شروط تأثير وسائل الإعلام
رغم الحديث المتكرر عن أثر وسائل الإعلام على الإفراد والمجتمعات, لكن الحق أن الأمر ليس على إطلاقه فالتأثير يرتبط بعدد من العوامل الخارجية والداخلية, فالإنسان – عموماً – ليس كائناً سلبياً يلتقط كل ما يصل إليه ويتشرب كل ما يلقي عليه.
ويمكن إيجاز العوامل التي تتحكم بتأثير وسائل الإعلام كالتالي:
1- المرسل (للرسالة الإعلامية)
ويعبر عن أثرها من خلال العوامل التالية:
أ- خبرة ومقدرة المرسل للمادة الإعلامية:
بمعني أنه كلما كان صاحب الرسالة متخصصاً أو خبيراً بالقضية التي يعرضها أو الموضوع الذي يتحدث عنه كلما كان أثر الرسالة أكبر.
ب- صدقيه المرسل:
قد يكون صاحب الرسالة خبيراً لكنه معروف بالكذب أو المبالغة أو إن مصدر معلوماته ضعيف, وبالتالي كلما تميز المصدر بالصدق كلما كانت رسالته أحرى بالقبول، وهذا ينطبق – بشكل عام – على الإذاعة البريطانية (العربية) حيث القبول الواسع لأخبارها وتقاريرها.
ج- تفرد واحتكار صاحب الرسالة الإعلامية:
حينما تغيب الحرية الإعلامية تتفرد جهات معينة بوسائل الإعلام وتتملك حق توجيه الرسالة الإعلامية التي تراها فأن الأمر يكون مستفحلاً.
فمثلاً توجيه رسالة إعلامية ضمن مقالات في الصحف عن التقاليد المكبلة للمرأة ، وأخبار عن تطور النساء في بعض البلدان, وتمثيلية في التلفاز تتهكم بالتقاليد (الإسلامية) ، وحوار في الإذاعة مع امرأة متحررة ... وهكذا فتتحقق الرسالة الإعلامية المقصودة وبقوة على أفراد المجتمع.
2- الرسالة الإعلامية (نفسها) (مضمون الرسالة)
أ- طريقة عرض الرسالة: (الجانب الفني)
بالنسبة للإعلام المرئي فإن المؤثرات المرئية والسمعية والخدع السينمائية وفنون الكمبيوتر جعلت المشاهد (يسحر) بما يراه ويستسلم له وينقاد, فما بالك إذا تدخل في الأسلوب خبراء علم النفس وعلماء الاجتماع وخلطوا الخيال بالحقيقة فأصبح الرائي مذهولاً بما يراه, لا يكاد يرفض شياً مما يقدم له من شدة الإتقان والحبكة.
ب- طريقة صياغة الرسالة الإعلامية:
إضافة للمؤثرات السمعية والبصرية فإن أسلوب صياغة المادة المقدمة سواء في صيغة تقرير إخباري (لمجازر اليهود) وفيلم سينمائي (لإذلال اليهود) وقص حب لفتاة يهودية تتعرض للإيذاء والاغتصاب من النازيين وتمثيلية فكاهية مليئة بالمواقف المضحكة (لاستغلال الأوربيين لليهود وإذلالهم لهم مثلاً)، لخرج المشاهد بانطباع قوي ويجعله مؤمناً بالرسالة الإعلامية المصاغة في قالب فني راق يخاطب العقل والعاطفة (يتعاطف مع اليهود وقضاياهم).
وليس بالضرورة أن تكون الصياغة صريحة, بل أن الأغلب والأعم الصياغة الإيحائية بطريقة غير مباشرة تقنع المستقبل ولا تتصادم بمقرراته السابقة لديه.
ج- تكرار عرض الرسالة الإعلامية:
تكرار عرض رسالة معينة في وسائل الإعلام تثير عنصر الانتباه لديه ثم تتحول – مع التكرار – إلى معلومة يتفاعل معها لاحقاً سلباً أو إيجاباً.
والتكرار يكون – في الأغلب الأعم – بطرق مختلفة وبضامين متغايرة أحياناً بوسائل مختلفة كلها تؤدي نفس الغرض لذلك فقد أثبتت الدراسات أن تعرض الأطفال مثلاً لسيل من قصص الجريمة والعنف يؤصل السلوك العدواني لديهم وقد يحوله فيما بعد إلى واقع تطبيقي.
من خلال هذا التكرار نجحت وسائل الإعلام (الغربية) وحتى العربية في زعزعة الكثير من قيم المجتمعات العربية خصوصاً في قضايا الأسرة, أثمرت قيماً جديدة مبناها الواقع الغربي وقيمه ومعتقداته, فتعدد الزوجات سلوك مرفوض وشهوانية مرفوضة, والطلاق قضية إفساد للأسرة, والحب - قبل الزواج - أمر طبيعي بل حتمي لينتج زواجاً ناجحاً وهكذا تم الأمر من خلال المسلسلات (المصرية) والأفلام التي تدندن على هذا الوتر بطرق متعددة وأساليب متغيرة لتؤكد هذه المفاهيم وترسخها في مجتمعاتنا العربية.
د- ارتباط مضمون الرسالة بقضايا عامة للجماهير:
عندما يكون لدى أحد المجتمعات قضايا عامة هي حديث الناس فإن لاهتمام الرسالة الإعلامية بها ومتابعتها تفصيلاً يلقى اهتماماً كبيراً من الناس, وهذا يتأكد عند النوازل والحوادث الكبيرة (أزمة الخليج مثلاً) فلو ركزت وسائل الإعلام على قضايا أخرى أقل أهمية أو بعيدة عن اهتمام الناس ولو كانت هامة بذاتها في وقت السلم – مثل قضية فلسطين – فإنها لن تجد تجاوباً من الجماهير وسينصرفون عنها.
3- المستقبل للرسالة وبيئته:
أ- نوع الجمهور (المستقبل للرسالة الإعلامية):
لاشك أن مستوى تأثير الرسالة الإعلامية يتفاوت بين الناس بحسب طبيعتهم, والملاحظ أن الأطفال أكثر فئة من الناس تأثراً بوسائل الإعلام يليهم المراهقون فالنساء (عموماً) ثم الرجال.
ولذلك لا بد من الانتباه لنوع الجمهور عند تقديم موضوعات عن البيئة والنظافة لمجتمع فقير لا يجد ما يكفيه من الطعام أو أن تقدم مواد إعلانية مناسبة للنساء فقط في ذروة استقبال الرجال للرسالة الإعلامية.
ب- مستوى الفرد الاجتماعي:
موقع الفرد في المجتمع (الغني أو الفقير, التعليم والأمية, المسؤول والموظف, التاجر والعامل ...) كلها تؤثر في مدى تقبل الفرد للمادة الإعلامية .. فالفقير مثلاً لا يأبه للحديث عن الاقتصاد العالمي أو العلاقات الدولية ،والتاجر لا يأبه للرسالة الإعلامية عن أسعار السلع وتقلبها, والغنى يعجبه المسلسل التلفزيوني عن الأسرة الثرية.
فالفرد يتقصى ويحاكي بشكل واقعي أدوار يراها من نفسه ومن مركزه الاجتماعي وموقعة السياسي حيث تكون وسائل الإعلام – بالنسبة له – مؤسسات اجتماعية تحدد له الدور الذي ينبغي أن يقوم به.
وغالباً ما يكون التأثير لوسائل الإعلام على الأفراد - في هذا الجانب - في القيم ونظم الحياة التي يعيشوها حيث تقدم لهم نظماً أخرى مغايرة لكنها محببة وجميلة وبأسلوب غير مباشر يدعو لتمثلها في مجتمعاتهم.
ج- مستوى الفرد الثقافي وخلفيته الاجتماعية:
إن تقبل الفرد للرسالة وفهمه لها لا يقتصر فقط على مستواه الاجتماعي بل يتجاوز ذلك إلى ثقافته التي نشأ عليها والتربية التي تلقاها في صغره والتوجيه الاجتماعي له من بيئته مما يتسبب في وجود قاعدة لدى الفرد تسمح له بقبول الرسالة الإعلامية أو رفضها.
مثلاً شاب نشأ في بيت متحرر, في مجتمع محافظ سافر إلى الخارج كثيراً واختلط بأناس مختلفي التوجهات, هذا الشاب بهذه الخلفية قد يتقبل الكثير من الرسائل الإعلامية (المنحرفة) المتعلقة بقضية المرأة مثلاً ، فالسفور ليس بمشكلة ومخالطة النساء الرجال طبيعي، فمرجعيته في هذه الأمور ثقافته الخاصة والبيئة التي نشأ بها.
أيضاً شخصية الإنسان الخاصة تساهم في قبول أو رفض الرسالة الإعلامية فمثلاً رجل هادئ مسالم قد يرفض مشاهد العنف والمطاردات ويراها خطرا على أبنائه.
كذلك للأهواء الشخصية وقناعات الفرد دور في هذا الأمر ليس له علاقة بخلفيته الثقافية ولا بشخصيته الذاتية, فقد يقبل شخص إعلانات السجائر رغم علمه بأضرارها نظراً لأنه يدخن بذاته.
د- معتقدات الجمهور
يتقبل الناس عادة الرسائل الإعلامية الموجهة لهم والقريبة من معتقداتهم ومنسجمة مع ما يؤمنون به, ويضعف تأثير الرسائل الإعلامية البعيدة عن واقع ومعتقدات الناس, وتكون – عادة – مرفوضة إذا كانت تصادم بشكل مباشر مع ما هم عليه.
لذلك يلجأ القائمون على الإعلام إلى أسلوب التدرج في إنهاك المعتقدات والأصول لدى مجتمع معين.
فيبدأ الأمر بمهاجمة المعتقدات رويدا رويدا من المعتقدات الأهم فتهدمها حتى تصل - في النهاية - إلى أصول وقواعد المجتمع فتدمرها, كما يصنع السوس في النخلة فعامل التدرج وعامل الزمن كفيل بقلب القيم وإحلال قيم ومعتقدات محلها خصوصاً أن الأمر يقدم بمضامين جذابة وبوسائل محببة ومن خلال مضمون راق فنياً, وهذا الأسلوب يتفق تماماً مع نظرية الأولويات.
ه- واقع المجتمع:
يؤثر واقع المجتمع سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً لجدوى قبول الرسالة الإعلامية الموجهة له, فالرسالة الإعلامية عن الحرية السياسية وحرية التعبير و(الديمقراطية) يكون لها قبول واسع في المجتمعات التي تعاني استبداداً سياسياً, فمستوى قبول الرسالة لمجتمع ما يرتبط بشكل كبير بمدي الحرمان الذي يعانيه المجتمع من هذه القضية خصوصاً إذا اقترن ذلك بتقديم نماذج (من مجتمعات أخري) لا تعاني هذا الحرمان بل تحصل على هذا الأمر وبشكل ممتع ومقبول.
و- وجود أصحاب الرأي ودورهم في المجتمع:
تؤثر وسائل الإعلام (بناء على نظرية التأثير على مرحلتين) في الناس بشكل واسع عندما يساهم هؤلاء الأفراد المبرزون والمقبولون في مجتمعهم في قضايا مجتمعهم ويدلون فيها بأقوالهم ويساهمون – أحياناً – بأفعالهم وهذا الأمر فطنت له شركات الإعلان بشكل خاص فاستقدمت المشهورون في المجتمع (الرياضيون أو الفنانون) واستفادت منهم في ترويج سلع تجارية معينة.
كذلك تساهم بعض القنوات الإخبارية (CNN) مثلاً في استضافة أشخاص ذو رأي ومكانة وتجعلهم يعلقون على أحداث معينة أو يعقبون على واقعة ، مما يكون له أكبر الأثر في قبول الجماهير لهذا الرأي (هذا ما حدث من قبول الناس لقدوم القوات الأمريكية في الخليج لمقارعة صدام ...)