هذه مُجرَّد مُعاينة لتصميم تم اختياره من موقع Hitskin.com
تنصيب التصميم في منتداك • الرجوع الى صفحة بيانات التصميم
الشراكة الأورومتوسطية
2 مشترك
منتدى القلوب الصادقة :: الأقسام الفكرية والثقافية :: قسم الطلاب عامة :: فضاء الجامعة :: منتدى العلوم السياسية
صفحة 1 من اصل 1
الشراكة الأورومتوسطية
المتوسطية: سياقات التبلور
تحاول هذه الورقة الابتعاد قدر الإمكان عن اجترار المعلومات التاريخية,
والتفصيلات العملية, وأن تتقدم نحو تقدير للموقف بالمعنى الاستراتيجي فيما
يتعلق بالعلاقات العربية الأوربية, مع التركيز على عملية الشراكة في أكثر
أبعادها عمومية.
ولايمكن بالطبع فصل الراهن في هذه العملية عن العمق التاريخي لها ممثلا في
تاريخ حافل من التجارة والتفاعل الثقافي والحروب بين شمال البحر المتوسط
من ناحية وجنوبه وشرقه من ناحية أخرى.
ويلقي هذا التاريخ بظلاله القوية على قضايا متعددة في هذه العلاقات, فضلا
عن كونه أسهم بقوة في تشكيل الحقائق السياسية والاقتصادية والاجتماعية
والثقافية في الوطن العربي, وفي رؤية كل طرف للآخر (الجمال 2002 أ).
وتبقي العناصر التاريخية قابعة بقوة في الذاكرة الجمعية للشعوب العربية,
وبما يعوق إرساء الثقة في طريق إقامة شراكة أوربية-عربية أو متوسطية
فعالة. فمن أوربا جاءت الحملات الصليبية, والاستعمار الأوربي القديم هو
الذي وقف ضد عمليات التحديث الوطني في البلدان العربية وأجهضها, وهو الذي
خلف تاريخا حافلا بالعدوان والقمع والاستيطان واستنزاف الموارد والطمس
الثقافي. وأوربا الاستعمارية هي التي فتحت باب الهجرة ليهودها إلى قلب
الوطن العربي بهدف فصل مشرقه عن مغربه. كما كان الوطن العربي مسرحا
لصراعات القوى الإمبريالية الأوربية .
وليس المقصود من الإشارة السابقة القيام بأي نوع من المساجلة الدعائية,
وإنما التأكيد على أن هذه الحقائق التاريخية كانت تستوجب من الطرف الأوربي
في عملية الشراكة مراعاة الكثير من المحاذير وتوخي الإنصاف حتى تكتسب
الشراكة المصداقية التي تتمناها أطرافها.
أما على مستوى اللحظة التاريخية الراهنة, فقد كان التساؤل مشروعا في
الأوساط الثقافية والسياسية العربية عن عودة الاهتمام الأوربي المكثف
بالبحر المتوسط في التسعينيات؟ (نافعة 2004 : 392-3).
وقدمت إجابات عدة أهمها سقوط الاتحاد السوفيتي ومحاولة أوربا استعادة
منطقة نفوذها في حوض المتوسط بعدما كان ساحة للصدام المباشر بين الإرادتين
الأمريكية والسوفيتية, وكذلك تعاظم الآمال في التسوية السياسية للصراع
العربي-الإسرائيلي بعد حرب الخليج الثانية ومؤتمر مدريد, بل وحتى حاجة بعض
دول الجنوب الأوربي إلى موازنة الوحدة الألمانية وتعاظم نفوذها في شرق
ووسط أوربا. وذهب البعض (أمين وياشير 1988 : 20) إلى أن مركز أوربا
الهيكلي والظرفي في المنافسة الدولية يدفعها إلى تغطية العجز في علاقاتها
مع الولايات المتحدة واليابان بفائض مبادلاتها مع العالم الثالث وبلدان
شرق أوربا.
ولم تكن مصادفة تامة أن يتواكب طرح المشروع المتوسطي إلى جوار المشروع
الشرق أوسطي المطروح أساسا من جانب إسرائيل والولايات المتحدة. وقد حدث
التباس كبير في هذا الشأن نظرا لتعدد جوانب التنافس والتداخل في آن بين
المشروعين.
ومالت الدوائر الثقافية والسياسية العربية إلى تفضيل المشروع المتوسطي
(عبد الفضيل 1996) لأن المشروع الشرق أوسطي ينطلق منذ البداية من ترتيبات
مؤسسية فوقية لنظام إقليمي يطمس الهوية العربية ويعطي لإسرائيل دورا
قياديا وناظما للتحولات الاقتصادية في المنطقة, خاصة وأن "شيمون بيريز" هو
الأب الروحي لهذا المشروع. كما تم النظر إلى المشروع المتوسطي كمشروع
فضفاض وأكثر مرونة, على غرار منتدى "آبيك".
ورأى البعض في المشروع المتوسطي فرصة لبناء مركز تفاوضي قوي في عصر
التكتلات الاقتصلدية الكبرى (انظر: أبوعامود 1996) والاستفادة من حجم
ونوعية التطور الاقتصادي والتكنولوجي لدول الشمال, وتحقيق التوازن مع دول
الجوار الجغرافي, وحل المشكلات الأمنية العويصة للعالم العربي, وبخاصة
إيجاد رادع لإسرائيل النووية, ناهيك عن تعامل المشروع معها كدولة عادية لا
تتمتع بأي استثناء.
ولكن الاتجاهات القومية وبعض الاتجاهات اليسارية العربية رأت في المشروع
المتوسطي تشابها كبيرا مع نظيره الأوسطي من حيث قطع الطريق نهائيا على
تطوير النظام الإقليمي العربي, وتكريس التخلف العربي من خلال شراكة غير
متكافئة, وإغلاق للمصانع وتعميم للبطالة, وإدارة شئون الاقتصادات العربية
من خارجها, واختراق المجتمعات العربية عن طريق فئات من المثقفين ورجال
الأعمال وحتى العمال تعمل على تحقيق أهداف هي بالتأكيد غير الأهداف
الوطنية والقومية (انظر: الحمش 2004 : 299-300).
ورأى البعض الآخر أنه لايمكن تجاهل فرص الاستفادة من تعميق التعاون مع
أوربا كهامش للمناورة – على الأقل – في مواجهة الضغوط والهيمنة الأمريكية-
الإسرائيلية, أما تحويل هذا إلى شراكة حقيقية بين ضفتي المتوسط فإنه يتطلب
توافر العديد من الشروط على المستويين الوطني والقومي, وبخاصة التعامل مع
المشروعين المطروحين على قاعدة تدعيم النظام الإقليمي العربي وليس تفكيكه
أو تهميشه.
غير أن البعض الآخر رد على هذا بأن النزوع نحو المتوسطية لا يعني تجاهل
الدوائر الأخرى المتاحة, كما رأوا أن البديل المتوسطي قابل للتطوير وإضفاء
مدخلات عربية على أسسه أكثر من المشروع الشرق أوسطي, فضلا عن الإشارة إلى
المواقف الأوربية المتميزة في بعض قضايا العرب الكبرى بغض النظر عن
المنتوج العملي لهذه المواقف لأنه يتوقف على عوامل أخرى عديدة.
ويبدو من المنظور الأوربي أنه يقسم الوطن العربي إلى ثلاث مناطق : الخليج
العربي والمغرب العربي والدائرة التي تمثل إسرائيل وجيرانها. وقد جاء
مؤتمر برشلونه ليكمل مابدأه مؤتمر مدريد للسلام, حيث استهدف عدم ترك
المنطقتين الأخيرتين للنفوذ الأمريكي الصرف. أما المنطقة الأولى فهناك
اعتراف بالمصلحة الاستراتيجية الأمريكية هناك, وكل المرتجى أوربيا هو ضمان
استمرار إمدادات النفط (حتى 1996).
وفي الحقيقة أن المشروع المتوسطي يأتي أيضا في ظل تفاعل عمليتين تاريخيتين
كبيرتين هما: العولمة والأقلمة. ورغم أن كلا منهما ليست ظاهرة جديدة
بالكلية, إلا أنه يلاحظ أن العولمة قد جلبت معها تشكل أعداد كبيرة من
التجمعات الإقليمية وعبر الإقليمية. ولايجوز اختزال الأمر بقول أن
الظاهرتين جناحان لطائر واحد, مثلما لاينبغي اعتبارهما متناقضتين على طول
الخط.
فمن الواضح أن العولمة- كظاهرة غير متسقة- تتخذ صورا بعضها مؤقلم وبعضها
غير مؤقلم. كما يلاحظ أن معظم دول الجنوب تنضم إلى عدة تجمعات إقليمية في
ذات الوقت, وهو مايعكس نوعا من الحيرة والسيولة إلى جانب البحث عن تعظيم
المنافع الاقتصادية في كل الاتجاهات.
غير أنه تجب ملاحظة أن التجمعات الإقليمية وعبر الإقليمية في عصر العولمة
تتسم بالميل أكثر نحو الجغرافيا الاقتصادية, وليس الجغرافيا السياسية, مع
استهدافها بالطبع لتحقيق غايات سياسية من خلال نسج التشابكات الاقتصادية.
وهنا يتجلى فهمنا لما تسمى الأقلمة, حيث يقصد بها تلك الصياغات الإقليمية
المفروضة من جانب مركز أو أكثر من المراكز الكبرى للعولمة, والتي تهدف إلى
تحقيق الاندماج في العولمة النيوليبرالية وليس مقاومتها, وإرساء المصالح
المشتركة بين فئات وشرائح اجتماعية مستفيدة من مجريات العولمة (انظر:
الجمال 2002 ب).
وعلى الرغم من التباس التنافس بالتكامل بين المشروعين الأوسطي والمتوسطي,
يأتي المشروع الأخير في إطار عملية إعادة هيكلة عميقة للاقتصادات العربية
في حدود مفاهيم الصندوق والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية ومصالح
الشركات متعدية القوميات, وإن كان بأسلوب أقل فظاظة مما اتبع مع البلدان
الأفريقية جنوب الصحراء (الكنز 2002: 255-6).
ورغم الضآلة النسبية للسوق العربية بالنسبة لأوربا (3- 4%) زادت أهمية
البلدان العربية لأوربا بسبب التهديدات المرتبطة بالصراع
العربي-الإسرائيلي, ومشكلة الهجرة بكل أبعادها, بالإضافة إلى هاجس الطاقة
بالطبع. أي أن العرب أصبحوا أقرب إلى أن يكونوا "شركاء إجباريين لأوربا"
(المرجع السابق).
ويأتي هذا كله في سياق يتسم بالإدارة الأمريكية العليا لمجمل عملية
العولمة, والتي ترمي إلى إرساء انتصار "نهائي وأخير" للنموذج النيوليبرالي
والتحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة ، من خلال أربع آليات رئيسية :-
(1) تعظيم الهيمنة الاقنصادية من خلال البنك والصندوق الدوليين ومنظمة التجارة العالمية والشركات متعدية القوميات.
(2) استخدام كافة الوسائل بما فيها القوة العسكرية الماحقة لدحر الدول المارقة ومصادر التهديد الجديدة (الإرهاب- الأصولية...).
(3) استغلال وتطويع المؤسسات الدولية القائمة (بما فيها الأمم المتحدة) أو
حتى تجاوزها كلية لتمرير عمليات التدخل والعدوان على السيادات القومية
وقمع حركات التحرر الوطني والاجتماعي ...
(4) الهيمنة الإعلامية للسيطرة على العقول وتمجيد نمط ثقافي أحادي, أي
النمط الليبرالي محذوفا منه البعد الاجتماعي, وربما البعد الديمقراطي
مستقبلا وحسب الأحوال.
هكذا يجب النظر إلى تجاور المشروعين الأوسطي والمتوسطي في ضوء تفاوت
وتنافس الأدوار في عملية العولمة, ليظل الأمر كله رهينا بقدرة المنظومة
الرأسمالية العالمية على إيجاد آليات مناسبة ومبتكرة لتسوية التناقضات بين
مراكزها, في ضوء الخطر الاستراتيجي المتمثل في احتمال تبلور تكتل
"أوروآسيوي", أو اندلاع حالة من الفوضى الاجتماعية والثقافية بفعل آليات
الليبرالية الجديدة , وتصاعد اتجاهات قومية أو دينية متعصبة حتى في
المراكز الرأسمالية نفسها.
المتوسطية : هياكل وبرامج ضخمة, ونتائج ضعيفة
كان إعلان برشلونه بمثابة نقلة نوعية في العلاقات العربية الأوربية (نافعة
2004: 494) حيث تم التحول من علاقات التعاون إلى علاقات الشراكة أو
المشاركة. ويفترض أن الطرف العربي في إطار علاقات التعاون كان يحتل موقع
المتلقي للمساعدات والذي لايملك في العادة تغيير قواعد منحها, على عكس
الشراكة التي تجري في إطار تعاقدي وآلية تفاوض. كما جاء إعلان برشلونه
بإطار قانوني ومؤسسي عام يحكم عملية الشراكة, وحولها من علاقة اقتصادية
إلى علاقة شاملة تتضمن أيضا السياسة والأمن والثقافة والاجتماع (المرجع
السابق).
ولعل هذا من أسباب ذلك البناء المؤسساتي الطموح والمعقد , الذي أرجعه
البعض إلى "النهم المرضي" لدى البيروقراطية الأوربية العريقة في إقامة
المؤسسات إلى الحد الذي جعله أقرب إلى "الكاريكاتورية" في حالتنا (الكنز
2002: 24 ومابعدها). وإن يتم تبرير هذا بالرغبة في دعم الحوار في كل
القضايا على مستوى الحكومات والمشرعين والخبراء والمنظمات غير الحكومية.
وهناك أيضا تفسير يرى عملية برشلونه على أنها "بناء أيديولوجي معقد صممه
واضعوه ليواكب مشروعهم النيوليبرالي, وهو يعتمد على الحوار وإقناع النخبة
ومن ورائها الطبقات المتوسطة في جنوب المتوسط, ومحاولة جرهم بشكل أكبر في
تنفيذ العملية حتى يضمن ألا تتوقف أو تعود القهقري" (المصدر السابق : 33).
ويرى آخرون أن هناك في الحقيقة اختلافات عميقة بين دول الاتحاد الأوربي
حول مغزى الشراكة الأورومتوسطية (انظر: بيبرس 2004) حيث يرى فيها البعض
تعبيرا عن المسئولية الإنسانية أو الدور التنموي لأوربا إزاء جيرانها جنوب
المتوسط. ويركز آخرون على تحقيق الأمن الجماعي في منطقة البحر المتوسط.
بينما يأخذها آخرون من زاوية مناطق النفوذ والتنافس الجيوبولوتيكي مع
الولايات المتحدة. ومن المؤكد أن العناصر الثلاثة سالفة الذكر تتواجد معا
في رؤية كل دولة أوربية على حدة وإن بأوزان مختلفة.
لكن يمكن تلخيص جوهر الشراكة في معادلة دقيقة تتضمن استعداد الاتحاد
الأوربي لتقديم معونة مالية كبيرة لدول جنوب المتوسط مقابل التزام هذه
الأخيرة بأربعة أمور رئيسية : إعادة هيكلةالبنى الاقتصادية والاجتماعية
بما يتواءم مع آليات السوق, تحرير التجارة وفتح الأسواق, مكافحة الأصولية
الإسلامية, والحد من الهجرة غير الشرعية (نافعة 2004: 496).
عموما شهدت عمليات الشراكة حتى الآن على الصعيد الثنائي دخول أربع
اتفاقيات مع بلدان عربية حيز النفاذ, والتوقيع مع عدد آخر من البلدان
العربية. كما تعقد مؤتمرات دورية لوزراء الخارجية , وللوزراء القطاعيين,
وعلى مستوى الخبراء الحكوميين والبرلمانيين والمجتمع المدني. ويجري تنفيذ
عدد كبير من الأنشطة والبرامج في كل مجال من مجالات التعاون على الصعيد
الأمني والسياسي, الاقتصادي والمالي, والاجتماعي والثقافي والإنساني.
ورغم أن الكثير من الأهداف التي توختها الشراكة تستعصي على القياس الكمي
لتبين مدى التقدم المحرز, فإن هناك انطباعا عاما بعدم الرضى وسط معظم
الدوائر في العالم العربي.
ودون الدخول في تفصيلات كثيرة (انظر مثلا: نافعة 2004, جاد 2003, النواوي
2000) فإن المقاربة أحادية الجانب في عملية الشراكة, بسبب الخلل الجسيم في
موازين القوى بين شمال المتوسط وجنوبه, تكاد تكون السبب الرئيسي في كل
ماتعانيه الشراكة. بل إن الانتقال نفسه إلى الشراكة كان قرارا أوربيا, كما
أن أوربا هي التي تختار شركاءها من الجنوب, وهي التي تكيف كل العمليات
لتحقيق رؤية أوربية ضيقة ( غير ديمقراطية ؟).
فالاتحاد الأوربي ابتغى أساسا من عملية برشلونه حماية مصالحه وأمنه وتقليل
المخاطر المنبثقة من جنوب المتوسط, أي أن الاتحاد الأوربي يريد درء
المخاطر أكثر من رغبته في إنضاج التعاون الثنائي أو عبر الإقليمي.
وفي الوقت الذي لايمكن إنكار الأهداف السياسية والأمنية وراء كل مبادرات
الشراكة, يلاحظ أن تدفق المساعدات في اتجاه واحد يتوخى بالدرجة الأولى
مساعدة البلدان العربية جنوب المتوسط على إدارة الأزمات واحتواء مضاعفاتها
وعدم السماح بتصديرها إلى شمال المتوسط.
ويرتبط بهذا أيضا حرص الاتحاد الأوربي على حصر الشراكة الأورومتوسطية في
استراتيجية منع الصراعات أكثر من الإسهام في حل الصراعات الحالية. ولاشك
أن استمرار الصراع العربي- الإسرائيلي دون حل عادل, وعجز الاتحاد الأوربي
عن القيام بدور فعال فيه, يستحيل معهما تصور نجاح أية برامج أو آليات أخرى
لتحاشي وقوع المزيد من الصراعات.
ولقد أصبح ثابتا لدى الجميع وجود قيود كثيرة على اطراد التدخل الأوربي في
العمليات السياسية الاستراتيجية بالوطن العربي, حتى ليبدو أن الولايات
المتحدة وإسرائيل هما اللتان تحددان الدور المسموح به للاتحاد الأوربي.
وإن يشار في هذا الصدد إلى عدم وجود إطار للتعاون أصلا يكون موضع احترام
من البلدان العربية جنوب المتوسط.ومع ذلك فإن المنظور الأوربي للمناطق
الثلاث في الوطن العربي قد لعب دوره في المساعدة في تقويض أسس العمل
المشترك بين البلدان العربية.
يضاف إلى هذا أن الاتحاد الأوربي لا يملك سياسة خارجية موحدة, بسبب صعوبة
الاتفاق على المسائل من هذا القبيل في المؤسسات الأوربية, كما أدى توسع
الاتحاد الأوربي إلى التهديد بمزيد من عدم التجانس في السياسات الأوربية
الخارجية, فضلا عن استمرار اعتماد أوربا عسكريا على الولايات المتحدة في
إطار حلف الناتو الذي تم توسيعه هو الآخر.
كذلك من أهم أسباب إخفاق الشراكة الأورومتوسطية حتى الآن : تمتع الاتحاد
الأوربي بوضعية المهيمن عليها, فهو طرف واحد متحد, ولكنه يحرص على التعامل
مع البلدان العربية فرادى.
ونظرا لكون الطرف الأوربي هو الأقوى والأغنى والأكثرتطورا, فإنه ينطلق من
هذه الحقيقة ليديم تدفق أفكار ورؤى الشراكة في اتجاه واحد من الشمال إلى
الجنوب, بل يأخذ الأمر أحيانا صورة الوصاية والإملاء, وخاصة فيما يتعلق
بالتعامل مع مؤسسات المجتمع المدني جنوب المتوسط, وفي هذا مفارقة كبيرة
لأن العكس كان هو المتصور. أي أنه رغم انتقال العلاقات الأوربية-
المتوسطية إلى مرحلة الشراكة, لاتزال الدول والمجتمعات جنوب المتوسط في
وضعية المتلقي, ويحرص الاتحاد الأوربي على تعميق هذا وليس تخفيفه (انظر:
الكنز 2002).
وبسبب غياب الدور الإقليمي الفعال للجامعة العربية في عملية الشراكة,
أصبحت القدرة على استثمار الفرص الي تتيحها الشراكة, وتجنب الخسائر
الناجمة عنها رهينة بإرادة وكفاءة النظم السياسية العربية في كل بلد على
حدة.
فعلى مستوى الخبرة التفاوضية في الجوانب الاقتصادية يلاحظ بشكل عام تشدد
الاتحاد الأوربي في فرض شروطه والتعسف في تعظيم مكاسبه, من خلال إصراره
على نظم الحماية والحصص, واستثناء صناعة المنسوجات, وتقييد تحرير تجارة
المنتجات الزراعية...(انظر: بيبرس 2004).
وفي أحوال كثيرة ارتبطت المساعدات والمبادرات بفرض النمط النيوليبرالي علي
الدول العربية, من حيث فتح الأسواق والخصخصة وإلغاء الكثير من الحقوق
الاجتماعية والرعائية, ناهيك عن أن القروض الأوربية تساعد هي الأخرى في
تفاقم أزمة الديون للدول العربية.
أما على المستوى الثقافي فالوثائق الأوربية تتحدث كثيرا عن غياب التسامح
الديني والعرقي في البلدان العربية, ولكن أحداث 11 سبتمبر 2001 في
الولايات المتحدة قد جلبت معها موجة معاكسة ضد الأقليات العربية والمسلمة
في البلدان الأوربية ذاتها اتخذت أبعادا واضحة على المستويات القانونية
والحية اليومية. كما أصبحت وسائل الإعلام الأوربية حافلة بالتحريض لصالح
تلك النزعات.
آفاق الشراكة
يتوقف مستقبل الشراكة القريب على عوامل متعددة (انظر: جاد 2003) في
مقدمتها نتائج توسع الاتحاد الأوربي من زاوية اتجاه الاستثمارات الأوربية
إلى بلدان وسط وشرق أوربا , والمزايا التي ستحصل عليها منتجات هذه البلدان
وقواها العاملة الأعلى في التدريب المهني من العمالة العربية.
كما أن معظم الدول المنضمة حديثا إلى الاتحاد الأوربي تتمتع بعلاقات خاصة
مع الولايات المتحدة, وهومايزيد من صعوبة توصل الاتحاد الأوربي إلى صياغة
سياسة خارجية موحدة.
كذلك سيتأثر مستوى الشراكة بالتطورات المنتظرة جنوب المتوسط من حيث تطور
العمليات الديمقراطية وارتباط هذا بصعود التيارات الأصولية, وأيضا بنتائج
تطبيق السياسات الاقتصادية النيوليبرالية من قلاقل اجتماعية وفقدان
الدولة- الوطنية لمصادر قوتها, وماقد يصحب هذا من تفاقم ظاهرة الهجرة غير
الشرعية بدرجة غير متصورة الآن.
وهناك مؤثر ثالث بالغ الأهمية ويتعلق بمستقبل الصراع العربي الإسرائيلي,
واحتمالات اندلاع صراعات عربية بينية, خاصة في حالة امتداد السياسة
الأمريكية المطبقة في العراق إلي مناطق أخرى على التخوم الجنوبية لأوربا.
كماسيتأثر مستقبل الشراكة باحتمالات تحقيق نجاحات في المبادرات المحققة
حاليا, وهوفي الواقع أمل ضعيف. اللهم إلا إذا نجحت البلدان العربيةفي
إحداث انقلاب ثوري بعنى الكلمة في النهج الحالي للشراكة, ويمكن أن نعدد
أهم عناصر هذا الانقلاب فيما يلي:-
أولا: إقناع الشريك الأوربي بلعب دور أكبر في حل الصراع
العربي-الإسرائيلي, على أن يضمن العرب له ألا يكون نصيبه الخذلان مثلما
حدث للمواقف التى اتخذتها فرنسا وألمانيا من الحرب الأمريكية على العراق.
ومن المنطقي أن هذا التطور يتطلب توافر شروط عديدة , ولكن يمكن البدء
بالمطالبة بضمانات أوربية لحماية الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة, وهي
بداية يمكن بناء الكثير عليها.
كما يجب انتزاع موقف أكثر إيجابية من الاتحاد الأوربي إزاء الترسانة
النووية الإسرائيلية التي يمكن تفهم خطورتها على أوربا نفسها, وذلك حتى
يمكن إضفاء المصداقية على الموقف الأوربي من أسلحة التدمير الشامل
المزعومة في البلدان العربية وإيران.
ثانيا: ضرورة إقناع الشريك الأوربي بأن من الخطورة بمكان فرض المعايير
الثقافية الغربية على المجتمعات العربية لأن هذا لايؤتي سوى نتائج معاكسة,
وكذلك خطورة التدخل في شئون الأقليات الدينية والعرقية بأساليب غير مقبولة
مع نقص دراية بهذه القضايا شديدة الحساسية, خصوصا وأن حل هذه المشكلات
وثيق الصلة أيضا بنجاح التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
المتوازنة, ناهيك بالطبع عن التحول الديمقراطي.
ثالثا: فك الارتباط التعسفي بين الشراكة والسياسات النيوليبرالية ذات
الآثار الاقتصادية والاجتماعية الكارثية, واحترام الخيارات الخاصة
بالبلدان العربية في هذا الشأن.
كمايمكن المضي قدما في إقامة مشروعات نموذجية قابلة للتكرار تتم فيها
المزاوجة بين رؤوس أمال عربية وأوربية وتكنولوجيا غربية وتقام في بلدان
عربية كثيفة السكان وذات موارد طبيعية وبشرية مؤهلة.
رابعا: مطالبة الشريك الأوربي باتخاذ سياسات ناجزة في مواجهة موجات العداء
للمسلمين والعرب, أسوة بالتصدي لموجة مايسمى العداء للسامية. ويجب بالدرجة
الأولى إنهاء كل صور التمييز ضد الجاليات العربية والمسلمة هناك,
والملاحقات غير الكريمة للعمالة العربية المهاجرة وكفالة حقوقها القانونية.
خامسا: إقناع الشريك الأوربي بالتراجع عن منهج التعامل مع البلدان العربية
فرادى, وأن يحترم جدارة النظام الإقليمي وعدم الافتئات عليه. غير أن هذا
لن يتسنى بالطبع دون أن تكون الدول العربية نفسها قد قامت بالخطوات
المناسبة في هذا الاتجاه.
سادسا: العمل على تقليص الهيكل البيروقراطي الثقيل لمؤسسات الشراكة, وخاصة
في القطاع الخاص بمؤسسات المجتمع المدني حيث يتنافى هذا مع ذاك تماما. كما
أنه يعمل على تحويل الكوادر النشطة في المجتمع المدني إلى كوادر احترافية
غيرتطوعية , فضلا عن شيوع العمل الشكلي والورقي والانضواء في نخبة غربية
دولية على حساب الانخراط المفروض وسط القواعد الاجتماعية.
********
كلمة أخيرة .... إذا كانت إقامة تكتل إقليمي عربي شامل لاتزال هدفا
متباعدا يوما وراء الآخر, فمن المهم على الأقل إنجاح التكتلات الإقليمية
الفرعية العربية, ولايشترط بالضرورة أن تكون بلدانها متجاورة جغرافيا ,
وإنما يشترط أن تعمل كأساس مناسب لعمل عربي أشمل, ويشترط أيضا ألا يقع
تنافس غير صحي بين هذه التكتلات الفرعية. ومن نافلة القول تكرار الحديث عن
تفعيل الجامعة العربية!
ومن المهم أيضا رفع مستويات التعاون مع دول الجوار الجغرافي على أساس
إرساء السلم واحترام السيادة وتبادل المصالح وبما يكفل عدم مناهضة هذه
البلدن للمصالح والحقوق العربية.
ويمكن الحديث أيضا عن أهمية الانخراط الجاد مع حركات ومنظمات بلدان الجنوب مع الحفاظ على التحرك العربي موحدا قدر الإمكان .
إذا تمكننا من تحقيق هذا سنكون قادرين على خوض المناورة الناجحة بين المشروعين اللدودين الأوسطي والمتوسطي.
مصادر:
أبوعامود, محمد سعد، 1996 ,التوجه المتوسطي في الفكر السياسي المصري, السياسة الدولية، عدد 124, أبريل, ص 71- 86.
------------, 2004, العلاقات الأوربية العربية: رؤية مستقبلية, السياسة الدولية, عدد 157, يوليو, ص 120- 125.
أمين ،سمير و ياشير, فيصل, 1988,البحر المتوسط في العالم المعاصر, بيروت, مركز دراسات الوحدة العربية.
بيبرس, سامية, 2004, الشراكة الأوربية المتوسطية وحوار الثقافات, السياسة الدولية, عدد 155, يناير, ص 158- 161.
الجمال, مصطفى مجدي, 2002, تقرير عن ندوة العلاقات العربية الأوربية, في:
أمين, سمير وآخرين, العلاقات العربية الأوربية (قراءة عربية نقدية) , مركز
البحوث العربية ومنتدى العالم الثالث والمنتدى العالمي للبدائل, القاهرة,
دار الأمين, ص 133- 155.
-------------, 2002, "الأمن القومي العربي في ضوء التفاعلات الدولية :
سياقات وآفاق, في: أيوب, مدحت, الأمن القومي العربي في عالم متغير, مركز
البحوث العربية ومركز البحوث والدراسات الاستراتيجية بجامعة دمشق,
القاهرةو مكتبة مدبولي, ص 117- 128.
حتى, ناصيف, 1996, "تأثير التسوية على النظام السياسي الإقليمي", في:
أحمد, أحمد يوسف, التسوية السلمية للصراع العربي الإسرائيلي وتأثيراتها
على الوطن العربي, القاهرة، معهد البحوث والدراسات العربية.
الحمش, منير, 2001, مسيرة الاقتصاد العالمي في القرن العشرين, دمشق, الأهالي.
--------, 2004, تصحيح مسار التنمية في عالم متغير, دمشق, الأهالي.
خشيم, مصطفى عبد الله أبو القاسم, 2002, التنسيق والتعاون العربي تجاه
الشراكة الأوربية المتوسطية, السياسة الدولية, عدد148, أبريل, ص 8- 19.
سليم, محمد السيد, السياسة المصرية تجاه التعاون في البحر المتوسط, كراسات
استراتيجية, عدد 27, مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام.
--------- , 1995, 2000, المشاركة الأوربية- المتوسطية: رؤية عربية لميثاق
السلم والاستقرار, كراسات استراتيجية, عدد 87 , مركز الدراسات السياسية
والاستراتيجية بالأهرام.
شوقي, ممدوح, 1996, "الشرق أوسطية بين الجغرافيا السياسية والجغرافيا الاقتصادية", السياسة الدولية, عدد 125, يوليو, ص 125- 129.
عبد الفضيل, محمود,1996," مصر والعرب والخيار المتوسطي: الفرص والمحاذير", السياسة الدولية, عدد 124, ص 119- 124.
عبد الناصر, وليد, 1996, " التعاون المتوسطي بين مطرقة الهجرة وسندان التطرف", المصدر السابق, ص 111- 118.
علي, مغاوري شلبي, 2003, اتفاقيات التجارة الحرة وأثرها على الصادرات المصرية, كتاب الأهرام الاقتصادي, عدد 188.
كحيلة, عبادة (تحرير), 2003, التقاء الحضارات في عالم متغير, مطبوعات مركز
البحوث والدراسات الاجتماعية بكلية الآداب , جامعة القاهرة.
الكنز, علي, 2002, المشروع الأورومتوسطي بين الواقع والخيال, في أمين, سمير وآخرين، مصدر سبق ذكره، ص 7- 94.
نافعة, حسن, 2004, الاتحاد الأوربي والدروس المستفادة عربيا,بيروت , مركز دراسات الوحدة العربية.
النواوي, نرمين, 2000, الاتحاد الأوربي والشرق الأوسط, السياسة الدولية, عدد 142, أكتوبر, ص 105- 114. .
تحاول هذه الورقة الابتعاد قدر الإمكان عن اجترار المعلومات التاريخية,
والتفصيلات العملية, وأن تتقدم نحو تقدير للموقف بالمعنى الاستراتيجي فيما
يتعلق بالعلاقات العربية الأوربية, مع التركيز على عملية الشراكة في أكثر
أبعادها عمومية.
ولايمكن بالطبع فصل الراهن في هذه العملية عن العمق التاريخي لها ممثلا في
تاريخ حافل من التجارة والتفاعل الثقافي والحروب بين شمال البحر المتوسط
من ناحية وجنوبه وشرقه من ناحية أخرى.
ويلقي هذا التاريخ بظلاله القوية على قضايا متعددة في هذه العلاقات, فضلا
عن كونه أسهم بقوة في تشكيل الحقائق السياسية والاقتصادية والاجتماعية
والثقافية في الوطن العربي, وفي رؤية كل طرف للآخر (الجمال 2002 أ).
وتبقي العناصر التاريخية قابعة بقوة في الذاكرة الجمعية للشعوب العربية,
وبما يعوق إرساء الثقة في طريق إقامة شراكة أوربية-عربية أو متوسطية
فعالة. فمن أوربا جاءت الحملات الصليبية, والاستعمار الأوربي القديم هو
الذي وقف ضد عمليات التحديث الوطني في البلدان العربية وأجهضها, وهو الذي
خلف تاريخا حافلا بالعدوان والقمع والاستيطان واستنزاف الموارد والطمس
الثقافي. وأوربا الاستعمارية هي التي فتحت باب الهجرة ليهودها إلى قلب
الوطن العربي بهدف فصل مشرقه عن مغربه. كما كان الوطن العربي مسرحا
لصراعات القوى الإمبريالية الأوربية .
وليس المقصود من الإشارة السابقة القيام بأي نوع من المساجلة الدعائية,
وإنما التأكيد على أن هذه الحقائق التاريخية كانت تستوجب من الطرف الأوربي
في عملية الشراكة مراعاة الكثير من المحاذير وتوخي الإنصاف حتى تكتسب
الشراكة المصداقية التي تتمناها أطرافها.
أما على مستوى اللحظة التاريخية الراهنة, فقد كان التساؤل مشروعا في
الأوساط الثقافية والسياسية العربية عن عودة الاهتمام الأوربي المكثف
بالبحر المتوسط في التسعينيات؟ (نافعة 2004 : 392-3).
وقدمت إجابات عدة أهمها سقوط الاتحاد السوفيتي ومحاولة أوربا استعادة
منطقة نفوذها في حوض المتوسط بعدما كان ساحة للصدام المباشر بين الإرادتين
الأمريكية والسوفيتية, وكذلك تعاظم الآمال في التسوية السياسية للصراع
العربي-الإسرائيلي بعد حرب الخليج الثانية ومؤتمر مدريد, بل وحتى حاجة بعض
دول الجنوب الأوربي إلى موازنة الوحدة الألمانية وتعاظم نفوذها في شرق
ووسط أوربا. وذهب البعض (أمين وياشير 1988 : 20) إلى أن مركز أوربا
الهيكلي والظرفي في المنافسة الدولية يدفعها إلى تغطية العجز في علاقاتها
مع الولايات المتحدة واليابان بفائض مبادلاتها مع العالم الثالث وبلدان
شرق أوربا.
ولم تكن مصادفة تامة أن يتواكب طرح المشروع المتوسطي إلى جوار المشروع
الشرق أوسطي المطروح أساسا من جانب إسرائيل والولايات المتحدة. وقد حدث
التباس كبير في هذا الشأن نظرا لتعدد جوانب التنافس والتداخل في آن بين
المشروعين.
ومالت الدوائر الثقافية والسياسية العربية إلى تفضيل المشروع المتوسطي
(عبد الفضيل 1996) لأن المشروع الشرق أوسطي ينطلق منذ البداية من ترتيبات
مؤسسية فوقية لنظام إقليمي يطمس الهوية العربية ويعطي لإسرائيل دورا
قياديا وناظما للتحولات الاقتصادية في المنطقة, خاصة وأن "شيمون بيريز" هو
الأب الروحي لهذا المشروع. كما تم النظر إلى المشروع المتوسطي كمشروع
فضفاض وأكثر مرونة, على غرار منتدى "آبيك".
ورأى البعض في المشروع المتوسطي فرصة لبناء مركز تفاوضي قوي في عصر
التكتلات الاقتصلدية الكبرى (انظر: أبوعامود 1996) والاستفادة من حجم
ونوعية التطور الاقتصادي والتكنولوجي لدول الشمال, وتحقيق التوازن مع دول
الجوار الجغرافي, وحل المشكلات الأمنية العويصة للعالم العربي, وبخاصة
إيجاد رادع لإسرائيل النووية, ناهيك عن تعامل المشروع معها كدولة عادية لا
تتمتع بأي استثناء.
ولكن الاتجاهات القومية وبعض الاتجاهات اليسارية العربية رأت في المشروع
المتوسطي تشابها كبيرا مع نظيره الأوسطي من حيث قطع الطريق نهائيا على
تطوير النظام الإقليمي العربي, وتكريس التخلف العربي من خلال شراكة غير
متكافئة, وإغلاق للمصانع وتعميم للبطالة, وإدارة شئون الاقتصادات العربية
من خارجها, واختراق المجتمعات العربية عن طريق فئات من المثقفين ورجال
الأعمال وحتى العمال تعمل على تحقيق أهداف هي بالتأكيد غير الأهداف
الوطنية والقومية (انظر: الحمش 2004 : 299-300).
ورأى البعض الآخر أنه لايمكن تجاهل فرص الاستفادة من تعميق التعاون مع
أوربا كهامش للمناورة – على الأقل – في مواجهة الضغوط والهيمنة الأمريكية-
الإسرائيلية, أما تحويل هذا إلى شراكة حقيقية بين ضفتي المتوسط فإنه يتطلب
توافر العديد من الشروط على المستويين الوطني والقومي, وبخاصة التعامل مع
المشروعين المطروحين على قاعدة تدعيم النظام الإقليمي العربي وليس تفكيكه
أو تهميشه.
غير أن البعض الآخر رد على هذا بأن النزوع نحو المتوسطية لا يعني تجاهل
الدوائر الأخرى المتاحة, كما رأوا أن البديل المتوسطي قابل للتطوير وإضفاء
مدخلات عربية على أسسه أكثر من المشروع الشرق أوسطي, فضلا عن الإشارة إلى
المواقف الأوربية المتميزة في بعض قضايا العرب الكبرى بغض النظر عن
المنتوج العملي لهذه المواقف لأنه يتوقف على عوامل أخرى عديدة.
ويبدو من المنظور الأوربي أنه يقسم الوطن العربي إلى ثلاث مناطق : الخليج
العربي والمغرب العربي والدائرة التي تمثل إسرائيل وجيرانها. وقد جاء
مؤتمر برشلونه ليكمل مابدأه مؤتمر مدريد للسلام, حيث استهدف عدم ترك
المنطقتين الأخيرتين للنفوذ الأمريكي الصرف. أما المنطقة الأولى فهناك
اعتراف بالمصلحة الاستراتيجية الأمريكية هناك, وكل المرتجى أوربيا هو ضمان
استمرار إمدادات النفط (حتى 1996).
وفي الحقيقة أن المشروع المتوسطي يأتي أيضا في ظل تفاعل عمليتين تاريخيتين
كبيرتين هما: العولمة والأقلمة. ورغم أن كلا منهما ليست ظاهرة جديدة
بالكلية, إلا أنه يلاحظ أن العولمة قد جلبت معها تشكل أعداد كبيرة من
التجمعات الإقليمية وعبر الإقليمية. ولايجوز اختزال الأمر بقول أن
الظاهرتين جناحان لطائر واحد, مثلما لاينبغي اعتبارهما متناقضتين على طول
الخط.
فمن الواضح أن العولمة- كظاهرة غير متسقة- تتخذ صورا بعضها مؤقلم وبعضها
غير مؤقلم. كما يلاحظ أن معظم دول الجنوب تنضم إلى عدة تجمعات إقليمية في
ذات الوقت, وهو مايعكس نوعا من الحيرة والسيولة إلى جانب البحث عن تعظيم
المنافع الاقتصادية في كل الاتجاهات.
غير أنه تجب ملاحظة أن التجمعات الإقليمية وعبر الإقليمية في عصر العولمة
تتسم بالميل أكثر نحو الجغرافيا الاقتصادية, وليس الجغرافيا السياسية, مع
استهدافها بالطبع لتحقيق غايات سياسية من خلال نسج التشابكات الاقتصادية.
وهنا يتجلى فهمنا لما تسمى الأقلمة, حيث يقصد بها تلك الصياغات الإقليمية
المفروضة من جانب مركز أو أكثر من المراكز الكبرى للعولمة, والتي تهدف إلى
تحقيق الاندماج في العولمة النيوليبرالية وليس مقاومتها, وإرساء المصالح
المشتركة بين فئات وشرائح اجتماعية مستفيدة من مجريات العولمة (انظر:
الجمال 2002 ب).
وعلى الرغم من التباس التنافس بالتكامل بين المشروعين الأوسطي والمتوسطي,
يأتي المشروع الأخير في إطار عملية إعادة هيكلة عميقة للاقتصادات العربية
في حدود مفاهيم الصندوق والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية ومصالح
الشركات متعدية القوميات, وإن كان بأسلوب أقل فظاظة مما اتبع مع البلدان
الأفريقية جنوب الصحراء (الكنز 2002: 255-6).
ورغم الضآلة النسبية للسوق العربية بالنسبة لأوربا (3- 4%) زادت أهمية
البلدان العربية لأوربا بسبب التهديدات المرتبطة بالصراع
العربي-الإسرائيلي, ومشكلة الهجرة بكل أبعادها, بالإضافة إلى هاجس الطاقة
بالطبع. أي أن العرب أصبحوا أقرب إلى أن يكونوا "شركاء إجباريين لأوربا"
(المرجع السابق).
ويأتي هذا كله في سياق يتسم بالإدارة الأمريكية العليا لمجمل عملية
العولمة, والتي ترمي إلى إرساء انتصار "نهائي وأخير" للنموذج النيوليبرالي
والتحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة ، من خلال أربع آليات رئيسية :-
(1) تعظيم الهيمنة الاقنصادية من خلال البنك والصندوق الدوليين ومنظمة التجارة العالمية والشركات متعدية القوميات.
(2) استخدام كافة الوسائل بما فيها القوة العسكرية الماحقة لدحر الدول المارقة ومصادر التهديد الجديدة (الإرهاب- الأصولية...).
(3) استغلال وتطويع المؤسسات الدولية القائمة (بما فيها الأمم المتحدة) أو
حتى تجاوزها كلية لتمرير عمليات التدخل والعدوان على السيادات القومية
وقمع حركات التحرر الوطني والاجتماعي ...
(4) الهيمنة الإعلامية للسيطرة على العقول وتمجيد نمط ثقافي أحادي, أي
النمط الليبرالي محذوفا منه البعد الاجتماعي, وربما البعد الديمقراطي
مستقبلا وحسب الأحوال.
هكذا يجب النظر إلى تجاور المشروعين الأوسطي والمتوسطي في ضوء تفاوت
وتنافس الأدوار في عملية العولمة, ليظل الأمر كله رهينا بقدرة المنظومة
الرأسمالية العالمية على إيجاد آليات مناسبة ومبتكرة لتسوية التناقضات بين
مراكزها, في ضوء الخطر الاستراتيجي المتمثل في احتمال تبلور تكتل
"أوروآسيوي", أو اندلاع حالة من الفوضى الاجتماعية والثقافية بفعل آليات
الليبرالية الجديدة , وتصاعد اتجاهات قومية أو دينية متعصبة حتى في
المراكز الرأسمالية نفسها.
المتوسطية : هياكل وبرامج ضخمة, ونتائج ضعيفة
كان إعلان برشلونه بمثابة نقلة نوعية في العلاقات العربية الأوربية (نافعة
2004: 494) حيث تم التحول من علاقات التعاون إلى علاقات الشراكة أو
المشاركة. ويفترض أن الطرف العربي في إطار علاقات التعاون كان يحتل موقع
المتلقي للمساعدات والذي لايملك في العادة تغيير قواعد منحها, على عكس
الشراكة التي تجري في إطار تعاقدي وآلية تفاوض. كما جاء إعلان برشلونه
بإطار قانوني ومؤسسي عام يحكم عملية الشراكة, وحولها من علاقة اقتصادية
إلى علاقة شاملة تتضمن أيضا السياسة والأمن والثقافة والاجتماع (المرجع
السابق).
ولعل هذا من أسباب ذلك البناء المؤسساتي الطموح والمعقد , الذي أرجعه
البعض إلى "النهم المرضي" لدى البيروقراطية الأوربية العريقة في إقامة
المؤسسات إلى الحد الذي جعله أقرب إلى "الكاريكاتورية" في حالتنا (الكنز
2002: 24 ومابعدها). وإن يتم تبرير هذا بالرغبة في دعم الحوار في كل
القضايا على مستوى الحكومات والمشرعين والخبراء والمنظمات غير الحكومية.
وهناك أيضا تفسير يرى عملية برشلونه على أنها "بناء أيديولوجي معقد صممه
واضعوه ليواكب مشروعهم النيوليبرالي, وهو يعتمد على الحوار وإقناع النخبة
ومن ورائها الطبقات المتوسطة في جنوب المتوسط, ومحاولة جرهم بشكل أكبر في
تنفيذ العملية حتى يضمن ألا تتوقف أو تعود القهقري" (المصدر السابق : 33).
ويرى آخرون أن هناك في الحقيقة اختلافات عميقة بين دول الاتحاد الأوربي
حول مغزى الشراكة الأورومتوسطية (انظر: بيبرس 2004) حيث يرى فيها البعض
تعبيرا عن المسئولية الإنسانية أو الدور التنموي لأوربا إزاء جيرانها جنوب
المتوسط. ويركز آخرون على تحقيق الأمن الجماعي في منطقة البحر المتوسط.
بينما يأخذها آخرون من زاوية مناطق النفوذ والتنافس الجيوبولوتيكي مع
الولايات المتحدة. ومن المؤكد أن العناصر الثلاثة سالفة الذكر تتواجد معا
في رؤية كل دولة أوربية على حدة وإن بأوزان مختلفة.
لكن يمكن تلخيص جوهر الشراكة في معادلة دقيقة تتضمن استعداد الاتحاد
الأوربي لتقديم معونة مالية كبيرة لدول جنوب المتوسط مقابل التزام هذه
الأخيرة بأربعة أمور رئيسية : إعادة هيكلةالبنى الاقتصادية والاجتماعية
بما يتواءم مع آليات السوق, تحرير التجارة وفتح الأسواق, مكافحة الأصولية
الإسلامية, والحد من الهجرة غير الشرعية (نافعة 2004: 496).
عموما شهدت عمليات الشراكة حتى الآن على الصعيد الثنائي دخول أربع
اتفاقيات مع بلدان عربية حيز النفاذ, والتوقيع مع عدد آخر من البلدان
العربية. كما تعقد مؤتمرات دورية لوزراء الخارجية , وللوزراء القطاعيين,
وعلى مستوى الخبراء الحكوميين والبرلمانيين والمجتمع المدني. ويجري تنفيذ
عدد كبير من الأنشطة والبرامج في كل مجال من مجالات التعاون على الصعيد
الأمني والسياسي, الاقتصادي والمالي, والاجتماعي والثقافي والإنساني.
ورغم أن الكثير من الأهداف التي توختها الشراكة تستعصي على القياس الكمي
لتبين مدى التقدم المحرز, فإن هناك انطباعا عاما بعدم الرضى وسط معظم
الدوائر في العالم العربي.
ودون الدخول في تفصيلات كثيرة (انظر مثلا: نافعة 2004, جاد 2003, النواوي
2000) فإن المقاربة أحادية الجانب في عملية الشراكة, بسبب الخلل الجسيم في
موازين القوى بين شمال المتوسط وجنوبه, تكاد تكون السبب الرئيسي في كل
ماتعانيه الشراكة. بل إن الانتقال نفسه إلى الشراكة كان قرارا أوربيا, كما
أن أوربا هي التي تختار شركاءها من الجنوب, وهي التي تكيف كل العمليات
لتحقيق رؤية أوربية ضيقة ( غير ديمقراطية ؟).
فالاتحاد الأوربي ابتغى أساسا من عملية برشلونه حماية مصالحه وأمنه وتقليل
المخاطر المنبثقة من جنوب المتوسط, أي أن الاتحاد الأوربي يريد درء
المخاطر أكثر من رغبته في إنضاج التعاون الثنائي أو عبر الإقليمي.
وفي الوقت الذي لايمكن إنكار الأهداف السياسية والأمنية وراء كل مبادرات
الشراكة, يلاحظ أن تدفق المساعدات في اتجاه واحد يتوخى بالدرجة الأولى
مساعدة البلدان العربية جنوب المتوسط على إدارة الأزمات واحتواء مضاعفاتها
وعدم السماح بتصديرها إلى شمال المتوسط.
ويرتبط بهذا أيضا حرص الاتحاد الأوربي على حصر الشراكة الأورومتوسطية في
استراتيجية منع الصراعات أكثر من الإسهام في حل الصراعات الحالية. ولاشك
أن استمرار الصراع العربي- الإسرائيلي دون حل عادل, وعجز الاتحاد الأوربي
عن القيام بدور فعال فيه, يستحيل معهما تصور نجاح أية برامج أو آليات أخرى
لتحاشي وقوع المزيد من الصراعات.
ولقد أصبح ثابتا لدى الجميع وجود قيود كثيرة على اطراد التدخل الأوربي في
العمليات السياسية الاستراتيجية بالوطن العربي, حتى ليبدو أن الولايات
المتحدة وإسرائيل هما اللتان تحددان الدور المسموح به للاتحاد الأوربي.
وإن يشار في هذا الصدد إلى عدم وجود إطار للتعاون أصلا يكون موضع احترام
من البلدان العربية جنوب المتوسط.ومع ذلك فإن المنظور الأوربي للمناطق
الثلاث في الوطن العربي قد لعب دوره في المساعدة في تقويض أسس العمل
المشترك بين البلدان العربية.
يضاف إلى هذا أن الاتحاد الأوربي لا يملك سياسة خارجية موحدة, بسبب صعوبة
الاتفاق على المسائل من هذا القبيل في المؤسسات الأوربية, كما أدى توسع
الاتحاد الأوربي إلى التهديد بمزيد من عدم التجانس في السياسات الأوربية
الخارجية, فضلا عن استمرار اعتماد أوربا عسكريا على الولايات المتحدة في
إطار حلف الناتو الذي تم توسيعه هو الآخر.
كذلك من أهم أسباب إخفاق الشراكة الأورومتوسطية حتى الآن : تمتع الاتحاد
الأوربي بوضعية المهيمن عليها, فهو طرف واحد متحد, ولكنه يحرص على التعامل
مع البلدان العربية فرادى.
ونظرا لكون الطرف الأوربي هو الأقوى والأغنى والأكثرتطورا, فإنه ينطلق من
هذه الحقيقة ليديم تدفق أفكار ورؤى الشراكة في اتجاه واحد من الشمال إلى
الجنوب, بل يأخذ الأمر أحيانا صورة الوصاية والإملاء, وخاصة فيما يتعلق
بالتعامل مع مؤسسات المجتمع المدني جنوب المتوسط, وفي هذا مفارقة كبيرة
لأن العكس كان هو المتصور. أي أنه رغم انتقال العلاقات الأوربية-
المتوسطية إلى مرحلة الشراكة, لاتزال الدول والمجتمعات جنوب المتوسط في
وضعية المتلقي, ويحرص الاتحاد الأوربي على تعميق هذا وليس تخفيفه (انظر:
الكنز 2002).
وبسبب غياب الدور الإقليمي الفعال للجامعة العربية في عملية الشراكة,
أصبحت القدرة على استثمار الفرص الي تتيحها الشراكة, وتجنب الخسائر
الناجمة عنها رهينة بإرادة وكفاءة النظم السياسية العربية في كل بلد على
حدة.
فعلى مستوى الخبرة التفاوضية في الجوانب الاقتصادية يلاحظ بشكل عام تشدد
الاتحاد الأوربي في فرض شروطه والتعسف في تعظيم مكاسبه, من خلال إصراره
على نظم الحماية والحصص, واستثناء صناعة المنسوجات, وتقييد تحرير تجارة
المنتجات الزراعية...(انظر: بيبرس 2004).
وفي أحوال كثيرة ارتبطت المساعدات والمبادرات بفرض النمط النيوليبرالي علي
الدول العربية, من حيث فتح الأسواق والخصخصة وإلغاء الكثير من الحقوق
الاجتماعية والرعائية, ناهيك عن أن القروض الأوربية تساعد هي الأخرى في
تفاقم أزمة الديون للدول العربية.
أما على المستوى الثقافي فالوثائق الأوربية تتحدث كثيرا عن غياب التسامح
الديني والعرقي في البلدان العربية, ولكن أحداث 11 سبتمبر 2001 في
الولايات المتحدة قد جلبت معها موجة معاكسة ضد الأقليات العربية والمسلمة
في البلدان الأوربية ذاتها اتخذت أبعادا واضحة على المستويات القانونية
والحية اليومية. كما أصبحت وسائل الإعلام الأوربية حافلة بالتحريض لصالح
تلك النزعات.
آفاق الشراكة
يتوقف مستقبل الشراكة القريب على عوامل متعددة (انظر: جاد 2003) في
مقدمتها نتائج توسع الاتحاد الأوربي من زاوية اتجاه الاستثمارات الأوربية
إلى بلدان وسط وشرق أوربا , والمزايا التي ستحصل عليها منتجات هذه البلدان
وقواها العاملة الأعلى في التدريب المهني من العمالة العربية.
كما أن معظم الدول المنضمة حديثا إلى الاتحاد الأوربي تتمتع بعلاقات خاصة
مع الولايات المتحدة, وهومايزيد من صعوبة توصل الاتحاد الأوربي إلى صياغة
سياسة خارجية موحدة.
كذلك سيتأثر مستوى الشراكة بالتطورات المنتظرة جنوب المتوسط من حيث تطور
العمليات الديمقراطية وارتباط هذا بصعود التيارات الأصولية, وأيضا بنتائج
تطبيق السياسات الاقتصادية النيوليبرالية من قلاقل اجتماعية وفقدان
الدولة- الوطنية لمصادر قوتها, وماقد يصحب هذا من تفاقم ظاهرة الهجرة غير
الشرعية بدرجة غير متصورة الآن.
وهناك مؤثر ثالث بالغ الأهمية ويتعلق بمستقبل الصراع العربي الإسرائيلي,
واحتمالات اندلاع صراعات عربية بينية, خاصة في حالة امتداد السياسة
الأمريكية المطبقة في العراق إلي مناطق أخرى على التخوم الجنوبية لأوربا.
كماسيتأثر مستقبل الشراكة باحتمالات تحقيق نجاحات في المبادرات المحققة
حاليا, وهوفي الواقع أمل ضعيف. اللهم إلا إذا نجحت البلدان العربيةفي
إحداث انقلاب ثوري بعنى الكلمة في النهج الحالي للشراكة, ويمكن أن نعدد
أهم عناصر هذا الانقلاب فيما يلي:-
أولا: إقناع الشريك الأوربي بلعب دور أكبر في حل الصراع
العربي-الإسرائيلي, على أن يضمن العرب له ألا يكون نصيبه الخذلان مثلما
حدث للمواقف التى اتخذتها فرنسا وألمانيا من الحرب الأمريكية على العراق.
ومن المنطقي أن هذا التطور يتطلب توافر شروط عديدة , ولكن يمكن البدء
بالمطالبة بضمانات أوربية لحماية الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة, وهي
بداية يمكن بناء الكثير عليها.
كما يجب انتزاع موقف أكثر إيجابية من الاتحاد الأوربي إزاء الترسانة
النووية الإسرائيلية التي يمكن تفهم خطورتها على أوربا نفسها, وذلك حتى
يمكن إضفاء المصداقية على الموقف الأوربي من أسلحة التدمير الشامل
المزعومة في البلدان العربية وإيران.
ثانيا: ضرورة إقناع الشريك الأوربي بأن من الخطورة بمكان فرض المعايير
الثقافية الغربية على المجتمعات العربية لأن هذا لايؤتي سوى نتائج معاكسة,
وكذلك خطورة التدخل في شئون الأقليات الدينية والعرقية بأساليب غير مقبولة
مع نقص دراية بهذه القضايا شديدة الحساسية, خصوصا وأن حل هذه المشكلات
وثيق الصلة أيضا بنجاح التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
المتوازنة, ناهيك بالطبع عن التحول الديمقراطي.
ثالثا: فك الارتباط التعسفي بين الشراكة والسياسات النيوليبرالية ذات
الآثار الاقتصادية والاجتماعية الكارثية, واحترام الخيارات الخاصة
بالبلدان العربية في هذا الشأن.
كمايمكن المضي قدما في إقامة مشروعات نموذجية قابلة للتكرار تتم فيها
المزاوجة بين رؤوس أمال عربية وأوربية وتكنولوجيا غربية وتقام في بلدان
عربية كثيفة السكان وذات موارد طبيعية وبشرية مؤهلة.
رابعا: مطالبة الشريك الأوربي باتخاذ سياسات ناجزة في مواجهة موجات العداء
للمسلمين والعرب, أسوة بالتصدي لموجة مايسمى العداء للسامية. ويجب بالدرجة
الأولى إنهاء كل صور التمييز ضد الجاليات العربية والمسلمة هناك,
والملاحقات غير الكريمة للعمالة العربية المهاجرة وكفالة حقوقها القانونية.
خامسا: إقناع الشريك الأوربي بالتراجع عن منهج التعامل مع البلدان العربية
فرادى, وأن يحترم جدارة النظام الإقليمي وعدم الافتئات عليه. غير أن هذا
لن يتسنى بالطبع دون أن تكون الدول العربية نفسها قد قامت بالخطوات
المناسبة في هذا الاتجاه.
سادسا: العمل على تقليص الهيكل البيروقراطي الثقيل لمؤسسات الشراكة, وخاصة
في القطاع الخاص بمؤسسات المجتمع المدني حيث يتنافى هذا مع ذاك تماما. كما
أنه يعمل على تحويل الكوادر النشطة في المجتمع المدني إلى كوادر احترافية
غيرتطوعية , فضلا عن شيوع العمل الشكلي والورقي والانضواء في نخبة غربية
دولية على حساب الانخراط المفروض وسط القواعد الاجتماعية.
********
كلمة أخيرة .... إذا كانت إقامة تكتل إقليمي عربي شامل لاتزال هدفا
متباعدا يوما وراء الآخر, فمن المهم على الأقل إنجاح التكتلات الإقليمية
الفرعية العربية, ولايشترط بالضرورة أن تكون بلدانها متجاورة جغرافيا ,
وإنما يشترط أن تعمل كأساس مناسب لعمل عربي أشمل, ويشترط أيضا ألا يقع
تنافس غير صحي بين هذه التكتلات الفرعية. ومن نافلة القول تكرار الحديث عن
تفعيل الجامعة العربية!
ومن المهم أيضا رفع مستويات التعاون مع دول الجوار الجغرافي على أساس
إرساء السلم واحترام السيادة وتبادل المصالح وبما يكفل عدم مناهضة هذه
البلدن للمصالح والحقوق العربية.
ويمكن الحديث أيضا عن أهمية الانخراط الجاد مع حركات ومنظمات بلدان الجنوب مع الحفاظ على التحرك العربي موحدا قدر الإمكان .
إذا تمكننا من تحقيق هذا سنكون قادرين على خوض المناورة الناجحة بين المشروعين اللدودين الأوسطي والمتوسطي.
مصادر:
أبوعامود, محمد سعد، 1996 ,التوجه المتوسطي في الفكر السياسي المصري, السياسة الدولية، عدد 124, أبريل, ص 71- 86.
------------, 2004, العلاقات الأوربية العربية: رؤية مستقبلية, السياسة الدولية, عدد 157, يوليو, ص 120- 125.
أمين ،سمير و ياشير, فيصل, 1988,البحر المتوسط في العالم المعاصر, بيروت, مركز دراسات الوحدة العربية.
بيبرس, سامية, 2004, الشراكة الأوربية المتوسطية وحوار الثقافات, السياسة الدولية, عدد 155, يناير, ص 158- 161.
الجمال, مصطفى مجدي, 2002, تقرير عن ندوة العلاقات العربية الأوربية, في:
أمين, سمير وآخرين, العلاقات العربية الأوربية (قراءة عربية نقدية) , مركز
البحوث العربية ومنتدى العالم الثالث والمنتدى العالمي للبدائل, القاهرة,
دار الأمين, ص 133- 155.
-------------, 2002, "الأمن القومي العربي في ضوء التفاعلات الدولية :
سياقات وآفاق, في: أيوب, مدحت, الأمن القومي العربي في عالم متغير, مركز
البحوث العربية ومركز البحوث والدراسات الاستراتيجية بجامعة دمشق,
القاهرةو مكتبة مدبولي, ص 117- 128.
حتى, ناصيف, 1996, "تأثير التسوية على النظام السياسي الإقليمي", في:
أحمد, أحمد يوسف, التسوية السلمية للصراع العربي الإسرائيلي وتأثيراتها
على الوطن العربي, القاهرة، معهد البحوث والدراسات العربية.
الحمش, منير, 2001, مسيرة الاقتصاد العالمي في القرن العشرين, دمشق, الأهالي.
--------, 2004, تصحيح مسار التنمية في عالم متغير, دمشق, الأهالي.
خشيم, مصطفى عبد الله أبو القاسم, 2002, التنسيق والتعاون العربي تجاه
الشراكة الأوربية المتوسطية, السياسة الدولية, عدد148, أبريل, ص 8- 19.
سليم, محمد السيد, السياسة المصرية تجاه التعاون في البحر المتوسط, كراسات
استراتيجية, عدد 27, مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام.
--------- , 1995, 2000, المشاركة الأوربية- المتوسطية: رؤية عربية لميثاق
السلم والاستقرار, كراسات استراتيجية, عدد 87 , مركز الدراسات السياسية
والاستراتيجية بالأهرام.
شوقي, ممدوح, 1996, "الشرق أوسطية بين الجغرافيا السياسية والجغرافيا الاقتصادية", السياسة الدولية, عدد 125, يوليو, ص 125- 129.
عبد الفضيل, محمود,1996," مصر والعرب والخيار المتوسطي: الفرص والمحاذير", السياسة الدولية, عدد 124, ص 119- 124.
عبد الناصر, وليد, 1996, " التعاون المتوسطي بين مطرقة الهجرة وسندان التطرف", المصدر السابق, ص 111- 118.
علي, مغاوري شلبي, 2003, اتفاقيات التجارة الحرة وأثرها على الصادرات المصرية, كتاب الأهرام الاقتصادي, عدد 188.
كحيلة, عبادة (تحرير), 2003, التقاء الحضارات في عالم متغير, مطبوعات مركز
البحوث والدراسات الاجتماعية بكلية الآداب , جامعة القاهرة.
الكنز, علي, 2002, المشروع الأورومتوسطي بين الواقع والخيال, في أمين, سمير وآخرين، مصدر سبق ذكره، ص 7- 94.
نافعة, حسن, 2004, الاتحاد الأوربي والدروس المستفادة عربيا,بيروت , مركز دراسات الوحدة العربية.
النواوي, نرمين, 2000, الاتحاد الأوربي والشرق الأوسط, السياسة الدولية, عدد 142, أكتوبر, ص 105- 114. .
رد: الشراكة الأورومتوسطية
ثقافة ، شراكة ن عولمة ، ...............نقاط على حروفها مئات التفاسير مشكور اخي سفيان
منتدى القلوب الصادقة :: الأقسام الفكرية والثقافية :: قسم الطلاب عامة :: فضاء الجامعة :: منتدى العلوم السياسية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأربعاء 01 أكتوبر 2014, 10:45 من طرف دارين
» الخطبة في 2020
الأربعاء 01 أكتوبر 2014, 10:33 من طرف دارين
» مركز مصادر الإبداع للتدريب والاستشارات CSTC
الثلاثاء 19 أغسطس 2014, 07:14 من طرف al2bda3
» نماذج من رسائل رسمية..طلب وظيفة وغيره
الأحد 22 يونيو 2014, 12:01 من طرف نعاس محمد
» طلب مشرفين لعودة عمل المنتدى من جديد ♥
الثلاثاء 06 مايو 2014, 19:11 من طرف المشرف العام
» رسالة ماجستير كاملة : بيئة العمل الداخلية وعلاقتها بالتسرب الوظيفي
الخميس 06 مارس 2014, 16:47 من طرف rahim05
» فروض مع اجاباتها السنة 1-2-3-4 متوسط
الجمعة 31 يناير 2014, 17:31 من طرف معاذبن
» فروض من الاولى ثانوي إلى غاية الثانية ثانوي كل الشعب
الثلاثاء 19 نوفمبر 2013, 15:42 من طرف marilafolle
» مذكرة تخرج - دور إدارة الجودة الشاملة في تطوير الميزة التنافسية للمؤسسة الإقتصادية
الإثنين 30 سبتمبر 2013, 22:38 من طرف afaf berrah
» اختار حرف ونفذ المطلوب
الأربعاء 31 يوليو 2013, 23:13 من طرف هيمة
» مااااااااتهبطش .............
الأربعاء 31 يوليو 2013, 23:12 من طرف هيمة
» نصيحة اليوم
الأحد 28 يوليو 2013, 22:49 من طرف ريحان الجنة
» سجل حضورك بأجمل وردة 2
الأحد 28 يوليو 2013, 22:47 من طرف ريحان الجنة
» لعبه من ثلاثه حروف فقط
الأحد 28 يوليو 2013, 22:38 من طرف ريحان الجنة
» لغز عجز العلماء عن حله جرب حظك
الأحد 28 يوليو 2013, 22:30 من طرف ريحان الجنة