التعريف بحالة الطوارئ
(2): هي نظام استثنائي محدد في الزمان والمكان لمواجهة ظروف طارئة وغير عادية
تهدد البلاد أو جزءاً منها وذلك بتدابير مستعجلة وطرق غير عادية في شروط
محددة ولحين زوال التهديد (3) .
يشكل مفهوم حالة
الطوارئ في بلادنا مفهوما معاصرا نسبياً. حث لم يكن لدى العثمانيين اللذين
كانوا يستعمرون البلاد قانوناً للطوارئ وإنما كانوا يطبقون الشريعة الإسلامية
وخاصة "مفهوم الفساد في الأرض" إذا حدثت متاعب أمنية داخلية أو أخطار خارجية.
أول قانون للطوارئ صدر في
سورية رقم / 400 / تاريخ 15 /5 / 1948 أي في نفس اليوم الذي أعلن فيه عن قيام
الكيان الصهيوني الدخيل، وبذات اليوم صدر القانون رقم / 401 / أعلنت بموجبه
حالة الطوارئ في البلاد لمدة ستة أشهر، وقد تضمن قانون الإعلان تحديد
التدابير والإجراءات التي تقتضيها حالة الحرب كمراقبة الرسائل ومنع تنقل
الأشخاص وإخلاء بعض العقارات وتنظيم الإعاشة والدفاع السلبي، وأجاز أيضاً
تشكيل " محاكم عسكرية خاصة " لمحاكمة مرتكبي هذه المخالفات (4).
ومن ثم تتالت القوانين
والمراسيم، التي تتعلق بالحالة، إلى أن استقر الأمر أخيراً بصدور المرسوم
التشريعي رقم / 51 / تاريخ 22 /12 /1962 تحت اسم " قانون الطوارئ" وهو
القانون النافذ حالياً.
وفقاً لأحكام المرسوم
التشريعي رقم / 148 / تاريخ 23 /10 / 1967، يتخذ مرسوم إعلان حالة الطوارئ،
بناءاً على اقتراح وزير الدفاع، في حالة الحرب والحالة التي تهدد بوقوعها،
وبناءاً على اقتراح وزير الداخلية في حالة الاضطرابات الداخلية والكوارث
العامة.
أسباب إعلان حالة الطوارئ:
حددت المواد الأولى من
قانون الطوارئ النافذ، أسباب إعلان حالة الطوارئ بالحالات الأربع التالية:
1- حالة الحرب.
2- الحالة التي تهدد
بوقوعها.
3- تعرض الأمن أو النظام
في أراضي الجمهورية أو في جزء منها للخطر بسبب حدوث اضطرابات داخلية.
4- وقوع كوارث عامة.
وقد تأرجحت حالة الطوارئ
في البلد، بين الإعلان والتقليص والإنهاء, طيلة الانقلابات العسكرية التي
تعرضت لها سورية، إلى أن أَنهيت بموجب المرسوم التشريعي رقم / 3276 / تاريخ
22 /12 / 1962 في جميع أنحاء البلاد، ماعدا المنطقة الغربية والمخافر
الحدودية – أي منطقتي القنيطرة وفيق – المجاورتين للأراضي الفلسطينية
المحتلة.
ولم يمض على حالة الإنهاء
هذه سوى شهرين وستة عشر يوماً، حتى فوجئ المواطنون، بإعلان حالة الطوارئ،
مجدداً بموجب الأمر العسكري رقم / 2 / تاريخ 8 / 3 / 1963، الصادر عن المجلس
الوطني لقيادة الثورة، والذي نص على التالي: (( إن المجلس الوطني لقيادة
الثورة يقرر ما يلي: تعلن حالة الطوارئ في جميع أنحاء الجمهورية العربية
السورية ابتداءً من 8/ 3 / 1963 وحتى إشعار آخر )).
ولا زالت حالة الطوارئ
مستمرة منذ ذلك التاريخ وحتى الآن، أي منذ أكثر من أربعين عاماً لم يتحقق
خلالها " الإشعار الآخر " الذي ينهي الحالة، ويعيد الأوضاع إلى طبيعتها
والأحوال إلى مساراتها العادية.
ماذا جرى يوم 8 / 3 / 1963 في سورية وتحديداً في مدينة
دمشّق ( العاصمة) ؟
قامت بعض القوات المسلحة
بانقلاب عسكري، فأصدرت (( البلاغ رقم / 1 / ))، منعت فيه التجول وأعلنت
بالأمر العسكري رقم / 2 / حالة الطوارئ. تمكنت تلك القوات، في الساعات
الأولى، من العملية الانقلابية من السيطرة على الإذاعة، ورئاسة الأركان،
فاستتب الأمن وتحققت السيطرة وتمكنت من كامل السلطة.
في اليوم التالي أي 9 /3
/ 1963 سُميت الرئاسة و شُكّلت الوزارة، وعادت الحياة إلى طبيعتها، والغي"
البلاغ رقم / 1 / " ولكن " الأمر رقم / 2 / " بقي قائماً ولازال بالرغم من
زوال أسبابه.
يشوب إعلان حالة الطوارئ
في الجمهورية وفق السياق السابق مجموعة من المطاعن:
أولاً – دولياً: في التشريعات الدولية،
المتعلقة بهذا الموضوع، يرد دائماً نص يؤكد على ضرورة وأهمية تحديد الحالة في
المكان والزمان، وتقيد بشروط حازمة، للحد من العسف التي قد تمارسه السلطات
العرفية أو التنفيذية أو الإدارية، إزاء هذه الحالة، تحت طائلة البطلان
وفقدان المشروعية، والخضوع للمساءلة القانونية والمحاسبة القضائية، لأن حالة
الطوارئ حالة استثنائية وتشكل خطراً جدياً على حريات المواطنين وكرامتهم.
فرنسا مثالاً:
استحدث المشرع الفرنسي،
تحت وطأة أحداث الجزائر، ما أسماه " حالة الاستعجال "، بقانون خاص أصدره
بتاريخ 4 نيسان 1955، تضمن إقامة نظام استثنائي، يخول " السلطة المدنية "
سلطات واسعة، لفرض قيود على الحريات العامة.
وهذه الحالة لا تفرض إلا
بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء, لمواجهة خطر داهم ناشىْ عن اعتداءات خطيرة على
النظام العام, أو أحداث مفاجئة تبلغ خطورتها حد الكارثة العامة.
وإذا أعلنت حالة
الاستعجال, يتولى وزير الداخلية والمحافظون زمام الأمور، ويصدرون التعليمات
الآمرة تحت طائلة عقوبة الحبس لمدة تتراوح بين 8 أيام وشهرين, وغرامة
مالية.....
والمدة التي يجيزها
القانون، لحالة الاستعجال هي اثنا عشر يوماً, فإذا أرادت السلطة المختصة
تمديدها، وجب عليها عرض الأمر على مجلس الوزراء، لإصدار قانون بها حسب الطرق
الدستورية المتبعة. يبقي هذا تشريع السلطة المدنية على حالها, ويعطي الحكومة
إمكانية مواجهة المواقف الطارئة بالسرعة والحزم المناسبين, دون إقحام السلطات
العسكرية أو الأمنية أو العرفية. (5)
ثانياً – محلياً:
أ- من الناحية القانونية: كما ورد آنفاً أعلنت حالة الطوارئ في
جميع أراضي الجمهورية، في ظل أحكام المرسوم التشريعي رقم / 51 / لعام 1962،
أي يجب أن يندرج الإعلان وحالته تحت أحكام المرسوم المذكور، من جميع النواحي
الشكلية والموضوعية والتنفيذية ( الإجرائية ).
ومن خلال استعراض نصوص
المرسوم الناظم، ومقارنته بما جرى فعلاً نجد الثغرات التالية:
1- رسمت الفقرة / أ / من
المادة / 2 / آلية إعلان حالة الطوارئ ( وسيلةً ومصدراً وطريقةً ):
" تعلن حالة الطوارئ
بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية وبأكثرية ثلثي
أعضائه على أن يعرض على مجلس النواب في أول اجتماع له ".
في حالتنا نحن لا نجد أي
التزام بهذا النص: أمر عسكري بدلاً من مرسوم, مجلس وطني لقيادة الثورة بدلاً
من مجلس الوزراء.. ، عدم عرضه على مجلس النواب ( الشعب ) لا في أول اجتماع
له، ولا في الاجتماعات التالية.
2- حددت الفقرة / ب / من
المادة / 2 / مضمون مرسوم إعلان حالة الطوارئ:
" يحدد المرسوم القيود
والتدابير التي يجوز للحاكم العرفي اتخاذها والمنصوص عليها في المادة الرابعة
من هذا المرسوم التشريعي دون الإخلال بالمادة الخامسة منه "
القيود والتدابير الواردة
في المادة الرابعة:
1ً- مراقبة الرسائل
والصحف والنشرات والمؤلفات وجميع وسائل التعبير, قبل نشرها.
2ً- إخلاء بعض المناطق أو
عزلها.
3ً- تحديد مواعيد فتح
الأماكن العامة وإغلاقها.
4ً- الاستيلاء على أي
عقار أو منقول وفرض الحراسة المؤقتة على الشركات والمؤسسات........
5ً-وضع قيود على حرية
الأشخاص في الاجتماع والإقامة والتنقل والمرور في أماكن أو أوقات معينة,
وتوقيف المشتبه بهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام توقيفاً احتياطياً،
والإجازة في تحري الأشخاص والأماكن في أي وقت, وتكليف أي شخص بتأدية أي عمل
من الأعمال...."
وبموجب المادة الخامسة
يحق لمجلس الوزراء، توسيع دائرة هذه القيود بمرسوم يعرض على مجلس النواب.
ولكن بعد الإمعان فيما
يمكن اتخاذه من تدابير وقيود توسعية، لا نجد شيئاً قد بقي خارج حدود هذه
القيود والتدابير المثيرة للجدل.
- يتزايد إحساسنا بفداحة
هذه التدابير من خلال المقارنة الآتية:
المادة التاسعة من قانون
الطوارئ الفرنسي الصادر بتاريخ 3 نيسان 1878 (في القرن التاسع عشر أو منذ 125
عام) حددت التدابير التي يحق للإدارة الفرنسية اتخاذها أثناء حالة الطوارئ
وهي أربعة فقط:
1- تفتيش المنازل ليلاً
أو نهاراً.
2- مصادرة الأسلحة
والذخائر.
3- منع المنشورات
والنشرات قبل عرضها على رقابة السلطة.
4- تحديد إقامة من سبق
الحكم عليهم جزائياً.... وإبعاد الخطرين على النظام العام........
نلاحظ عدم وجود تدبير
الحبس أو التوقيف الاحتياطي بين التدابير التي أجازها المشرع الفرنسي، وحسناً
فعل، لأن في ذلك صون لحرية وكرامة المواطن والإنسان من كل عبث محتمل بل
ومؤكد.
بالرغم من مخالفة الأمر
العسكري رقم / 2 / لأحكام الفقرة / أ / من المادة / 2 /، أمعن أيضاً في
مخالفة الفقرة / ب/ من نفس المادة، ولم يحدد القيود والتدابير التي يجوز
للحاكم العرفي أن يتخذها، وبذلك أطلق يده ومن بعده نائبه أو نوابه ( الرسميين
والفعليين )، واستباح المجتمع والسياسة من خلال الصلاحيات العرفية اللامحدودة
.
ب – من الناحية العملية: الممارسات العملية
والفعلية، نسفت قانون الطوارئ ( على قسوته )، من أساسه، ولم تأخذه بأي
اعتبار، بل اعتبرته وكأنه لم يكن, وغير موجود, ولا أدل على ذلك سوى الحقائق
التالية وهي على سبيل المثال لا الحصر:
1- حددت الفقرة / ز / من
المادة / 4 / العقوبات التي تفرض على مخالفة الأوامر العرفية " على أن لا
تزيد على الحبس مدة ثلاث سنوات وعلى الغرامة حتى ثلاثة آلاف ليرة أو إحداها،
وإذا لم يحدد الأمرُ العقوبةَ على مخالفة أحكامه فيعاقب المخالف بالحبس مدة
لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تزيد عن خمسمائة ليرة أو بإحدى هاتين
العقوبتين...."
في الواقع بلغت العقوبات
العرفية أضعاف أضعاف العقوبات المحددة في الفقرة / ز/ أعلاه....
2-انتشرت السجون
والمعتقلات العرفية، على مجموع الساحة الوطنية (جغرافياً وديموغرافياً)، إلى
درجة أن عدد المعتقلين عرفياً، بات من غير الممكن حصره، وإلى درجة أن
الاعتقال العرفي صار عاماً، والتوقيف العادي صار استثناءً. وطالما أتينا
بالمثل الفرنسي، للمقارنة في قانون الطوارئ و آليات تنفيذه، ففي هذا السياق
الـ " السلطة الإدارية الفرنسية ممنوعة من حبس أحد احتياطياً إلا بموجب أحكام
قانون الإجراءات الجزائية, أي لمدة 24 ساعة في الجرائم العادية و48 ساعة في
جرائم أمن الدولة..... ومن الضروري أن نشير خاصة إلى أن مدة الحبس الاحتياطي
غير محدودة عندنا, لذلك يحدث أن يمتد مدة طويلة جداً بمجرد صدور أمر عرفي,
دون رقابة من القضاء عليه, ولا مرجع قضائي أو إداري يتشكى المتضرر إليه، وقد
حدث أن المحاكم القضائية أصدرت أحكامها ببراءة بعض المتهمين, غير أنهم ظلوا
موقوفين على ذمة قانون الطوارئ, دون تهمة" (6)
3- انتشار المحاكم
الاستثنائية وتفعيلها، إلى الحد الذي وقف فيه المواطنون أمام محاكم لا يعرفون
اسمها أو أسماء أعضائها وصفاتهم، مثل ( محاكم سجن تدمر )، يقفون مجردين من حق
الدفاع والطعن وحق المواطنة، ويتم تنفيذ أحكام تلك المحاكم مباشرة في نفس يوم
صدور الحكم، أو في اليوم الذي يليه على أبعد حد.
" يمكن القول أن المجلس
العدلي الذي ألفه جمال باشا (السفاح), لمحاكمة زعماء الثورة العربية, وصدرت
أحكام بإعدام عدد منهم, يعتبر أول محاولة في مناطقنا للقضاء الاستثنائي" ( 7
)
ج- من الناحية الدستورية:
نصت المادة / 101 / من
الدستور الحالي على ما يلي:
"يُعلن رئيس الجمهورية
حالة الطوارئ ويلغيها على الوجه المبين في القانون", أي قانون الطوارئ الصادر
بالمرسوم التشريعي رقم / 51 / لعام 1962 الذي لم يجر استبداله أو تعديله،
ولازال نافذاً منذ صدوره وحتى تاريخه.
طبعاً لم تُعمل هذه
المادة، وإنما ظلت الحالة سارية بناء على الأمر العسكري رقم / 2 /، ولم يتدخل
مجلس الشعب في هذا الشأن ولم يتعرض له بتاتاً، لأسباب معلومة تماماً من كافة
المواطنين، لذلك لا حاجة للتطرق إلى تلك الأسباب أو الخوض فيها، ولكن لابد من
الإشارة إلى بعض التجاوزات الدستورية:
نصت الفقرة / 2 / من
المادة / 25 / من الدستور على أن:
" سيادة القانون مبدأ
أساسي في المجتمع والدولة " وإهدار قانون الطوارئ بالطريقة التي تم بها فيه
إهدار موازٍ لهذا المبدأ الدستوري الهام الذي تتجلى المشروعية من خلاله.
- قلبت الممارسات الفعلية
المبدأ الدستوري الوارد في الفقرة / 1 / من المادة / 28 /:
" كل متهم بريء حتى يُدان
بحكم قضائي مبرم " رأساً على عقب، بأن جعلت كل مواطن متهم حتى يثبت العكس،
ونلمس خطورة هذه الحالة عندما نفتقد ( كلياً أو جزئياً ) وسائل إثبات
البراءة، أو عندما لا يتمكن أحد من البوح ببراءتنا.
- حلت السلطات العرفية
المطلقة – عبر الأجهزة الأمنية والمخابراتية – محل كافة السلطات الأخرى (
التشريعية والتنفيذية والقضائية )، وبذلك عُلّقت كافة الأنظمة الدستورية
والقانونية والحقوقية، ولذلك ندد مؤتمر المحامين العرب الخامس عشر في الخرطوم
1986 والسادس عشر في الكويت عام 1987 بقوانين الطوارئ " التي جاءت أكثر غلظة
وأكثر تقييداً لحقوق الإنسان من تلك التي كان يواجه بها المستعمر الانتفاضة
العربية من أجل الاستقلال " (8).
مما تقدم يتبين لنا أننا
ومنذ أكثر من أربعين عاماً نعيش حالة طوارئ مخالفة للقانون ومخالفة للدستور،
الأمر الذي شكّل عدواناً صارخاً على حقوق المواطنين وحرياتهم وكرامتهم،
وعدوانا صارخا على ماهية الدولة نفسها،
فمن كان يجرؤ على الكلام
؟ لا أحد .
ومن تجرأ غاب في المتاهات
العرفية وسراديبها ومنهم لازال غائباً.
ولكن الآن لابد من الكلام
فقد آن الأوان. (9)