الدليل الأول : قوله تعالى : " وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وقلوبهن " ( الأحزاب )
الدليل الثاني : حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ قَالَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ " متفق عليه .
الدليل الثالث : حديث أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ " أخرجه أبو داود وغيره وإسناده حسن بمجموع طرقه كما قال الألباني في الصحيحة .
الدليل الرابع : حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ " أخرجه الترمذي بسند صحيح .
الدليل الخامس : حديث ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ . قَالَ نَافِعٌ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ " أخرجه أبو داود بسند صحيح .
الدليل السادس : حديثُ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ " قَالَ ابْنُ شِهَابٍ ( وهو الزهري ) فَأُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنِ انْصَرَفَ مِنَ الْقَوْمِ . أخرجه البخاري .
وفي رواية له تعليقاً بصيغة الجزم أنها قَالَتْ : " كَانَ يُسَلِّمُ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ فَيَدْخُلْنَ بُيُوتَهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْصَرِفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
وروايةُ النَّسائي وسندُها جيد : " إنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ إِذَا سَلَّمْنَ مِنَ الصَّلَاةِ قُمْنَ وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ صَلَّى مِنَ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ الرِّجَالُ " .
فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن دخول الرجال على النساء .
وفي المسجد لا يجوز للمرأة أن تؤم الرجال ، و لا تؤذنَ لهم ، ولا تقيم .
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم صفوف الرجال في الأمام ، وصفوف النساء في الخلف ، ونظم الخروج من المسجد ؛ يخرج النساء أولاً بعد السلام مباشرة قبل قيام الإمام ، وما كان الناس يقومون حتى يقوم النبي صلى الله عليه وسلم ، بل كان النساء ينصرفن فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولما حصل الاختلاط مرة في الطريق نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، وبين كيف يكون الحال إذا تقابل رجال ونساء في الطريق : أن النساء يكون لهن حافات الطريق . وخصص عليه الصلاة والسلام باباً للنساء في المسجد.
و لاحظ أن هذا كان في الإتيان إلى المساجد ، وفي زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة ، والنساء في غاية الحشمة والحجاب .
فهذه أدلة ظاهرة على حرمة الاختلاط لمن تجرد في ابتغاء الحق . أما أصحاب الأهواء فلا يقنعهم شيء .
ويَرِدُ على بعض العامة بشأن الاختلاط شبهتان :
الشبهة الأولى : أن الطواف بالبيت مختلط .
والجواب عن هذه الشبهة : أن الاختلاطَ الواقعَ اليوم في الطوافِ غيرُ جائز .
و الطواف بالبيت لم يكن مختلطاً زمنَ النبي صلى الله عليه وسلم . فالنساء يطفن وحدهن دون الرجال . كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : " كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات ، فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه " . أخرجه أحمد وأبو داود وسنده حسن . وهذا ظاهر في أن النساءَ في مناسك الحج كنَّ على هيئةِ الجماعة بعيدات عن الرجال .
وقد حصل شيء من الاختلاط بعد النبي صلى الله عليه وسلم فأنكره الخليفة . قال ابن حجر : " روى الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال : نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء ، قال : فرأى رجلاً معهن فضربه بالدَرَّة ".
و سُئل عطاءُ ابنُ أبي رباح ـ التابعيُ الثقة ـ عن اختلاطِ نساءِ النبي صلى الله عليه وسلم بالرجال في الطواف فقال : " لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ " أخرجه البخاري ح1618. وهل أصرح من هذا الجواب . ومعنى حجرة : أي معتزلة في ناحية .
أما الواقع فالواجب إصلاحه بما أمدنا الله جل وعلا من وسائل وإمكانات .
والشبهة الثانية التي تروجُ على بعضِ العامة في جوازِ الاختلاط : مداواةُ النساء للجرحى من الرجال في الجهاد في سبيل الله زمن النبي صلى الله عليه وسلم .
والجواب عن هذه الشبهة يسير جداً : فإن المداواة هنا للضرورة ، أما الرجال فالجيش بأمس الحاجة إليهم في قتال الكفار .
قال ابنُ حجر في الفتحِ تعليقاً على حديث مداواة الجرحى : " وفيه جوازُ معالجةِ المرأةِ الأجنبيةِ الرجلَ الأجنبيَ للضرورة . قال ابن بطال : ويختص ذلك بذوات المحارم ، ثم بالمُتجالات منهن ( وهن كبيرات السن اللواتي لا يحتجبن كالشابات ) لأن موضعَ الجرحِ لا يُلتَذُّ بلُمسه ، بل يَقشعر منه الجلد ، فإن دعت الضرورة لغير المتجالات فليكن بغير مباشرة ، ولا مس " اهـ كلامُ ابنِ بطال نقلاً عن الفتح .
فانظر إلى فهمِ العلماء وقيودِهم .
و هل نحنُ إلى هذه الدرجةِ من السذاجةِ حتى نستدلَّ بِمُداواةِ الجرحى للضرورة ، على جواز الاختلاط في الاجتماعات والندوات ، والسكرتارية ، وفي كل ميادين التطبيب والتمريض بلا ضرورة أو حاجة ملحة
تقبلو تحيات//أخوكم إبراهيم