كامل الشيرازي من الجزائر:
يأخذ الزواج في الجزائر خواصا متعددة وتتعدد تقاليده تبعا للتنوع الثقافي
والإثني الذي يطبع مختلف مناطق البلاد، كما تختلف ترتيبات الزواج والمهر
والخطوبة والأزياء بحسب طوائف الأمازيغ والميزابيين والشاوية والطوارق
وغيرهم، "إيلاف" تستعرض طقوسيات الزواج في الجزائر.ذبح جدي على العتبة
تتميز منطقة
القبائل الكبرى (100 كلم شرق الجزائر) بنوع فريد من أنواع الزواج يدعى
"زواج الجدي"، وجرى العرف في المناطق التي يقطنها الأمازيغ البربر، على
أنّ عقد الزواج لا يكتمل إلا بذبح جدي يسال دمه على عتبة باب بيت الزوجية،
حتى وإن كانت هناك بعض الشروط لم يتم الاتفاق عليها، وإذا لم يتم هذا
الإجراء لا يعد الزواج مكتملاً. فإذا تقدم رجل للزواج من فتاة ولم يجد
استجابة من أهلها عمد إلى استغلال هذا العرف السائد لإتمام الزواج،
والراغب في الزواج - ومعه أصدقاؤه - يبذلون كل ما في وسعهم للاقتراب خفية
من بيت الفتاة التي يرغب في الزواج منها آخذين معهم "جدياً" وينتهزون
الفرصة المناسبة للاندفاع نحو مدخل البيت حيث يقومون بذبح الجدي، وبمجرد
أن يسيل دم الجدي على عتبة الباب يعد الزواج منعقداً.
المصاهرة على الطريقة الميزابية
تـأخذ تقاليد
الزواج في منطقة ميزاب (700 كلم جنوب)، أنماطا مغايرا لها أعرافها
وتبايناتها عبر قراها الخمس الأساسية:"غرداية"، "القرارة"، "بريان"،
"العطف"، و"بني يزقن"، نمطا خاصا التي يتقيّد بها أهالي الناحية، وتقتصر
المصاهرة بين أبناء المنطقة الذين يتبعون المذهب الإباضي، حيث لا يتم
الزواج إلا بين عائلات من عشيرة واحدة، يلتقي نسبها في جد واحد، ويعتبرون
أن الزواج يكون غير صحيح إذا كان أحد طرفي الزواج من غير أهل المنطقة،
ويشار إلى أنّ التقرب إلى نسائهم أو رؤيتهن هو ضرب من المستحيل. وتتميز
أعراس وادي ميزاب ببساطة لا متناهية، فلا مكان لمظاهر الفرح الصاخبة من
غناء ورقص، كما يحضر حفل الزفاف عدد محدود جداً من المدعوين والنساء
والأقارب المقرّبين من العائلة، والملاحظ أنّ العروس ترتدي في يوم زفافها
رداء ميزابي يدعى "تيملحفت" يتميز بألوانه المزركشة المخلوطة بين اللونان
الأخضر والأصفر ويتصف بمنمنمات هندسية صغيرة، كما لا تلجأ العروس إلى
مصفّف الشعر، بل تقوم بعض السيدات المتخصصات بتزيين العروس في يوم عرسها،
وهنّ يتوارثن هذه المهنة جيل بعد جيل، وتعرف باسم "التية"، ويعرفن ما يليق
للمرأة الميزابية من تسريحة وحلّي وزينة، وذلك يتم بقليل من "الكحل"
والسواك، وهي تقوم بتزيين العروس لمدة سبعة أيام كاملة، ترافق خلالها
العروس في مأكلها ومشربها قبل زفافها إلى زوجها وعادة ما تتقاضى "التية"
مبلغاً مالياً متواضعاً مقابل الخدمات التي تقدمها للعروس تبعاً للمستوى
الاجتماعي لأسرتها.
وتراعي
العروس الميزابية الاعتدال في وضع الحلي التي يشترط أن تكون من الذهب
يمنحا إياها العريس دون تحديد مسبق لنوعية الطقم أو وزنه أو تعدد أجزائه
وتسمى مجموعة الحلي الذهبية عندهم باسم "سرّمية"، كما يتعيّن للعروس أن
تضع "الخلخال" في ساقيها ويشترط أن يكون من معدن الفضة الخالصة كرمز
للصفاء والنقاء. من جانبه، يطالب العريس الميزابي، بدفع مهر لعائلة عروسه،
ويخضع هذا المهر لنظام عرفي يطلق عليه "نظام العزابة" و"العزاب" هو الرجل
الذي اعتزل العوائق الدنيوية وعزب عن الملذات "أي امتنع عنها"، وطلب العلم
وسيّر أهل الخير وحافظ عليها وعمل بها.
ويقوم
"نظام العزابة" وهو نظام ديني واجتماعي وتربوي أسّسه الشيخ أبي عبد الله
محمد بن بكر مطلع القرن الخامس الهجري، يقوم بتنفيذ تعاليم هذا النظام
بإشراف مجلس يضمّ أعيان المدينة من مهامه رعاية المصالح الاجتماعية
للمجتمع، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويسهر على حل المشاكل والخصومات
بين الناس ويحارب الآفات الاجتماعية ويشرف على الأسواق وحراسة البلدة إذا
اقتضت الضرورة الأمنية ذلك، كما يتكفل هذا المجلس بتخفيف العبء المادي عن
الشاب الميزابي من حيث تحديد حجم المهر والصداق وتكاليف العرس الذي لا
يجوز أن تتعدى الحد المسموح به عرفا.
ويرتدي
العريس "بذلة الزفاف" التي يتوارثها عن أجداده وهي تتكون من سروال
"الدوّالة"، الذي يتخذ شكلاً مدوّراً ما بين الفخذين ينتهي في الأسفل بنفس
شكل السروال العصري، وتعلوه "كشكشات" رفيعة على مستوى الخصر، وفوق
"الدوّالة" يضع العريس الميزابي ما يسمى ـ "أحولي" وهو نوع من الأردية
المصنوع من القطن الرفيع يشترط أن يكون ناصع البياض كرمز للصفاء والنقاء،
ويضع كذلك "العقال" فوق رأسه كرمز لرجولته، وهذا العقال غاليا ما يكون
مصنوعا من الحرير. عرس الزفاف في منطقة ميزاب ينطوي على مائدة ضخمة
للضيوف، تتألف من طبق رئيسي هو طبق "العادة" الذي يبقى سيد مائدة أعراس
الزفاف في وادي ميزاب، ويتشكل طبق "العادة" من الكسكسي المدهون بالسمن
المحلي الفاخر ويمزج بالزبيب، ويزين بأبراج البيض المسلوق، ويرافق طبق
"العادة" طبق آخر يتشكل أساساً من سبع شرائح عجينية بمقدار يتوسط كل شريحة
وأخرى خليط من الفلفل الأخضر والأحمر والطماطم المشوية التي يخفق فوقها
صفار البيض حتى يتماسك الخليط وتقدم هذه الوجبة مع قطع الليمون. ويتم
إحياء حفل الزواج الميزابي عن طريق حفلة تقيمها المجموعة الصوتية
الميزابية وهي فرقة هاوية يستخدم أعضائها مختلف آلات الطبل، ويؤدون
الأناشيد والمدائح الدينية.
أحفاد الزيانيين وحكاية المهر الغالي
تنفرد عاصمة
الزيانيين منطقة تلمسان (800 كلم غرب) بطابعها الأسري الخاص، حيث يشكّل
أحفاد الزيانيين عائلة واحدة مترابطة، ويتزاوجون فيما بينهم كما على منوال
بني ميزاب، وإن كان هذا التقليد بدأ يتقلص عندما سمح بتزويج التلمسانيات
من غير الأقارب ، بل من غير أبناء البلد ممن يعملون في المدينة. ويشتهر
أبناء تلمسان بإعطائهم الأولوية في المصاهرة لابن العم ثم ابن الخال
فالقريب ليأتي ابن نفس البلد، واللافت ، إنّ الفتاة هناك لا تكاد تبلغ
الرابعة عشرة من عمرها حتى تبدأ في صنع جهاز زواجها بيدها على ماكينة
الخياطة، ويطلق على هذا الجهاز محليا اصطلاح "القش" تشبيها للفتاة
بالعصفورة التي تصنع عشها بنفسها.
وبنات تلمسان
هن أغلى بنات الجزائر مهراً، وترتدين يوم زفافهنّ حليا من الذهب الخالص،
وتضعنّ على رؤوسهنّ وآذانهنّ وحول جيدهنّ عشرات الأدوار من عقود اللؤلؤ
الطبيعي وذلك بالاقتراض من الأهل والجيران. وتبدأ ليالي الأفراح في
تلمسان، بالموشحات الأندلسية التي تتغزل في العروس وتصف الطبيعة، حيث إن
منطقة تلمسان كانت ملتقى الهجرات من كل مكان وخاصة هجرات أهل الأندلس.
العروس لا ترى سوى مرة في وهران
في عاصمة
الغرب الجزائري "وهران الباهية" لا يتسنى للعريس بحسب العرف السائد هناك،
رؤية عروسه مرة واحدة مع أهله عند الخطبة، وفي صباح اليوم التالي يصحبها
مع العائلة لتوثيق عقد الزواج. وبعد العودة يقيم أهل العريس وليمة يدعى
إليها الأقارب والأصدقاء. وفي المساء يقضي العريس سهرة حميمية مع أصحابه
ويبيت معهم، وبعد ظهر اليوم الموالي، يرتدي العريس ملابس مزينة مبهرجة
الألوان، ليصحب عروسه في حين ينشغل الأهل والأصدقاء في الطرب والتمتع بما
لذ وطاب من الطعام.
زواج الربع دينار !
الارتباط
على مذهب الولّي الصالح سيدي معمّر السائد شمال الجزائر، يطلق عليه (زواج
الربع دينار)، ويشتهر هذا النوع من الارتباط بما ينطوي عليه من تيسير وفتح
أبواب الزواج للمعوزين والفقراء بمدينة شرشال ( 120 كلم غرب الجزائر)،
ويعدّ الزواج في مدينة شرشال على طريقة سيدي معمّر مجانا ولا يكلف مثقال
دينار، المهم هو إكمال نصف الدين ووقاية المجتمع من الفساد الأخلاقي وصون
تماسكه. والزواج المعمري هو نمط تقليدي معروف في الجزائر بزواج الربع
دينار(بالعامية الربعا دورو)، وهو منسوب لولي صالح يدعى"معمر أبو العالية"
الذي يرجع نسبه للصحابي الجليل" أبو بكر الصديق رضي الله عنه"، ومهر
المرأة في عرف سيدي معمّر عبارة عن قطعة من الذهب لا غير، أي ما يعادل في
أيامنا هذه 4 سنتيمات، هذا في الوقت الذي تشهد فيه مناطق أخرى من الجزائر
غلاء فاحشا في المهور جعل الشباب ينفرون من الزواج، هذا فذلا عن أزمة
السكن الخانقة وتراجع القدرة الشرائية للجزائريين بشكل أصبح الشباب ينظر
إلى الزواج وكأنه حبل مشنقة سيلتف حول عنقه.
وإذا كان التقليد
المعمول به في أغلب مناطق الجزائر في مجال الزواج يقضي بان يقد الخطيب
لخطيبته مجموعة من الهدايا في المناسبات الدينية كالعيدين، المولد النبوي
الشريف، عاشوراء، حيث يذهب رفقة أهله إلى بيت خطيبته ويقدم لها تلك
الهدايا، فان الأمر في عرف سيدي معمّر يختلف من حيث أنّ الخطيب يشتري
هدايا وحلويات لخطيبته غير انه لا يسلمها لها في المناسبات والأعياد
الدينية، فقط يرسلها إليها لتلقي عليها نظرة رفقة أهلها، ثم تعيدها إليه
ليحتفظ بها إلى غاية يوم الزفاف، لكن سكان شرشال أكدوا لنا ان هذه العادة
بدأت تتراجع في أيامنا هذه.
وترتدي
العروس ملابس خاصة بالزفاف كالملحفة المكونة من قطع من القماش مربوطة
ببعضها البعض ويشترط فيها أن تكون ذات لون احمر وابيض، كما يشترط أيضا أن
تتولى امرأة عجوز إلباسها للعروس. ويقوم أهل العريس بإرسال العشاء و كمية
من الدقيق وخروف أو كبش، خضر وفواكه إلى أهل العريس، أي أربعة أيام من
قبل.
ويوم الزفاف في عرف سيدي معمّر هو يوم الأربعاء حيث ترتدي
العروس في هذا اليوم قطع من القماش ابيض واحمر غير مخيّط، تضم إلى بعضها
البعض بخيط من الصوف، كما يشترط أيضا أن يهدى هذا اللباس إلى العروس من
قبل احد الأقارب يشترط فيه أن يكون من أتباع طريقة سيدي معمّر.
أما الحزام
الذي يشّد به على وسط المرأة يجب أن يسبّع سبع مرات حولها بالإضافة إلى
قراءة بعض القراءات أو التعاويذ، كما يمنع على العروسة في هذا العرف أن
تتجمّل أو أن تضع بعض المساحيق أو شيئا من مواد التجميل، ويمنع عليها أيضا
وضع خاتم أو الحلي و المجوهرات، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فان الملابس
الزائدة من الإزار والملفوفة حول صدرها بشكل يتشكل معه كيس توضع به كميات
من الحلوى، التين، اللوز، حيث تلقي بها العروسة إلى الحضور من الضيوف الذي
ينتظرون خارج البيت الذين يسارعون إلى التقاط هذه الحلوى بل ويتهافتون
عليها بشكل مدهش وكأنهم يرونها لأول مرة دون أن يجدوا لذلك تفسيرا.
وقبل
أن تخرج العروسة من بيت أهلها يؤتى بجلد خروف يوضع على الأرض بشكل مقلوب
توضع فوقه قصعة (جفنة) ثم تجلس فوقها العروسة لكي تربط لها القواعد من
النساء الحناء في يديها ورجليها، كما يشترط أن تخرج من بيت أبيها إلى بيت
زوجها حافية القدمين و بالموازاة مع ذلك يتم إشعال الشموع. والمثير في حفل
الزفاف على طريقة سيدي معمر عكس ما هو به معمول اليوم في مختلف أنحاء
الجزائر حيث يتوجه موكب السيارات الفخمة و من أحدث طراز وتكون في غالب
الأحيان إما سيارة من نوع "مرسيدس" أو "بي أم دابليو" أو "رباعية الدفع"
أو "الطوارق" إلى بيت العروس لأخذ العروس إلى بيت زوجها وسط زغاريد النسوة
والأغاني وفرقة (الزرنة) نسبة إلى آلة مصنوعة من جلد الماعز تعزف بها أشهر
فرق الموسيقى الفلكلورية في الجزائر بالإضافة إلى آلات التصوير وكاميرات
الفيديو لتصوير هذا اليوم المشهود في حياة كل رجل وامرأة، غير أنّ الأمر
يختلف في عرف سيدي معمّر إذ يشترط أن تخرج العروسة من بيت أهلها على ظهر
فرس والناس من ورائها يتبعونها، وعندما يأتي أهل العريس لمرافقة العروسة
إلى بيت زوجها لا يقدم لهم أي شيء من المشروبات والحلويات كما جرت عليه
العادة في أنحاء أخرى من الجزائر، كما لا يتبادل أهل العريسين الهدايا ولا
الأكل في فترة الخطوبة.
وفي صبيحة
العرس يؤتى إلى العروس برحى حيث تقوم برحي ما يعرف في الجزائر بـ
"الدشيشة" وهي عبارة عن قمح مطحون ثم تقوم بطبخها ليفطر عليها الجميع في
صبيحة العرس، علما أنّه ينبغي على العروس أن تبقى مرتدية لباس سيدي معمّر،
أي اللباس الأبيض والأحمر، وبدون مساحيق أو تجميل ولا حلي أو مجوهرات،
بالإضافة إلى أنها تقضي الليل في بيت حماها وهذا يوم الأربعاء، حيث تنام
على الأرض !. وإذا حدث وتزوج رجل من أتباع طريقة سيدي معمّر مع امرأة من
خارج الطريقة، في هذه الحالة، فإنها وبمجرد أن تضع حناء في يديها ورجليها،
فإنها تلتحق بهذه الطريقة مباشرة وتصبح من أتباع سيدي معمّر.
كما يعدّ
الزواج على طريقة (سيدي معمّر) سهلا وميسّرا على الراغبين في إتمام نصف
دينهم من الشبان والشابات شريطة أن يتبعوا العرف الذي أسسه هذا الشيخ
والقائم على تيسير الزواج على الفقراء من امة محمد والابتعاد عن المغالاة
في المهور ومظاهر البذخ والترف والإسراف والتبذير، ويخص هذا النوع من
الزواج، المخالفين لطريقته والخارجين عن عرفه في الزواج بأشد العقوبات حسب
ما سمعناه من سكان شرشال من قصص لأزواج تزوجوا على هذا العرف لكنهم خالفوه
في بعض التفاصيل فتعرضوا لمشاكل مختلفة كان تصاب المرأة، مثلا، بالعقم أو
أنها لا تحمل إلا بعد مرور عدة سنوات على زواجها، وهناك من تلد مولودا
ميتا وتتكرر هذه الحالة عدة مرات.
وبحسب شهادات
سكان منطقة شرشال الساحلية، فإنّ الزوجة إذا ابتليت بهذا النوع من المشاكل
فإنها ستدرك، لا محالة، بأنها قد خالفت إحدى قواعد العرف. و في هذه الحالة
يشترط أن تعيد بعض الخطوات التي خالفتها، ويجب أن تعيد ارتداء لباس العروس
ذو اللون الأبيض والأحمر مثلما فعلت أول مرة ، ثم تضع الحناء في يديها
ورجليها وتخرج حافية القدمين من بين أهلها وكأنها تزف لأول مرة حتى تخرج
من هذا المأزق، ويعتقد السكان المحليون، أنّ كل امرأة اتبعت هذه الخطوات
حملت مباشرة وكللت ولادتها بالنجاح بإذن الواحد الأحد.