المشرف العام المشرف العام
عدد المساهمات : 5351 :
| موضوع: التنمية والثقافة الجمعة 14 مايو 2010, 09:24 | |
| التنمية مصطلح واسع يقصد به بشكل موجز الزيادة , وهو يشمل كل النشاطات والظواهر القابلة للزيادة في جانب من جوانبها أو في جميع جوانبها , وأحد هذه النشاطات والجوانب هو التنمية البشرية , والتنمية البشرية مصطلح يتضمن كل نشاط يؤدي إلى زيادة ما في أحد جوانب حياة الإنسان المادية والمعنوية , ومن ضمن هذه الجوانب تنمية النمط الثقافي أو البعد الثقافي لأي نشاط أو ظاهرة, فللظواهر الاقتصادية أبعاد ثقافية اقتصادية , وللظواهر الصحية أبعاد ثقافية صحية , وللظواهر الزراعية أبعاد ثقافية زراعية, وهكذا . . . .
والثقافة باختصار هي أن يعرف الفرد شيئاً عن كل شئ , أو أن يلم إلماماً يسيراً بأكثر ضروب المعرفة , ولكنها أي الثقافة, قد تتركز في مقصودها الدلالي على المعرفة المتصلة بالعلوم الإنسانية بوجه خاص , لأنها ترقى بالإنسان , وتوسع معارفه , وتمده بالنظرة الشاملة للأمور , لينعكس هذا على شخصيته وسلوكه , فيكون واسع الأفق , يحسن إتيان الأمور ويجيد التصرف في شؤون حياته , ويعرف حقوقه , ويحرص على أداء واجباته, فالثقافة من الأمور التي يتجمل بها الإنسان, ويستكمل بها مقومات شخصيته, إلا أنه لا يمكن الاستغناء عنها , فهي من الضرورات الحتمية لكل فرد, فمن الناحية الفطرية, لابد أن يكون كل إنسان منتمياً إلى أسرة أو إلى جماعة أو إلى وطن , ولذا فإن لهذا الإنسان شخصية وعصبية وجنسية , ويتناسب هذا مع الثقافة المشتركة الموحدة , التي تربطه بهذه الأسرة أو الجماعة أو الوطن , فالثقافة إذن هي كل ما يكون به الإنسان إنساناً, وهي تعبير عن ما يصدر عنه من أسلوب أو سلوك أو نشاط أو مواقف متماسكة تشكل نسيجاً من البناء الذي يمتلكه الإنسان من مجموعة القدرات لديه, ونسيجاً من ما ينشئه من علاقات, وما يدركه من مهارات, وما يدخره من وعي وخبرات, وما يعتنقه من قيم وتقاليد, وما يماشيه من أنماط حياة, وطرائق انتفاع بالوسائل المادية والاجتماعية والمعنوية , وما يتداوله أو يهتم به من آداب وفنون جميلة, قولاً ونغماً وتشكيلاَ وما إلى ذلك . والثقافة تفرق بين الإنسان وسائر الكائنات الأخرى, كما أنها تتباين من مجتمع إنساني لآخر, وتختلف بين أي نمطين من الحياة لمجموعتين بشريتين .
وأما التنمية الثقافية فهي الزيادة في الثقافة بكل أشكالها وجوانبها وظواهرها ونشاطاتها, ولكل ظاهرة في هذا الكون بعد ثقافي , فتنمية البعد الثقافي الاقتصادي يسهل التنمية الاقتصادية, وتنمية البعد الثقافي الصناعي يجّود تطور التنمية الصناعية, وتنمية البعد الثقافي الزراعي يحسن التنمية الزراعية ويعجلها . . . وهكذا في كل المجالات . وأما التربية والتعليم فهما الوعاء الذي يحتضن التنمية الثقافية المتمثلة بكل أشكال التطوير والارتقاء والتبادل الثقافي , وهذا الوعاء يشكل جسراً يربط بين مفهوم التنمية, ومفهوم الثقافة, اللذين يرتبط بعضهما ببعض , بتناسب طردي متبادل, فكلما زادت الثقافة زادت التنمية, وكلما زادت التنمية زادت الثقافة . والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما السبيل إلى هذه الزيادات؟ إننا ببساطة نجد الإجابة في أن التربية والتعليم هما اللذان يوسعان الاطلاع والمدارك, ويفتحان أبواباً مبتكرة من الأنماط الحياتية, والاجتماعية, التي تساعد بالاقتباس والتعلم والإنتاج والاختراع وغير ذلك, على مزيد من النماء والترقي والتطور, وتساعدان أيضاً على سهولة التكيف مع المستجدات والمتغيرات, وحسن مواجهة الطوارئ والأزمات في كل جوانب الحياة ومجالاتها . ففي الوقت الذي يكدح الناس مثلاً في مواجهة ثالوث الجهل والفقر والمرض, نجد طائفة منهم, تلمع عقولها في تلمس الطرق والوسائل والعلوم التي تخلصنا من هذه المواجهات الأليمة على طريق التنمية الثقافية , وذلك انطلاقاً من البحث في إمكانية تحقيق تقدم, وإيجاد مخارج متنوعة, كما أن الناس يجتهدون مثلاً في ابتكار وسائل مختلفة لمحاربة الفراغ , فيملؤنه بنشاطات مفيدة , تعبر عن موروث متميز , وشخصية متفردة, وهكذا تمكّن الإنسان من مغالبة المشكلات, وتمكّن من تأمين مرتكزات لتلبية حاجاته النفسية والاجتماعية والمادية والحيوية وغيرها , إن هذه المرتكزات, تمكّنه من أن يعيش في أبعاد الحياة كاملة, ماضياً وحاضراً ومستقبلاً , راضياً , مشاركاً, ونافعاً , ومستمتعاً, وسعيداً, ثم بعد ذلك, تمكّنه من تحقيق منجزات ترقى بالإنسان, وتطوره , وتنميه , وتزيد من حسن استغلاله لما حوله من نعم وموارد وإمكانيات , وتزيد من تسخيره للبيئة ومواردها, وترفع من الكسب المادي والمعنوي لديه, وبالتالي زيادة الذاتية والرفاهية والكرامة الإنسانية التي وهبها الله للإنسان ، فالإنسان جزء متميز من المخلوقات في هذا الكون , وهو قادر بخصائصه النوعية, ومنها إرادته واختياره وقدراته العقلية وذاكرته الحضارية ومهاراته, على التأثير في المكونات من حوله, وتحويلها إلى معطيات لخدمته وخدمة أهدافه, وإلى معطيات لمواجهة تحديات البيئة, والمحيط من حوله.
إن التنمية والثقافة والإنسان, مفاهيم متكاملة, وهي المقومات الآمنة الراقية الأساسية, لصناعة الحياة المتطورة, التي تقوم على وسائل وأهداف, لصناعة الرقي الإنساني المتمثل في الحضارة , والتنمية هي وسيلة الحضارة وغايتها, ومن أكثر أطراف العملية التربوية أهمية عنصري الفرد والثقافة , فالتربية تُعنى بنقل التراث الثقافي من جيل لآخر , كما تُعنى بتطوير هذا التراث وتطهيره من الخرافات والسلبيات, وتقوم على المحافظة على ما في الثقافة من قيم وأخلاق وتدعمهما , وتهتم بغرس الثقافة في الفرد, من خلال التنشئة بوسائط متعددة, مثل الأسرة والمناهج الدراسية ودور العبادة وغيرها , سعياً لتوجيه المجتمع نحو الأفضل , فالفرد ينشأ من خلال الثقافة التي تحيط به وبمجتمعه, والتي تشكّله , كما يسهم هو أيضاً في تشكّيلها وتمثيلها بطوابع متميزة, كما أن التربية تستفيد من البعد المعرفي للثقافة, المتمثل في المعارف والاعتقادات والتقاليد وسائر طرائق التعبير, وبالتالي فإن الثقافة في معنىً من معانيها جزءٌ من عملية التربية والتعليم . هذا وللثقافة وزيادتها صلة وثيقة بالتنمية , والعنصر البشري, أهم عناصر الإنتاج بشكل عام, ونوعيته هي العامل الحاسم في تحديد التقدم والتخلف في الشعوب , وبقدر سلامة البنية الثقافية للفرد, تكون سلامة أدائه التنموي لمجتمعه وبيئته في جميع مجالات الإنتاج , فالتنمية ليست عملية آلية يمكن إتمامها من خلال رفع معدلات الاستثمار أو تحديث بعض أساليب الإنتاج, بل إن الدور البشري هو أهم الأدوار في أي عملية تنموية , وتنمية الموارد البشرية, سابق في أهميته على تنمية الموارد الاقتصادية أو الصناعية أو الزراعية ...أو غيرها , كما أن الجزء الأهم في عملية التشكيل الثقافي للفرد المكون للموارد البشرية هو التربية والتعليم, وعليه فإن الحاجة ماسة جداً, إلى مزيد من الاهتمام بالتربية والتعليم عموماً, ومزيد من الاهتمام بتوجيه الفرد والأمة نحو الثقافة الوطنية, التي تعرّفه حقوق الأفراد وواجباتهم وتعرفه بتركيبة المجتمع , وبشؤون الحكومة والعلاقات المقبولة مع ما حولنا من بيئة , والحاجة أيضاً ماسة جداً إلى ربط قويٍ بين الثقافة الوطنية والخطط التربوية , ولابد أن يعاد النظر في العلاقة بين التنمية والثقافة بين الحين والآخر, لتواكب هذه الأخيرة, جميع التغييرات المحلية والعالمية, وتتماشى مع التحاور والتبادل في الثقافات المختلفة وتناميها . ولذا فقد نشأت في المجتمعات هيئات ومنظمات ثقافية تدعم تلبية هذه الحاجات , ومن أمثلتها: الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون, ومؤسسة الفكر العربي ... وغيرها, بل لقد حولت بعض الدول مسمى وزارة التعليم إلى وزارة المعارف, وأُنشئت في بعض الدول في وزارات التربية والتعليم إدارات متخصصة للثقافة, ووكالات حكومية للثقافة, بل وأُنشئت في بعض البلاد العربية وزارة مستقلة للثقافة, ومن أهم لأمثلة على هذه الهيئات أيضاً, المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم, التابعة لجامعة الدول العربية, التي من أهم أولوياتها, القيام على تراث الأمة, وإخصاب النشاط الثقافي والفني, في مجالات الآداب والفنون والآثار والإعلام والتعليم, وتوطين العلوم وتطبيقاتها التكنولوجية, وتشجيع البحوث العلمية, لتحقيق المعاصرة الحضارية, مع الاهتمام بتقديم الثقافة العربية للعالم, فكراً وفناً وحضارة . كما أقيمت المؤتمرات والندوات والنشاطات الثقافية المختلفة, من أمثلتها مهرجان الجنادرية السعودي في الرياض , ونشاطات اختيار عاصمة الثقافة العالمية, وعاصمة الثقافة العربية, وعاصمة الثقافة الإسلامية, وما شابه ذلك . وكل ذلك لبنات في بناء التنمية الثقافية, على طريق بناء التنمية الشاملة . | |
|