بلال البرغوثي اسم يختصر الحكاية الفلسطينية كلها، ويضيف عليها لمسات من السحر الذي نسجه جيل الشباب المقاوم، من خلال سمفونية جمعت التضحية والتميز والطيبة والخلق، حتى إنك لتشعر أنك أمام صنف من الناس حكته أساطير من الخيال تفنن بها دهاة اللغة وعباقرة القصص... إلى أن تلقى أحدهم فتوقن أنك أنت الغائب عن دنياهم، وأنهم سواد كثير غصَّت بهم لوحات الفداء والعظمة بهدوء... من غير ضجيج التكلف، وسفه الأضواء العاهرة، وكذب الدعايات المنمقة، بلال واحد من هؤلاء... لوحة تكاملت فيها المعاني الكبيرة التي ربطت رمزية حروف اسمه ببطولات التاريخ... من مكة في عهد النبوة لحبشي هزئ بالطاغوت ومضت أحده قاهرة للطاغوت، ومدرسة تربي جمعاً من الشباب حمل هم شعبه وحدد هدف الحياة... بطولة، ذهبت في زيارة إلى منزل أهله وما أن دخلت حتى تزاحمت فصول الحكاية ونطقت معها الذكريات.
مراحل صقلة شخصيته: ما أن وصل بلال فلسطين حتى التحق بالتشكيل الطلابي للحركة الإسلامية في مدرسة بني زيد والتزم في أنشطتها كما يقول من عاصره من أبناء جيله، ويضيف أبو الهدى كنا نرى فيه حرقة وحرصاً على منافسة إخوانه النشاط، وحضور صلاة الفجر جماعة حتى شعرنا أنه يسابق الزمن. يعلل أخاه وائل ذلك بقوله: عندما رزقنا الله عبد الرحمن أخي الصغير حمله بلال وقال لهنيالك فزت بعمرك كله في فلسطين أما أنا فذهب من عمري ثلاثة عشر عاماً سدى) ومضت أيام بلال حتى جاء خبر من مدينة رام الله يزف بلال شهيداً في عام 1993 فخرج الناس إلى المدينة ليحضروه وإذا بجسده ما يزيد عن عشر رصاصات اخترقته أصابت الكبد والرئة وباقي مكونات الجسد حتى أستؤصلت إحدى كليته، وقدر الله له الحياة. وما أن تماثل للشفاء حتى اعتقل في سجن الفارعة للتحقيق وهو لا يقوى على المسير، حتى أن والدته قالت: خرج إلى الاعتقال على حمالة الإسعاف وأيقنت عودته شهيداً، ولكن الله سلَّم وأعانه على جلاده فلم يدلي بكلمة اعتراف واحدة. وما أن أنهى الدراسة الثانوية حتى التحق بجامعة بيرزيت وهناك لقّبه منافسوا الكتلة الإسلامية (وحش الكتلة) لما له من هيبة وحرص على كتلته التي كان يقدم لها ما يستطيع كما قال بشار أمير الكتلة الإسلامية في عهده، وأضاف كان بلال رجلاً يرفض الأضواء ويرفض تقلد المسؤوليات في سلم الكتلة ولكن كان بحق القائد والأخ الكبير، وبقي بلال على ذلك حتى دخول الانتفاضة الثانية عامها الأول والتحاقه بكتائب القسام. بلال ومهزلة المحاكمة: تروي خديجة أخته تفاصيل الحكم وأحداث المحاكمة... دخلنا المحكمة وكانت الساعة التاسعة وجدنا المكان مكتظاً بعدسات الكاميرات، وفيه جمع كبير من أهالي الجنود الذين قتلوا في العمليات التي نفذها بلال، وماهي إلا دقائق حتى فتح باب صغير دخل منه بلال ورفيق جهاده محمد دغلس ساد الصمت المحكمة برهة من الزمن، ثم علا طرق القاضي على منصة الحكم طلب منه الوقوف فالتفت بلال إلى القاضي بسخرية، وقال: لمن الوقوف لك يا سيادة القاتل والسارق، محاكمكم ظالمة وأنتم زائلون، صرخ القاضي: (شيكت)، رد عليه بلال أنت اسكت، طلب المحامي الهدوء وبدأ الادعاء العام تعداد التهم... تجنيد عبد الله البرغوثي صاحب الملف الأكبر في تاريخ دولة إسرائيل، تنفيذ عملية إسبارو وتنفيذ عملية التلة الفرنسية، قتل وجرح أكثر من مئة جندي إسرائيلي، القاضي أنت نادم بلال، بلال : نعم .. تبسم القاضي، قال له: لا تفرح ندمي على أني لم أستطع المواصلة ونيل الشهادة، لكن اعلم أننا ماضون حتى تعود إيمان حجو ومحمد الدرة أحياء، وإما أن ترحلوا وإلا سنورث الجيل القادم تركة المقاومة، دق القاضي المنصة وأعلن الحكم "عشرون مؤبداً في 14/ 12/2002م. حينها كبر بلال فأخروجوه وهو يقول لأمي سنخرج رغماً عن إسرائيل، ساعتها تضرعت إلى الله وبكيت.
صور قبل الوداع لأسرة بلال: في وسط غرفة الاستقبال علقت صورة للدكتور عبد العزيز الرنتيسي، سألت أمه: ماذا يعني لكم هذا الرجل؟؟ قالت: القائد الذي أحبه بلال، قلت: قد تكون جماعته هي السبب في هدم بيتكم وسجن ولدكم قالت: لحماس نفسي وولدي، قلت: سيغضب منك البعض لهذه الصراحة ... قالت: أسمينا أولادنا الصغار أسماء الشهداء ونذرناهم لله وما خافت قلوبونا وما جزعت، واليوم لن نخبئ الحب. ضحك أحمد الأخ الكبير لبلال القادم من أمريكا ... وقال: لست ضليعاً في السياسة ولكن ما رأيته من بلال في الأسر عجيب رغم حكمه مدى الحياة عشرين مرة، كنت أرى فيه قوة وأملاً وراحة نفس نفتقدها نحن في بيوتنا، حين أراه أدرك أن في قلوبهم إيماناً يعجز عن فهمه سجانهم، لذلك لن يستطيع الاحتلال البقاء إلى الأبد، رن هاتف البيت وقطع حديث أحمد وإذا بها سوسن شقيقة بلال قيل لها: أن هناك مقالاً يكتب عن بلال صمتت وعلا صوت بكاء في الهاتف وسمعتها وهي تقول إن رزقني الله طفلاً سأسميه بلال، نظرت في الوجوه وجدت الشوق تسابقه العيون والدعاء يعلو بالفرج وخرجت وأنا أحاول الصمود أمام المشهد العاطفي الكبير وسألت نفسي هل ستصدق المقاومة وعدها بفك أسرهم؟؟؟ ومضيت...
دارين مشرفة قسم السياحة والسفر
عدد المساهمات : 1589 :
موضوع: رد: حكاية بطل الأربعاء 21 أبريل 2010, 12:07