فعلها التوانسة فهل يفعلها أشقاؤهم؟

فعلها التوانسة فهل يفعلها أشقاؤهم؟
فادي عزام
2011-01-16
المصدر صحيفة القدس العربي

ما حصل في ليلة الرابع عشر من كانون الثاني/ يناير، سيكون علامة فارقة في بداية هذا العقد الجديد.
الرئيس الأقسى والأكثر قمعا، والأقوى مخابرات والأغنى مالا، أصبح طريدا ذليلا هاربا، يبحث عن ملجأ يمارس به الحنين ويتذكر أطلال قرطاج.
فعلها الشعب التونسي أطاح بالدكتاتورية البغيضة وطردها خارج تونس وها هو يلاحق رمزها الأول ويحول لياليه إلى كوابيس ونهاراته إلى متابعة التلفزة محمر العينين مكلوم الفؤاد محتقنا بالغيظ، وستقوم السيدة الأولى وأخوانها بتبادل الاتهامات وإحصاء الخسائر والتحسر على الكثير من التحف المتروكة في القصور الجمهورية. واستدعاء طبيب القلبية لفحص الضغط على مدار الساعة. يا لها من نهاية لا تحصل حتى في أكثر المسلسلات الدرامية تفاؤلا.
فعلها التوانسة، احتاج الأمر لأقل من ثلاثين يوما وسبعين شهيدا ليسقط الديناصور، وينهار جهاز المخابرات الأشرس في المنطقة العربية. وتهرب مافيا العائلة الفاسدة خارج البلاد بجوازات سفر كندية وفرنسية وحاملة ما خف وغلا، وتولي هاربة مرعوبة هشة منبوذة كما يليق بعصابة.
فعلها شعب تونس ولن يقبل بالتأكيد رشوة أخرى واستبدال وجه بوجه وطغمة بأخرى. سيلاحق النظام وقواعده بعد أن فر رأسه وأصبح مقطوع الرأس. وسيكون الدرس قاسيا قارسا هذه المرة وستحاكم مافيا الفساد وأخوال واعمام واخوة الرئيس، كما يليق بقطاعي الطرق وناهبي الشعب.
فعلها التوانسة، أعادوا لتونس بهاءها ولقرطاج روحها ولأبي القاسم الشابي ترانيمه وتغنت الشوارع بتلك العبارة الساحرة المدهشة القادرة الجليلة (لا بد أن يستجيب القدر حينما يريد الشعب الحياة).
فعلها التوانسة، أعادوا الأمل لثلاثمئة مليون وافتتحوا المشهد على مصراعيه وسيفكر كل مورث ومنافق ولص مستثمر للخلوي ألف مرة قبل أن يتغنى بمنجزات الانفتاح ومعجزات الاقتصاد.
فعلها التوانسة وقالوا إن العرب أيضا يستطيعون أن يدخلوا التاريخ ليس من باب كرة القدم وكأس العالم أو صناعة أكبر صحن حمص، بل بإسقاط أعتى دكتاتورية عربية.
فعلها أبناء قرطاج، لقد أقضوا مضجع عائلات المافيا العربية، خربطوا حسابات الأنظمة التي لم تنم ليلة الرابع عشر من يناير، تم استدعاء خبراء الأزمات والمستشارين الأمنيين لتقييم أوضاع تونس في قصور الحكام العرب، والكل يعرف عمق الشبه والتشابه في ما بينها، وحافظت التلفزيونات الرسمية العربية، على بلادتها المعهودة بتغطية فيضان البرازيل ومنجزات أشقاء زين الفارين بن علي. أية أثقال تتحرك في أحشائهم البليدة فهم يعرفون أن إية إشارة لدكتاتور تونس المخلوع بدون موافقة الأمن المحلي تعني من تمتلئ صوره في الساحات، وأية أشارة إلى عائلة الرئيس المخلوع تتشابه حد التطابق مع عائلات الطرابلسي الموجودة في كل الدول العربية. والمضحك المبكي اختصاص التلفزيون الرسمي التونسي بوثائقي عن سفاح روما ودكتاتورها الأول كركلا.
وبدأ عملاء الأنظمة حملة دعايتهم السخيفة بالترويع من الأصولية القادمة وتخويف التوانسة من العراق الجديد. لكنها كليشهات صارت ممجوجة، فالأنظمة القمعية والأصولية الدنيئة وجهان لمشوه واحد. وتوأم سيامي يستمد حضوره من نفس النسوغ والجذور الفاسدة. وقلع أحدهما هو قتل للآخر.
سيدي بوزيد المدينة النقية، فعلتها ضد البايات والفرنسيين سابقا وقدمت محمد البوعزيزي الشاب الحاصل على دبلوم تعليمي وعربة خضرة صادرها له النظام. ذلك الشاب العشريني الذي أوقد بجسده شرارة الحريق الكبير ليدفئ شتاء تونس الطويل ويبعث بعض الحرارة في عروقنا المتجمدة.
البوعزيزي سيكون أيقونة تونس الجديدة، ستمسح بقايا صور الدكتاتور وتماثيله وينتصب حضورك لاهبا في كل المدن التواقة للكرامة والإحساس بالحياة. فعلها فقراء تونس وشعبها، صفعوا ليس النظام البائد فقط وعائلته المتكرشة الفاسدة اللئيمة، بل كل المحبطين والمستسلمين والمراهنين على ان التغيير مستحيل.
كان تشاوشيسكو المقبور دكتاتورا رومانيا يقول: لن يتغير النظام في بودابست حتى يجني فلاحو رومانيا الرمان من أشجار الصبار. وانتهى به المطاف مشنوقا ومسحولا في الساحة العامة.
كان بن علي يتوعد ويزبد ويرعد قبل أيام، فها هو يطوف باحثا عن نهاية تليق به بجوار احدى المزابل التاريخية.
انها أول انتفاضة عربية شعبية نقية خالية من السياسيين وخطاباتهم الزائفة، تطيح بدكتاتور من الحجم الثقيل وتحوله شريدا في الأجواء يترجى مأمنا يلوذ به.
فعلها التوانسة، كشفوا معدن تونس الحقيقية، أضرموا نار الانتفاضة في أجسادهم، ونار الغيرة في قلوب أشقائهم العرب. مثلما كان بوعزيزي الشرارة التي أشعلت هشيم الفساد، ستكون تونس القدوة والمشعل للشعوب العربية جميعا. وها هي حكومات الأنانية والفساد الغربي تتخلى عن طفلها المدلل وتتملق فقراء تونس. فالفرنسيون ممن دعموا الدكتاتور طوال عقود، يتخلون عنه بعد أن ولى هاربا من غضب الناس. وستواجه أي حكومة غربية موقفا أخلاقيا ربما ينتزع شرعيتها في حال أمنت الحماية له، لأن القادم ستكون ملاحقته بالقضاء والمطالبة بمحاكمته وإرجاع ما نهبه وجعله يدفع الثمن لجرائمه طوال 23 عاما من الحكم الدموي والباطش.
صندوق النقد الدولي الذي تبجح بتجربة تونس ومعجزتها الاقتصادية كان الليلة على موعد مع حقيقته، فهو ممول للأنظمة الفاسدة ورجال الأعمال والجنرالات ممن يشكلون بطانة النظام التونسي ويتشابهون مع كل الأنظمة العربية. يراقبون ما يحدث وهم في حالة ذهول. وعائلات المافيا العربية المستمدة من الأنظمة الفاسدة اللاشرعية يبلعون ريقهم ويستعدون للأسوأ.
فعلها التوانسة ولكن عليهم الانتباه ليحافظوا على مكاسبهم الثمينة، والا يستبدلوا فاسدا بآخر. في الآخر كل هؤلاء الرؤساء واجهة لأنظمة مؤلفة من مافيا صغيرة تحول البلاد إلى مزرعة كبيرة، بحراسة الجنرالات ومباركة فقهاء الأنظمة وتواطؤ رجال الأعمال ومحدثي النعمة.
ولم يجد زين الفارين بن علي سوى مطار جدة ليؤويه، عذرا من الشعب السعودي ان وجود طاغية بهذا الحجم على أرضكم إهانة لكم. وان قبول أي فاسد من نظام تونس البائد على أي بقعة في هذه الأرض مشاركة لاأخلاقية معيبة بحق الإنسانية. أركلوهم خارجا أينما كانوا لأن مكانهم فقط المزبلة المشهورة إياها. فعلها التوانسة فهل يفعلها أشقاؤهم؟