين في اللغة و الدين و ... الخ ؟ و التجانس يؤكد على الاتفاق حول السياسة و التي تمثل أحد العوامل المؤثرة في الحكومة . أما السكان غير المتجانسين فيتكونون من جماعات قومية متباينة من المفترض أن تقف عقبة أمام تنمية الاتفاق السياسي .
2- الإقليم : يتطلب القانون أن يكون الإقليم المحدد شرطا من شروط الدولة .
يرى البعض أن صغر حجم إقليم الدولة يؤدي إلى ازدهار الديمقراطية و قيام علاقات وطيدة بين الحكام و المحكومين ، كما يدعم ذلك روح الوحدة و الاندماج في المجتمع ، لكن هذا الرأي يفقد قيمته أمام تقدم وسائل الاتصال و التي قربت الكثير من المسافات المتباعدة .
و خلاصة القول أنه لا توجد قاعدة محددة حول حجم إقليم الدولة . كما يجب أن ينظر إلى الإقليم في علاقته بحجم السكان في الدولة ، وعدم التوازن بين هذين العنصرين يؤدي إلى انعدام التوازن البنائي في المجتمع .
3- الحكومة : وهي أهم مؤسسات النظام السياسي تنصب وظيفتها الرئيسة على تصميم السياسة العامة و الإشراف على تنفيذها . و تظهر الحكومة في المؤسسات الحاكمة و يكون لهذه المؤسسات وجود كامل أو وجود جزئي في ثلاثة فروع أو سلطات أو وظائف داخل النظام السياسي و هي :
السلطة التنفيذية و هو الفرع المسئول عن اقتراح و تنفيذ السياسة العامة و تشمل رئيس الحكومة أو رئيس الوزراء و المعاونون الرئيسيون و الوزراء و القيادات و البيروقراطية .
و السلطة التشريعية و هو الفرع المسئول عن اقتراح و إقرار و مراقبة و تقييم السياسات العامة في شكل تشريعات و قوانين و خطط و يشمل جميع الهيئات النيابية على المستوى الوطني أو المحلي .
و السلطة القضائية و هو الفرع المسئول عن تطبيق و تفسير القوانين و البت في الخصومات . ويتمتع هذا الفرع عادة بنوع من الاستقلالية الذاتية .
4- السيادة : تعتبر السيادة خاصية أساسية للدولة و قد كانت نتاجا للظروف التي سادت القرن السادس عشر ، حيث أدى الصراع المتجسد بين الملكية و الكنيسة إلى ظهور النظرية الحديثة للسيادة .
بينما وضع بودان السيادة في شخص الملك و قصد بها السلطة العليا على المواطنين و الأشياء المدعمة بالقوانين فإن جروثيوس قام بتحليل الجانب الخارجي للسيادة . ولقد تأصلت جذور فكرة السيادة في أذهان المفكرين . فبينما أوضح كل من هوبز و بنتام و أوستين وجهة نظر قانونية للسيادة ، فلقد أوضح كل من روسو و هيجل و بوزانكيت وجهة نظر فلسفية للسيادة. و تعني السيادة من وجهة النظر القانونية هي الدولة التي تتمتع بالسلطة العليا قانونا و سلطتها مطلقة و نهائية . أما روسو و هيجل فقد حددوا موقع السيادة في الإرادة العامة التي تبرر القوة للدولة .
و يمكن تصنيف أشكال السيادة إلى عدة أنواع :
السيادة الداخلية و تعني السلطة العليا للدولة التي تمارسها على الأفراد و المؤسسات داخل حدودها الجغرافية، و الدولة ذات السيادة لها الصلاحية القانونية في إصدار الأوامر التي تسري على كل المواطنين و المؤسسات . وأية تمردات على هذه الأوامر تقابل بالعقاب أو الردع .
السيادة الخارجية و هي تعني حرية الدولة و عدم تعرضها لأية قيود من الخارج و أية سيطرة . وتجدر الإشارة إلى أن السيادة الخارجية تابعة بالمقارنة مع السيادة الداخلية حيث أنها ترتبط بالمعاهدات الدولية ، كما أنها تخضع لقواعد القانون الدولي .
السيادة القانونية و السيادة السياسية . و التفرقة بينهما يمثل ضرورة أساسية في مناقشة قضية السيادة .
فالسيادة القانونية تتضمن نظرية السيادة في ضوء القانون الرسمي . إذ أن في كل دولة شخص محدد أو مجموعة من الأشخاص يتمتعون بالسلطة العليا في إصدار الأوامر العليا و النهائية و ممارسة القانون النهائي . وهؤلاء هم أصحاب السيادة القانونية و تصدر أوامرها إلى كل الأفراد و الروابط داخل إقليم محدد و أي تمرد على هذه الأوامر يقابل بالعقاب .
أما السيادة السياسية فإنها تعني بالمعنى الضيق الهيئة الناخبة بينما تعني بالمعنى الواسع جماهير الشعب بما في ذلك كل شخص يسهم في صياغة الرأي العام سواء كان يدلي بصوته أو لا .
و الواقع أن مفهوم غامض و مضلل فإذا قصدنا به الهيئة الناخبة فنجد عدد كبير من الأشخاص الذين لا يسهمون كثيرا في تكوين الرأي العام مستبعدين من كيان السيادة السياسية .
و بالطبع فإن مشكلة الحكم تظهر في العلاقة بين السيادة القانونية و السيادة السياسية ، حيث نجد في الديمقراطية المباشرة قيام الحكم على التطابق بين هاتين السيادتين . ويصبح القانون تعبيرا عن إرادة مجموع المواطنين و تختفي مشكلة الصراع بينهما .
أما النمط التمثيلي للديمقراطية الذي يسود في العصر الحديث فإن مثل هذه العلاقة تحتل أهمية خاصة . فبينما تنتمي السيادة القانونية إلى الهيئة التشريعية فإن السيادة السياسية تكون في الهيئة الناخبة . و على هذا يتم اختيار السيادة القانونية بواسطة السيادة السياسية .