سئل
سيدنا عمر (رضي الله عنه) عن حق الولد على أبيه، فأجاب ( أن ينتقي أمه،
ويحسن اسمه، ويعلمه القرآن ) إن نشأة الأجيال على الطهر والعفة والاستقامة
،تعتمد على الصفات التي يتوارثها الأبناء خلقيــة كانت،أو جسمية ، أو
عقلية .وقد أثبتت التجارب العلمية في اختبارات الذكاء صحة النظرية ،التي
تنادي بالتغرب في الزواج ، حتى لا يأتي نسل ذوي القربى ضعفاء الجسم والخلق
، أو بغير ذلك من العيوب الوراثية.يولد الطفل في أسرة تتكون من أب وأم.
وهما اللذان يقومان بتربيته، حتى يصل إلى مرحلة الرجولة، وحينئذٍ يستطيع
أن ينفصل عنهما . وقد تكون الأسرة مكونة من أكثر من الأب والأم، كالأخوة
والأخوات.والأسرة هي البيئة الطبيعية، التي تتعهد الطفل بالتربية، لأن
غريزة الأبوة والأمومة، هي التي تدفع بكل من الأب والأم إلى القيام برعاية
الطفل وصيانته ، ولا سيما في السنوات الأولى من طفولته .وتعد مرحلة
الطفولة المبكرة ، من أهم مراحل الحياة في تاريخ النشئ ، إذ هي الأساس
الذي يعتمد عليه نمو الطفل ، في المراحل التالية:
إن
الأسرة المسلمة هي المعقل الأول ، الذي ينشأ فيه الطفل ، في جو التربية
الإسلامية .وقد اهتم الإسلام بالطفل من حيث تربيته على أسس معينة منذ
ولادته. ولو تأملنا بعض آيات القرآن، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
في موضوع تكوين الأسرة المسلمة ، لوجدنا أن أهداف تكوين الأسرة في الإسلام
، هي :
1- إقامة حدود الله:
ويعني
أن يحقق الزوجان شَرْعَ الله ومرضاته ، في كل شؤونهما وعلاقتهما الزوجية ،
وهذا معناه إقامة البيت المسلم الذي يبني حياته على تحقيق عبادة الله ، أي
على تحقيق الهدف الأسمى للمنهج التربوي الإسلامي للطفل وقد ورد تعليل
إباحة الطلاق حين تطلبه المرأة ، خوفاً من عدم إقامة حدود الله . قال
تعالى فَإِنْ خُفْتُمْ ألاَّ يُقيما حدود الله ، فلا جُناحَ عَلَيْهِما
فيما افْتَدَتْ بِه ). كما أنه سبحانه وتعالى علل إباحة الرجوع إلى الزوج
بعد أن تتزوج المرأة زوجاً غيره ، بتوقع إقامة حدود الله ، أي إقامة
الحياة الزوجية على تقوى من الله ، كالتعفف وحسن المعشر وغض البصر ، قال
تعالى : ) فإن طَلَّقَها فَلا جُنَاحَ عَلَيْهما أن يَتَرَاجَعا إنْ
ظَنَّا أنْ يُقَيما حُدودَ الله .
وبذلك
ينشأ الطفل ويترعرع في بيت أقيم على التقوى من الله ورغبة في إقامة حدود
الله ، وتحكيم شريعته ، فيتعلم ويقتدي بذلك من غير كبير جَهد أو عناء ، إذ
يمتص عادات أبدية بالتقليد ، ويقتنع بعقيدتهما الإسلامية حين يصبح واعياً .
2- تحقيق السكون النفسي والطمأنينة :
قال
تعالى : (هُوَ الَّذي خَلَقَكُمْ مِنْ نفسٍ واحدةٍ وجَعَلَ منها زَوْجَهَا
ليسكن إليها) . وقال أيضاً ومِنْ آياته أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ
أنْفُسِكمْ أَزْواجاً لِتَسكُنوا إليها وَجَعَل بَيْنَكُمْ مودةً
وَرَحْمَةً) . فإذا اجتمع الزوجان على أساس من الرحمة والاطمئنان النفسي
والعطف والمودة ، ابتعداً عن القلق وعن العقد والأمراض النفسية ، التي
تضعف شخصيته الطفل .
3-
تحقيق أمر الرسول الكريم بإنجاب النسل المؤمن الصالح : جاء رجل إلى النبي
(صلى الله عليه وسلم) ، فقال : إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال وإنها لا تلد
، أفأتزوجها ؟ قال : لا ، ثم أتاه الثانية فنهاه ، ثم أتاه الثالثة ، فقال
تزوجوا الودود الولود ، فإني مكاثر بكم الأمم ) وقال أيضاً تناكحوا
تناسلوا تكثروا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة ) .
وقد
تنوع حديث النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، وهذا دليل واضح ، على أن
البيت المسلم يجب عليه أن يربي أبناءه تربية تحقق اهداف الإسلام ، وأركان
الإيمان في نفوسهم وسلوكهم ، لأن المباهاة إنما تكون بكثرة النسل الصالح
فعلى الأبوين تقع مسؤولية تربية الأبناء، ووقايتهم من النار ،التي تنتظر
كل إنسان لا يؤمن بالله ، أو يتبع غير سبيل المؤمنين ، قال تعالى : ( يا
أيُّهَا الذين آمنوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْليكُمْ ناراً وَقُودُها
الناسُ والحجارة وجاء لفظ ( أهليكم ) بالجمع ليشمل الزوجة والولد .
وهذه
المسؤولية تزداد في أيامنا ، لأن بعض عناصر الحياة الاجتماعية ، خارج
الأسرة ، ليست في كل الأحيان موافقة لهدف التربية الإسلامية ، كالمجلات
والقصص الماجنة ، وغيرها من وسائل الإعلام السمعية والمرئية ، التي تتسرب
إلى الأطفال ، فإذا لم يبق الأبوان يقظين حذرين، لن يستطيعا إنقاذ
أبنائهما من الضياع والانحراف .
4-
إرواء الحاجة إلى المحبة عند الأطفال :الرحمة بالأولاد من أهم الغرائز
التي فطر عليها الإنسان والحيوان ، وجعلها الله أساساً من أسس الحياة
النفسية والاجتماعية والطبيعة لكثير من الكائنات الحية .
وتتحمل
الأسرة مسؤولية رحمة الأولاد ، ومحنتهم ، والعطف عليهم ،لأن هذا من أهم
أسس نشأتهم ومقومات نموهم النفسي والاجتماعي ، نمواً قوياً سوياً ، فإذا
لم تتحق المحبة للأولاد بالشكل الكافي المتزن ، نشأ الطفل منحرفاً في
مجتمعه ، لايحسن التآلف مع الآخرين ، ولا يستطيع التعاون أو تقديم الخدمات
والتضحيات ، وقد يكبر فلا يستطيع أن يكون أباً رحيماً ، أو زوجاً متزناً
حسن المعشر ، ولا جاراً مستقيماً لا يؤذي جيرانه ، وغير ذلك من أنماط
السلوك .لذلك ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثلاً أعلى في محبة
الأطفال ، ورحمتهم ، والصبر على مداعبتهم . روي أن أبا هريرة رضي الله عنه
، قال : قَبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع
بن حابس التميمي جالساً ، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلت فيهم
أحداً ، فنظر إليه رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : (
مَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ ) رواه البخاري .وكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، يأخذ أسامة بن زيد فيقعده على فخذه ، ويقعد الحسن على فخذه
الأخرى ، ثم يضمهما ، ثم يقول : ( اللهم ارحمهما فإني أرحمهما ) رواه
البخاري.
5- صون فطرة الطفل عن الزلل والانحراف :
اعتبر
الإسلام الأسرة مسؤولة عن فطرة الطفل،واعتبر كل انحراف يصيبها مصدره الأول
الأبوين ، أو من يقوم مقامهما من المربين . ذلك أن الطفل يولد صافي
السريرة ، سليم الفطرة، وفي هذا المعنى يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ،
فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه : ( ما من مولود يولد إلا يولد على
الفطرة ، فأبواه يُهَوِّدَانهِِ ، أو يُنَصِّرانِهِ ، أو يُمَجِّسَانِهِ،
كما تُنْتَجُ البهيمةُ بهيمةً جمعاء ، هل يُحَسُّونَ فيها مِنْ جَدْعاء)
.رواه البخاري . ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه : (فِطْرَةَ اللهِ التي
فَطَرَ الناسَ عَلَيْهَا لا تَبْديلَ لِخَلقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّين
القَيِّمُ).وقد فهم الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه ، أن الفطرة هي
استعداد المولود للدين القيم ، دين التوحيد ، وأن سنة الله لا تتغير في
جميع المواليد البشرية ،فساق الآية لإيضاح معنى الحديث .
وأهم
واجبات التربية الأسرية : التربية الإيمانية للطفل ، وذلك بتوجيه عواطف
الطفل نحو حب الله ، وحب رسوله . وإخباره بأن الله يجب أن يكون أحب إليه
من أمه وأبيه ونفسه التي بين جنبيه ، وإلى جانب عاطفة الحب ، تكوِّن عاطفة
الخوف من الله ، لأن العاطفة الأولى تؤدي إلى طاعة الله والعمل بما أمر ،
والثانية تؤدي إلى البعد عن المعاصي قولاً أو فعلاً ، ظاهرة أو باطنة .
والأطفال يستهويهم الحديث عن الله وحبه ، والجنة والنار ، ووسائل الوصول
إليها.وعلى الآباء إشعار أبنائهم بأن حبهم لله ، ينشأ من حاجتهم الدائمة
إليه هم وأباؤهم، لأن كل شيء بيد الله ، الإحياء والإماتة والشقاء
والسعادة ،والرزق والنعمة والهداية والضلال،وهذه الحاجة هي التي تجعلنا
نحبه أولا،ونقوم بواجب الشكر ثانياً ، من اتباع لما أمر واجتناب لما نهى.
إن
غرس الإيمان الحقيقي في نفوس الناشئة عزيزي القارئ ، والإيمان المطلق
بالله و بصفاته الثابتة له،وحبه والخضوع له،والخوف منه،والالتجاء إليه في
كل أمر هو السعادة للأبناء والأسرة، خاصة إذا أثبتت العقيدة بالطرق
التربوية السليمة،التي تقوم على العاطفة والعقل والعلم والحكمة حتى يكون
الإيمان هو مصدر السلوك وموجه الإنسان في الحياة،والرسول صلى الله عليه
وسلم يعلمنا التدرج في تربية الأولاد،فيقول فيما رواه ابن عباس : افتحوا
على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله . ثم أمرهم بالصلاة في السابعة،ثم
تأديبهم على حب النبي صلى الله عليه وسلم وتلاوة القرآن، وتعريفهم بالحلال
والحرام ممارسة أمامهم،تلقيناً وتوجيهاً لهم بامتثال الأوامر واجتناب
النواهي،ووعظاً بتوصيلهم إلى بعض الأمور كما كان يفعل الرسول مع ابن عباس.
إن الأسرة هي البيئة الأولى ، التي يتعلم فيها الطفل ، فإذا الطفل ، وجد الأبوان
الصالحان
اللذان يرعيان ويوجهان ويحسنان التربية ، نشأ الأطفال نافعين لأنفسهم ،
ولأمتهم ، ومطيعين لربهم ، منجين لأنفسهم وأهليهم من عقاب الله وسخطه .