ليس هناك من شك في أن ظاهرة الجريمة والمخالفة، تعد من اخطر الظواهر الاجتماعية التي تهدد الكيان البشري في أمنه، واستقراره، بل وحياته.
وانطلاقاً من الخطورة التي تتسم بها هذه الظاهرة تجد علماء القانون، وعلماء النفس يولون هذه الظاهرة اهتماماً منقطع النظير من حيث الدراسة حتى تمخضت هذه الدراسات عن نشوء علم مستقل باسم علم الاجرام (criminologie)، وإن كان هذا العلم (بالمعنى الفني للكلمة علماً حديث النشأة شأنه في ذلك شأن العلوم المتصلة بدراسة الإنسان، التي لم تتطور إلا بتطور المنهج العلمي التجريبي في دراسة الظواهر الاجتماعية والبحث في حقائق الحياة)(1). لقد اصبح لهذا العلم قواعده الخاصة به، والتي تتصف بالعمومية التي يمكن اعادة الجزئيات إليها - على الرغم من بعض الجدل المحتدم حول اعتباره علماً -، كما اصبح من العلوم التي تدرس بشكل منتظم في جامعات العالم وقد عرف علم الاجرام بأنه: (ذلك الفرع من العلوم الجنائية الذي يبحث في الجريمة باعتبارها ظاهرة في حياة الفرد، وفي حياة المجتمع، لتحديد وتفسير العوامل التي أدت إلى ارتكابها)(2). لكن الأمر الذي يؤسف له هو أن موضوعاً كهذا لم يجد له مكاناً بين كتابات، ودراسات الباحثين الاسلاميين، وإن وجد ذلك فإنما هو على مستوىً ومقدار ضئيل جداً لا يتناسب مع خطورة ظاهرة الإجرام وانعكاساتها السلبية على المجتمع.
لقد أدلى فقهاء القانون، وعلماء النفس بدلائهم في غمار هذا العلم وأسسوا النظريات في عوامل السلوك الاجرامي لدى الإنسان كما سيأتي ذكره، ولكن هل اهمل الدين الإسلامي، أو خلت تعاليمه من تفسير ظاهرة السلوك الاجرامي، بحيث لاقى هذا الفرع من فروع العلم الإهمال الذي يعيشه أم أن القضية تعود إلى الباحثين الاسلاميين انفسهم، وتخضع لاعتباراتهم في انتقاء الموضوعات؟