بحث مرجعى عن:
الاتجاهات الحديثة لإدارة الموارد البشرية
مقدم إلى:
اللجنة العلمية الدائمة لإدارة الأعمال
(أساتذة مساعدين)
دكتور/ سعيد شعبان حامد
مدرس إدارة الأعمال
كلية التجارة – جامعة الأزهر
2006
فلسفة الإدارة اليابانية فى إدارة الموارد البشرية:
2/6/1 الركائز الأساسية للنظام اليابانى فى إدارة الموارد البشرية:
تعانى اليابان من ندرة فى مواردها الطبيعية ، فهى تتكون من مجموعة منالجزر ذات الطبيعة الجبلية التى تحول دون التوسع الزراعى ، كما أن الطبيعةلم تهبها إلا القليل من موارد الثروة المعدنية ، وحتى تضمن العيش الكريملأبنائها الذين يتزايد عددهم يوماً بعد يوم ، فقد جربت عدة مداخل كانأخرها قبل الحرب العالمية الثانية انتهاج سياسة استعمارية تحاول من خلالهافرض سيطرتها على بعض الدول التى تستطيع من خلالها تأمين احتياجاتها منالموارد المادية ، فكانت الحرب الكورية ، والتوسع فى منشوريا ، إلا أن هذاالمدخل بدلاً من أن يوجد حلاً لبعض مشاكلها جلب عليها الدمار فى الحربالعالمية الثانية بسبب اصطدامه بمصالح الدول الاستعمارية الكبرى.
وبذلك لم يعد أمام اليابان وسيلة لتجد فرصتها للحياة الكريمة إلا أن تحاولالاستغلال الأمثل لموردها الوحيد الذى لديها وفرة فيه ، وهو العنصر البشرى، فوضعت كل تركيزها بعد الحرب العالمية الثانية على كيفية استخدامإمكاناتها البشرية بالطريقة التى تساعدها على تحقيق وفورات تمكنها من سداحتياجات السكان من الغذاء واحتياجات التصنيع من الموارد المادية ، ولقدكان من بين وسائل الإدارة اليابانية فى هذا المجال تتبنى استراتيجية أحدأركانها الأساسية أن الموارد البشرية للمنظمة هى ثروتها الأساسية وأغلىأصولها جميعاً.
والركن الثاني الذى ترتكز عليه استراتيجية الإدارةاليابانية فى معاملة العنصر البشرى هو التأكيد على وحدة المصلحة بينالمنظمة والعاملين ، فالعاملين لا ينظر إليهم باعتبارهم مجرد أدوات فىالعملية الإنتاجية تستغل جهودهم بطريقة أو بأخرى لتحقيق أهداف المنظمةالتى يعملون فيها ، بل تحرص الإدارة اليابانية بالوسائل العلمية على إشعارالفرد بأن هناك منفعة متبادلة بينه وبين المنظمة ، وأن هناك مصلحة مشتركةبينهما ، فكل ما يبذله من جهد من أجل بقاء المنظمة واستمرارها ، ونجاحها ،وتقدمها يعتبر ضماناً لبقائه ونموه وتقدمه.
ولتحقيق الاستراتيجيةالسابقة فإن الإدارة اليابانية – خاصة فى الشركات الكبرى ذات التأثيرالجوهرى على الاقتصاد القومى – تنتهج السياسات الآتية:
2/6/1/1 ضمان التوظف مدى الحياة
تحرص الإدارة اليابانية على ضمان فرصة عمل دائمة ، ومستقرة للموظف الذىتمت الموافقة على تعيينه بالمنظمة ، بحيث يعمل دون أن يكون مهدداً بالفصل، وتطبق الإدارة اليابانية تلك السياسة إيماناً منها بآثارها الإيجابيةعلى كل من الإنتاجية والروح المعنوية لقوة العمل ، فتطبيق تلك السياسةيساعد على تخفيض معدل دوران العمل ، والاقتصاد عن تكاليف التدريب ، وتشجيعالفرد على تنمية علاقات الود والصداقة مع زملائه مما يزيد التلاحمالتنظيمى ، ويجعل الفرد أكثر ولاءً وارتباطاً بالمنظمة.
وبالرغم من أنالمفهوم العملى لفكرة التوظيف الدائم يعنى ضمان فرصة العمل المستقرة حتىسن التقاعد (وهو عند سن 55 سنة فى اليابان) ، إلا أنه إذا كان هناك حجمعمل كاف فإن ، هؤلاء الذين يجب إحالتهم على التقاعد يمكن إبقائهم فى شكلعمالة مؤقتة فى نفس أعمالهم (أو فى أية أعمال وأنشطة أخرى تحددها المنظمة)، ولكن المرتب فى هذه الحالة يخفض بمقدار الثلث إيماناً بأن الفرد فى مثلهذه السن يكون أقل أعباء عن ذى قبل.
وتقسم قوة العمل داخل المنظمة اليابانية فى ثلاث مجموعات هى:
أ- مجموعة العمالة الدائمة: وهذه بدورها تضم ثلاث فئات تأخذ أهميتها مرتبة كما يلى:
• العاملون من الرجال الذين يلتحقون بالمنظمة فور تخرجهم من الدراسة.
• العاملون من الرجال الذين لديهم خبرة عمل سابقة فى شركات أخرى.
• العاملات من النساء.
ب-مجموعة من العمالة المؤقتة: ويدخل فى هذه المجموعة العاملون من الرجالوالنساء الذين يلتحقون بالعمل بشكل مؤقت وبعقود لفترة زمنية تتراوح عادةبين ستة شهور إلى سنة.
ج- العاملون باليومية: وتطبيق سياسة التوظفالدائم يختلف من مجموعة لأخرى من المجموعات الثلاث السابقة حيث يكون هذاالضمان عادة للفئتين الأولى والثانية من المجموعة الأولى. وعلى ذلك فإذاكانت الشركة فى موقف يحتم عليها ضرورة التخلص من بعض الأفراد فإنها تبدأبتسريح العمالة المؤقتة ، ثم العمالة الدائمة من النساء.
هذا ويلاحظأن تطبيق سياسة ضمان العمل الدائم تؤدى إلى تخفيض معدل دوران العمل إلى حدكبير ، ولكنها لا تمنع البعض من ترك العمل اختيارياً لتغيير نوع العملالذى يمارسه ، أو الانتقال إلى منظمة أخرى تعطى مزايا أكثر ، أو الحصولعلى فرصة ترقية فى منظمة أصغر حجماً ، أو لتغيير فى بيئة العمل ، وإلا لماظهرت الفئة الثانية من المجموعة الأولى.
وهناك مجموعة عوامل ساعدت الإدارة اليابانية على انتهاج سياسة التوظف الدائم منها:
أ- الظروف التاريخية لسوق العمل. بدأت اليابان دخول ميدان الصناعة فىالعقد السابع من القرن التاسع عشر ، ولقد كان إحساس الصناع اليابانيين فىتلك الفترة أن ميزتهم الوحيدة على المصدرين الأجانب هى الأجور المتدينةمما دفع الأجور إلى حد الكفاف.
ومع التقدم الصناعى ، وتزايد حدةالمنافسة استمر أصحاب الأعمال فى سياستهم القائمة على غبن قوة العمل منتخفيضات فى الأجور ، وإطالة ساعات العمل ، والتخفيض فى بعض المزايا مثلمزايا الإسكان والتغذية التى كانت المنظمات قد اضطرت لإقرارها لتشجيع قوةالعمل القادمة من الأقاليم ، ولقد كان لتلك الإجراءات بعض الآثار السلبيةالملحوظة فارتفع معدل الغياب ، والاضطرابات ، وترك العمل. ولقد قابل رجالالأعمال ذلك ببعض الإجراءات التعسفية مما أدى إلى زيادة الموقف سوءاً ممااضطر رجال الأعمال إلى استبدال سياسة التعسف بسياسة الإغراء من خلال تحسينظروف العمل المادية ، وتوفير مساكن أفضل ، وعلاوات أقدمية ، وغيرها منوسائل التحفيز التى ساعد تطبيقها على تحقيق بعض الاستقرار النسبى لقوةالعمل فى المنظمة.
ب- هيكل الصناعة: تحرص المنظمات اليابانية الكبرىعلى أن تقصر نشاطها على إنتاج منتج واحد ، أو خط منتجات متكامل مما يجعلمن السهل على المنظمة أن تصنف نفسها فى صناعة معينة ، وتنافس غيرها منالمنظمات فى نفس الصناعة على حصة السوق.
والمنافسة بين المنظمات فىالصناعة الواحدة قادت إلى خاصية أخرى أصبحت تميز هيكل الصناعة اليابانية ،وهى أن المنظمات الكبرى رغبة منها فى التركيز على الجوانب الهامة فىالمنافسة مثل الإنتاج والتسويق والبحوث والتنمية ، فإنها تعتمد فى الحصولعلى الخدمات الثانوية أو الأقل أهمية كالتخزين ، وتصنيع قطع الغيار ،والصيانة والشحن وغيرها على منظمات أصغر ، وهذه المنظمات الصغيرة عادة ماتتحالف مع إحدى المنظمات الكبرى لتقدم خدماتها الثانوية مما يجعل هناكنوعاً من الارتباط بينهما.
وهكذا نجد أن هيكل الصناعة فى اليابان خدم سياسة التوظف الدائم من زاويتين:
الأولى:أن تحويل بعض النشاط للمنظمات الصغرى يجعل عدد الموظفين فى المنظمة الكبرىصغير نسبياً لا يلقى عبئاً كبيراً على المنظمة فى حالة انكماش حجمالأعمال.
الثانية: أن المنظمة الكبيرة فى حالة انكماش النشاط ويمكنهاأن تتولى بنفسها بعض الخدمات الثانوية التى تقوم بها المنظمة الصغيرة ،وتحول إلى تلك الخدمات ببعض أفرادها من القوة العاملة لضمان استمرارتشغيلهم.
ج- الفلسفة المتميزة:
بالرغم من أن جميع المنظماتاليابانية تعيش ضمن إطار ثقافى واحد ، إلا أن إدارة كل منظمة تحرص علىتبنى فلسفة فريدة بحيث تجعل المنظمة نمطاً متميزاً فى أهدافها وقيمها ،وتقاليدها.
وتلك الفلسفة تكون واضحة للجميع يتشبع بها كل فرد منخلال اندماجه فى المنظمة ، وتصبح مرشداً لسلوكه ، ومنهاجاً لتصرفه ممايجعلها مع مرور الوقت تخلق نوعاً من التكامل بين الفرد والمنظمة ، بلويصبح جزءاً من الفلسفة ذاتها.
والمنظمة اليابانية فى ذلك تشبهالأسرة داخل أى مجتمع ، فبالرغم من أن جميع الأسر التى تعيش داخل مجتمعواحد تتشابه فى بعض النواحى التى ترجع للإطار الثقافى ، إلا أن كلا منهايبقى نمطاً فريداً فى تشكيله متميزاً على غيره من الأسر.
وتشبعالفرد بفلسفة منظمة معينة يجعل من الصعب عليه أن ينتقل للعمل فى منظمة ذاتفلسفة مختلفة مما يجعله أكثر تمسكاً بمنظمته وأكثر ولاءً لها ، كما أنالمنظمة من ناحيتها ينبغى ألا تفرط فيه لأنها أنفقت الكثير من الوقتوالجهد فى إعداده وتربيته ، ومن ثم فإن ضمان التوظف الدائم يعتبر مطلباًضرورياً لمصلحة الطرفين.