الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاما على نبيه المصطفى وآله وصحبه ومن اقتفى، أما بعد...
هل
أحرمت؟؟، هل استشعرت نعيم تخلية القلب؟؟، هل تغيرت؟؟، آه لو أنَّ قلبك
توجه تلقاء البيت، ولبست الأكفان، ولبيت تلبية المحب المشتاق، تلبية الفار
إلى ربه، تلبية الشاكر لأنعمه الذي يشعر باصطفاء ربه "إنَّ الحمد والنعمة
لك والملك لا شريك لك".
تعال نخطو الخظوات كما صنعت تلك المرأة
التي ظلت تسأل وفد الحجيج: أين بيت ربي؟؟، أين بيت ربي؟؟، حتى بلغته فلما
رأته سقطت ميتة، "ماتت المشتاقة" ونحن: متى نشتاق؟؟
فتعال نطير
بقلوبنا لتنزل في بيت الله الحرام، أراك الآن لربك منكسرا، ومن هيبته
خاشعا، هيا ادخله وأنت متذلل لله، أدخله بالسكينة والوقار فهكذا دخله
النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، مطئطئا رأسه ذلة لله، فهنا لا ترفع
الرؤوس خشية لله، هنا أظهر لربك فقرك وحاجتك.
ولنبدأ في "الطواف" فطف طواف وكأنك حول العرش. قال بعض السلف:
"إنَّ هذه القلوب جوالة، فمنها ما يجول حول العرش، ومنها ما يجول حول الحش
[أي القاذورات] يعني حطام الدنيا الفاني، فلا عبرة لطواف دون ذلك".
وانظر لهذه الكلمات المهمة لابن القيم في (الفوائد) يقول:
"فترى الرجل روحه في الرفيق الأعلى وبدنه عندك، فيكون نائما على فراشه
وروحه عند سدرة المنتهى تجول حول العرش. وآخر واقف في الخدمة ببدنه وروحه
في السفل تجول حول السفليات، فإذا فارقت الروح البدن التحقت برفيقها
الأعلى أو الأدنى، فعند الرفيق الأعلى كل قرة عين، وكل نعيم وسرور، وبهجة
ولذة وحياة طيبة، وعند الرفيق الأسفل كل هم وغم وضيق وحزن وحياة نكدة
ومعيشة ضنك، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} [سورة طه: 124].
وكي يطوف قلبك فاصنع هذه الوظائف:
(1) {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [سورة المدثر: 3]، فعظمه واستشعر وكأنك مثل الملائكة تحوم حول العرش لا تكل ولا تمل، بل تقول: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.
(2)
اشغل قلبك بما تراه الآن، وتعلم كيف تحرس خاطرك من أن يسرح ويشرد حيث هموم
الدنيا، فألقها بكلمة "أليس الله بكاف عبده" فسيكفيكها الله.
(3) اغرس في قلبك معاني هذا الدعاء بكثرة اللهج به: "أسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك".
(4)
الطواف يبدأ بالرمل، وهكذا اصنع في طريقك لربك، الآن هيا تقدم وتحرك فقد
اقترب زمان العشر، تقدم بمضاعفة وردك اليومي لاسيما من الذكر فهذا أوان
اليقظة.
(5) والطواف فيه الاضطباع لتظهر لله قوتك، فأر الله قوتك
في طاعته، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله، فلا تكن ضعيفا، واستقو بالله،
وتذكر أنه "لا حول ولا قوة إلا بالله".
(6) وأنت تطوف لا تضع قدما
ولا ترفع أخرى إلا حط الله عنه بها خطيئة و كتب له بها حسنة [رواه الترمذي
وصححه الألباني]، وقد تمسح الركن والحجر فتحط الخطايا حطًا كما أخبر صلى
الله عليه وسلم، إن مسحهما [أي الركنين] كفارة للخطايا وسمعته يقول من طاف
بهذا البيت أسبوعا فأحصاه كان كعتق رقبة وسمعته يقول لا يضع قدما ولا يرفع
أخرى إلا حط الله عنه خطيئته وكتب له بها حسنة [الراوي: عبدالله بن عمر
المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 959- خلاصة
الدرجة: حسن]، فتذكر أسباب المغفرة فهيا أسمع ربك أنين استغفارك.
(7) وثمرة الطواف كما قال صلى الله عليه وسلم: «من طاف بالبيت وصلى ركعتين كان كعتق رقبة» [رواه ابن ماجه وصححه الألباني] فتذكر عتق الرقاب الذي كان ثمرة رمضان، فاحتسب لعلك تُعتق.
فمن
من الآن يعيش هذه المشاعر الإيمانية؟؟، ومن منا يصلح لهذه المقامات
العلية، اللهم اجعل قلوبنا تطوف حول العرش، ولا تحرمنا من طواف أبداننا
حول الكعبة.
اللهم يسر وأعن، ولا تحرمنا الحج عامنا هذا بفضلك ومنك وكرمك وجودك يا أكرم من سئل وأفضل من أجاب.