إن الجزائر ليست من صنف الدول الضعيفة غير المتأكدة مما تقوم به، وليست من الدول سهلة الركوع والخضوع والخنوع، وحين تساند قضية فهي تساندها للاقتناع بشرعيتها وعدالتها وليس للفائدة المادية التي ستجني من ذلك.
فعلاقتها مثلا بالقضية الفلسطينية والصحراوية ومساندتها للشعب الفلسطيني والصحراوي في كفاحهما ضد الاستعمار هي من المفاخر التاريخية التي سيفتخر بها الفلسطينيون والصحراويون ويصدحون بها ولا يخفونها أو يخجلون منها.
فبالنسبة للشعب الفلسطيني كان الراحل ياسر عرفات يفتخر دائما أنه لو لا رئاسة الجزائر للجمعية العامة آنذاك ما كان ليدخل ويخاطب العالم من أعلى منبر في الأمم المتحدة. من جهة ثانية كان يقول أيضا أنه حين أراد إعلان الدولة الفلسطينية أتصل بدول عربية "كبيرة" وطلب منها أن تحتضن حدث الإعلان عن الدولة الفلسطينية فرفضت خوفا من معاقبة أمريكيا وإسرائيل لها، وحين أتصل بالجزائر فتحت له الأبواب والأحضان وقالت له: تعالى وأعلنها هنا على بركة الله.
بالنسبة للعلاقة بين الشعب الصحراوي والجزائر هي علاقة طبيعية وعادية جدا، لكن غياب المعلومات الكافية عن نشأة هذه العلاقة جعلت البعض يتصور أن دعم الجزائر للبوليساريو هو دعم غير طبيعي، وان وراءه خلفيات مثلما يدُعي المغرب. فبالرجوع إلى بعض الحقائق التاريخية أو الحاصلة على الأرض، نجد أن علاقة الجزائر بقضية تقرير المصير وتصفية الاستعمار في الصحراء الغربية تعود إلى منتصف الستينات تقريبا، وهو تاريخ لم تكن جبهة البوليساريو قد رأت النور فيه، ولم تكن الجمهورية الصحراوية قد أصبحت دولة.
في موضوع آخر لم تغب الجزائر في يوم من الأيام عن المواعيد المهمة في الأمم المتحدة خاصة المتعلقة منها بالدفاع عن حقوق الشعوب المظلومة في تقرير المصير والحرية، فهي الثورة التي كان لها الشرف للأخذ بيد حوالي 16 دولة إفريقية إلى الاستقلال في الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي حينما قررت فرنسا أن تمنح مستعمراتها الإفريقية الاستقلال- حتى لو كان داخليا- لتتفرغ للقضاء على الثورة الجزائرية وحدها، لكنها فشلت.
ففي الأمم المتحدة، وبالضبط غداة التصويت على القرار 2229، الصادر يوم 20 ديسمبر 1966م، الخاص بالصحراء الغربية، قال ممثل الجزائر في جلسة التصويت:" إن الجزائر المتضامنة مع أي كفاح يقود شعبا ما إلى الحرية، ستبتهج لحصول شعب الصحراء الغربية على استقلاله. في الصحراء الغربية يعيش سكان تربطنا معهم علاقات دم وحضارة وجوار."
وليست هذه أول مرة تطالب فيها الجزائر بتقرير مصير الصحراء الغربية بل سبق لها ان صرحت يوم 17 نوفمبر 1966م أمام هيئة أممية قائلة: "على إسبانيا ان توفر كل الظروف المطلوبة كي توصل السكان الأصليين إلى حالة يعبرون فيها بحرية عن تقرير مصيرهم واستقلالهم (..) وأن يحصل شعب الإقليم على فرصة التعبير الحر عن حقه في تقرير المصير بحرية وان يستقل."
ابتداء من سنة 1966م أصبحت الجزائر تُذكر في كل قرارات الأمم المتحدة على أنها بلد مهتم بالقضية (INTERESSE )، أما منذ بدأ تطبيق مخطط السلام فأصبحت هي وموريتانيا بلدين ملاحظين يتم التشاور معهما باستمرار.
أثناء زيارة البعثة الأممية للصحراء الغربية والدول المجاورة في مايو 1975م، اعترفت البعثة في تقريرها الذي نشر يوم 16 أكتوبر 1975م قبل الغزو بأسبوعين أن" الحكومة الجزائرية عبرت من جهتها بأنه لا توجد لديها مطالب في الصحراء الغربية، وتعتبر ان الإقليم المذكور يجب ان يصفى منه الاستعمار طبقا للمبادئ المعلنة من طرف الأمم المتحدة،(..) وان تعطى الفرصة لسكانه لكي يقرروا مصيرهم بحرية".
وإذا كانت الجزائر، باعتراف الأمم المتحدة، قد أيدت تقرير مصير الشعب الصحراوي قبل ان تتأسس البوليساريو، أو تكون لها علاقة معها، فإن الأمم المتحدة نفسها، التي تعتبر الجزائر طرفا مهما وملاحظا في القضية، قد شرعت في نص صريح للدول والشعوب ان تدعم الشعب الصحراوي ماديا ومعنويا من أجل تقرير مصيره. ففي القرار 2983 الخاص بالصحراء الغربية، الصادر يوم 14 ديسمبر 1972م، تقول النقطة الثانية منه، أن الجمعية العامة، " تؤكد شرعية الكفاح الذي تخوضه الشعوب الخاضعة للاستعمار، وتؤكد تضامنها ومساندتها لشعب الصحراء الغربية في الكفاح الذي يخوض من أجل ممارسة حقه في تقرير المصير والاستقلال، وتطلب من كل الدول ان تقدم له الدعم المادي والمعنوي الضروري لهذا الكفاح."
إن الدعم الذي تقدمه الجزائر للشعب الصحراوي هو دعم شرعت الأمم المتحدة تقديمه لكل الحالات المشابهة لحالة الشعب الصحراوي في العالم، وقدمته لفلسطين وجنوب إفريقيا وناميبيا، والكثير من حركات التحرر الشرعية الأخرى. وإذا كان الدعم الذي تقدمه الجزائر شرعيا، بقرار من الأمم المتحدة، فإن الدعم والتدخل العلني والسري لفرنسا وأمريكا والكثير من الدول الأخرى للمغرب في ارتكابه جريمة حرمان شعب من حريته غير شرعي وظالم ويعاقب عليه القانون والضمير.
في سنة 1975م وبالضبط في شهر نوفمبر حين قررت الجزائر أن تحتضن اللاجئين الصحراويين الفارين من تحت الغزو قال بومدين كلمته المشهورة: " هذه قضية يجب إن يبت فيها الشعب الجزائري حتى لا تكون قضية نظام أو أشخاص، بل تكون قضية." وبالفعل خرج الجزائريون في كامل التراب الوطني الجزائري يدعمون دعم الصحراويين وإيواءهم ومؤازرتهم وهي شرعية غير قائمة على مصالح ولا على ضغط. ورغم تغير الظروف والمناخات والايدولوجيات ومرور السنوات لم تغير الجزائر موقفها من قضية الصحراء الغربية، وظلت ولا زالت تربطه بالوقت الذي يسمح فيه للشعب الصحراوي بفرصة يعبر فيها بحرية عن ما يري.