رِعْلة زوجة إسماعيل عليه السلام

رِعْلة زوجة إسماعيل عليه السلام

أوحى الله تعالى إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يأخذ هاجر وابنه إسماعيل إلى وادٍ لا زرع فيه في مكة المكرمة، فأخذهما وهناك تركهما وعاد وهو يدعو ربه ويقول: {ربنا إني أسكنتُ من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربّنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} [سورة إبراهيم].

وهناك عطشت هاجر ورضيعها ولم تجد الماء في هذا القفر، فأرسل الله جبريل عليه السلام فضرب الأرض بقدمه فظهر ينبوع ماء زمزم، فشربت وارتوت وأرضعت ولدها إسماعيل شاكرة ربها على فضله ورحمته.

ثم بدأت الطيور ترِدُ ذاك الماء وتحوم حوله، ومرّت قبيلة [جُرْهُم] العربية فرأوا الطيور حائمة حول الماء فاستدلوا بذلك على وجود الماء، فوصلوا ينبوع زمزم واستأذنوا أم إسماعيل أن يضربوا خيامهم حول ذلك المكان قريبا منه فأذنت لهم واستأنست بوجودهم حولها، ثم أخذ العمران يتكاثر ببركة ماء زمزم في تلك البقعة المباركة.

شبَّ إسماعيل عليه السلام بين قبيلة جرهم العربية وتعلم منهم العربية وترعرع بينهم، ولمّا أعجبهم سِيرتَه وخُلُقَه زوّجوه امرأة منهم يُقال لها صدى بنت سعد.

وكان سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام يعود من فلسطين إلى مكة فيزور ولده إسماعيل ويتفقد أحواله، وجاء يوما لزيارة ولده إسماعيل فسأل زوجته صدى عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألها عن عيشهم وهيأتهم، فقالت: نحن بِشَرٍّ، نحن في ضيق وشدّة، وأخذت تشكو إليه. فقال لها إبراهيم عليه السلام: إذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له ليغيّر عتبة بابه.
فلما جاء سيدنا إسماعيل سألها هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاء شيخ فسألنا عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنّا في جهد ومشقة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول: غيّر عتبة بابك.
قال: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك، فطلقها.

ومكث إسماعيل عليه السلام زمنا بعد أن فارق زوجته الأولى، ثم خطب رِعْلة بنت مضاض بن عمرو ثم تزوجها فانتقلت إلى بيته وحمدت الله على ما أنعم عليها بهذا الزوج المبارك.

ولبث سيدنا إبراهيم عليه السلام بعيدا عن مكة ثم أقبل ذات يومٍ لزيارة إسماعيل فلم يجده، فالتقى رِعْلة التي رحّبت به فسألها عن إسماعيل فأجابت: خرج يبتغي لنا من أرض الله، فقال لها : كيف أنتم؟ قالت: نحن في خير عيشٍ بحمد الله، انزل فاطعم واشرب فإنّ خير الله وافر كثير، عندئذٍ سألها إبراهيم عليه السلام عن الطعام وقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم. قال: فما شرابكم؟ قالت: اللبن والماء والحمد لله.

سُرَّ إبراهيم بكلامها ودعا لهما بالبركة، ثم التفت إليها وقال لها: إذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومُريه يثبت عتبة بابه فإنها صلاح المنزل، ورجع إبراهيم إلى بيت المقدس.

فلمّا عاد إسماعيل عليه السلام من صيده وجد ريح أبيه فقال لزوجته: إني لأجد ريحا طيّبا فهل جاءك أحد؟ قالت: نعم، زارنا شيخ حسن الوجه طيّب الرائحة شديد الهيبة جميل الهيئة، لطيف الحديث كريم الأخلاق تعلوه السكينة ويُجلله الوقار، وقد سألني عنك فأخبرته خبرك، وسألني عن عيشنا كيف هو فأخبرته أنّا نعيش بخير وفضل من الله فدعا لنا بالبركة.
قال إسماعيل: فهل أوصاكِ بشيء؟
قالت نعم، هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة دارك.
فقال إسماعيل عليه السلام مستبشرا: ذاك أبي وأنت العتبة، وإنّ أبي يأمرني أن أمسكك.

ويُروى أنّ رعلة ولدت لإسماعيل عليه السلام اثني عشر رجلاً صاروا زعماء في مكة وهم أولو قوّة ومَنَعة وتعلقت قلوبهم بالبيت العتيق.