وضعت الفتاة الكلوب علي الارض , ويممت وجهها ناحية المقبرة دون ان تتفوه باي كلمة..
ورغم انها لم تحاول ان تحرك رأسها ولوقليلا ناحيته , فقد لمحت عينيها واحس قلبها بما يدور في رأسه من اسئلة ..رغم نسمات الهواء الرقيقة التي اخذت تلفح وجهها كانت تشعر كان كل جزء في جسمها يكاد يتصبب عرقا, وقد احست بدقات قلبها تكاد تعلو علي هذا السكون..كيف يمكن ان تخبره بالسر التي جمعها مع حبيبته ؟!
لقد ولدت طفلة عليلة الصحة , وكانت كثيرا تسمع قول والديها ان قلبها ضعيف !لم تفهم قصدهم من هذا القول ,لكنها كانت تدرك انها ليست ككل الاطفال , كان اقل مجهود يصيبها بالاجهاد الشديد ,وتطورالامر عندما كبرت اذ اخذت تنتابها حالات من الاغماء المفاجئ ..
مما حدا بوالدها ان ياخذها للطبيب..وما ان راي الطبيب الاشعة والفحوصات الخاصة بها حتي اخبر والدها ان عضلة القلب تعاني بشدة , وان لامفر من ان تمكث في المستشفي مدة غير محددة !
اقترحت مني ابنة عمها – التي كانت طبيبة- ان تقيم في المستشفي التي كانت تعمل بها ليسهل عليها ان تتولي رعايتها ..
ربما كانت علاقتها بمني قبل ذلك سطحية , لكن مرضها وما ادي اليه من قربها منها اوجد جسرا قويا من الصداقة والود , حتي ان اغلب فترات راحتها كانت تقضيها معها في حجرتها في المستشفي..وصارت هي بالنسبة لها حافظة اسرارها .. فقد حكت لها ادق تفاصيل حبها بمحمود ..
كانت عندما تحكي عنه تكاد تطيرمن علي الارض من فرط السعادة ..وتذكر انها في احدي المرات عرفته بها , وهي لاتنكر انه انسان يتمتع بدرجة كبيرة من القبول ..
حتي كان ذلك اليوم التي حضرت فيها الي حجرتها ..فما ان دخلت الي حجرتها واغلقت الباب , حتي انهارت علي السرير وانفجرت في نوبة من البكاء الشديد !
...وقد اخبرتها بعد ان هدأت.. انها كما تعلم كانت تعاني من صداع مزمن كانت تتغلب عليه بتعاطي المسكنات , وكان الجميع ينصحها بالراحة معللين سبب الصداع بالاجهاد نتيجة العمل ..
لكنها اكتشفت متأخرة جدا !
بعد عمل الفحوصات ,انها مصابة بورم خبيث في المخ وانها ربما لم يتبقي من عمرها سوي شهور!
وانها اضطرت للكذب علي محمود .. بالتظاهر انها لم تعد تحبه لكي لايتعذب بسببها .. وان يكفي ان تتعذب وحدها! ..
كانت كثيرا ما تراها جالسة وحدها تتطالع صورته والدموع تتساقط من عينيها..حتي جاء اليوم التي اخبرتها فيها انها ستذهب لاحد المصحات العلاجية لستكمل علاجها- اوتقضي فيها ما تبقي من عمرها !
وانها سترسل لها كل اسبوع خطاب تخبرها بالتطورات التي تطرأ علي حالتها ..
وبالفعل وعلي مدي شهرين كان يصلها يصلها منها خطابا اسبوعيا, كانت كلها تخبرها بتدهور حالتها الصحية , حتي انقطعت الخطابات فجأة !
وفي مساء احد الايام اخبرها الطبيب الذي كان برفقة والدها انها ستسافر الي لندن صبيحة الغد , لتجري هناك عملية دقيقة بواسطة احد الجراحين ذات الشهرة العالمية, كانت تلاحظ الدموع في عين ابيها ..هل هذه دموع الخوف عليها ؟!
ما ان افاقت من المخدر بعد العملية حتي انتابها احساس غريب , كانت تشعر انها لم تعد هي , هناك تحول غريب طرأ عليها !لكن كان تفسير كل شئ في خطاب مني الاخير..
التي كانت تقول فيه:"عزيزتي نورابعد التحية..هذا خطابي الاخيرالتي حرصت الايصل اليك الا بعد ان اكون رحلت عن عالمكم ..انت تعلمي مدي التقارب التي حدث بيننا في الاونة الاخيرة والذي جعلني احمل لك من الحب والاعزاز الكثير, لقد احببتك بصدق, ومع علمي بحقيقة مرضي واستشعاري مدي ما تعانيه من مرض نتيجة وهن قلبك حتي ارتأيت الا اغادر العالم دون ان اهبك اعز شئ عندي "قلبي" ..نعم ,لا تندهشي , لقد سافرت الي لندن قبل ان ادخل المصحة,لاعرض فحوصاتك علي احد الاطباء الانجليز ومقارنتها بنتائج فحص الانسجة الخاصة بي للتاكد من مدي تقبل جسمك لقلبي عند نقله اليك بعد رحيلي , وقد وجد توافق كبير ادهش الطبيب الانجليزي ..هل تعلمي ان كثيرا ما اعزي نفسي بانني ساعود للحياة مرة اخري مع نبض قلبي داخل جسدك ..يكفيني ان تذكريني..مني"
ما ان انهت الرسالة حتي اخذت الدموع تنهمرمن عينيها دون سلطان منها عليها..مع مرور الايام بدأت تلاحظ التحول العجيب التي طرأ علي شخصيتها ,لقد صارت تحب اشياء لم تحبها قط من قبل , وتحلم باشخاص لم تقابلهم في حياتها , واكثر ما اثار رعبها انها فاجأت نفسها تنظر بهيام لصورة حبيب مني السابق !
هل روح مني قد تملكتها من خلال قلبها الذي ينبض بين جوانحها , ام إن حبه قد تسلل الي قلبها من خلال ما كانت تحكيه مني عنه..
كانت تقاوم في بداية الأمر هذه العاطفة الجارفة تجاهه , لكنها استسلمت في نهاية الأمر لهذه المشاعر التي تغلغلت في كل ذرة من كيانها والتي عجزت تماما عن توصيف طبيعتها..بل وما ان انقضت فترة النقاهة حتي خرجت تستقصي اخبارمحمود حبيبها "حبيب مني " .. وقد اخبرها حارس المقبرة عن هذا الشاب الذي يمكث في الظلام عند مقبرة مني في نفس الوقت من كل شهر..
صوت نباح كلب يفزعها فتتلاقي عيونهما ..فترة من الصمت , يقطعها هو " انت ابنة عم مني التي قابلتها في المستشفي " تبتسم وهي تومئ برأسها علامة الايجاب, كان يريد ان يسألها عن سبب حضورها الي المقبرة في هذا الوقت المتأخر من الليل, لكنه فضل الصمت ..بدا له انها تهم بمغادرة المكان فعرض عليها ان يوصلها للمكان التي تريده, وافقت علي الفور شاكرة له كرمه ..امسك هو هذه المرة الكلوب وهو يتقدمها , كانا يسيران وكل واحد منهما يدور في عقله افكارا عن الاخر..هي "هل تصارحه بالسرالكبيرالذي يربطها بمني , وهل يمكن ان يحبها مثلما احب مني"هو" ما سر هذه الفتاة , وما الذي دفعها لتزور المقبرة في ذلك الوقت المتأخر , وما سر هذا الاحساس الغامض الذي يحس به تجاهها..