منتدى القلوب الصادقة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى القلوب الصادقة


 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولانضم إلينا في صفحتنا على فيسبوك

 

 بحوث ودراسات سياسية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المشرف العام
المشرف العام
المشرف العام
المشرف العام


بحوث ودراسات سياسية Collec10
بحوث ودراسات سياسية Sports10
بحوث ودراسات سياسية 110
بحوث ودراسات سياسية 25794_81264872602
الجنس ذكر
عدد المساهمات : 5351
بحوث ودراسات سياسية Dkv94354
    : الدعـاء

بحوث ودراسات سياسية Empty
مُساهمةموضوع: بحوث ودراسات سياسية   بحوث ودراسات سياسية Icon_minitimeالأربعاء 20 أكتوبر 2010, 21:06

تنويه هـام:

* يمكنك التعليق على مايطرح هنا من موضوعات، عن طريق مشاركة مستقلة بالمنبر السياسي فقط ..
* ما يطرح هنا من بحوث ودراسات سياسيةفهي تعبر عن وجهات نظر اصحابها ولاتعبر بالضرورة عن رأي المنتدى
مل ستيورات: مختارات من كتاب "بحث في الحرية"

الفصل الأول

المدخل: في حدود سلطة المجتمع على الفرد

ليس موضوع هذا البحث الحرية التي تسمى "حرية الإرادة" والتي تقابل لسوءالحظ ما يسمى خطأ بالضرورة الفلسفية، وإنما موضوعه: الحرية والمدنية، أوالاجتماعية، وطبيعة السلطة التي يمارسها المجتمع شرعيا على الأفراد،وحدودها. إنها مسألة قلّ أن عرضت، وندر أن بحثت بشكل عام، ولكنها مع ذلكذات أثر عميق في مشاكل هذا العصر العملية لوجودها الكامن الخفي. واكثرالظن أنها سوف تبرز نفسها قريبا لتعتبر مسألة المستقبل الحيوية. إنها أبعدما تكون عن الجيدة. ويمكن القول انها منذ أقدم العصور تقريبا قد شطرتالعالم. أما في مرحلة التقدم الحالية التي دخلها اكثر أقوام النوعالإنساني حضارة، فإنها تعرض نفسها ضمن شروط جديدة وتتطلب معالجة جديدةوأكثر عمقا.

إن الصراع بين الحرية وبين السلطة أبرز ظاهرة في أقسام التواريخ التينعرفها، وخاصة تاريخ اليونان وروما وإنكلترا. أما في العصور القديمة فقدكان هذا الصراع بين الرعية أو بعض طبقات الرعية وبين الحكومة، وكان المعنىالمفهوم من الحرية الاحتماء من استبداد الحكام السياسيين. فقد كان هؤلاءالحكام (باستثناء بعض حكومات الإغريق الشعبية) يُنظر إليهم وكأنهمبالضرورة في وضع معاد للشعب الذي يحكمون. كان الحكم بيد حاكم فرد، أو بيدقبيلة حاكمة أو سلالة، وكانت سلطتهم آتية عن طريق الإرث أو الفتح، ولم تكنتمارس برضى المحكومين، ولم يكن أحد يجرؤ على منازعة تلك السيادة أو يرغبفي ذلك رغم كل الاحتياطات التي كانت تتخذ لاتقاء ضغطها التعسفي. كانتالنظرة إلى سلطانهم أنه ضروري وأنه عظيم الخطر في الوقت نفسه، فهو سلاح قديحاولون استعماله ضد رعيتهم كما يحاولون استعماله ضد العدو الخارجي. كذلككان من الضروري، حتى لا يقع الضعاف من أعضاء المجتمع فريسة ينهكها عدد لايحصى من العقبان، أن يوجد هناك حيوان جارح يكون أقوى من الآخرين يُناط بهأمر إخضاعها. ولكن، لما كان ملك العقبان ليس أقل ميلا إلى افتراس الرعيةمن أي نهاب سلاب آخر، فقد كانت الضرورة تقضي دائما باتخاذ خطة الدفاع ضدمخلبيه ومنقاره. لذلك كان هدف الوطنيين وضع حد للسلطة التي يجب أن يتحملالحاكم مسؤولية ممارستها على المجتمع، وهذا التحديد هو ما عنوه بالحرية.حاولوا إرساء أسس هذا التحديد بطريقتين: الأولى هي الحصول على اعتراف ببعضالحصانات، تسمى الحريات أو الحقوق السياسية، كان انتهاكها من قبل الحاكميعتبر إخلالا بواجبه، فإذا اقدم على انتهاكها كان في عمله ما يبررالمقاومة الخاصة أو الثورة الشاملة؛ أما الطريقة الثانية التي ظهرت بعدالأولى فكانت إقامة ضوابط دستورية بموجبها أصبحت موافقة المجتمع، أو أيهيئة يفترض انها تمثل مصالحه، شرطا لازما في بعض الإجراءات الهامة التيتريدها السلطة الحاكمة. لقد اضطرت السلطة الحاكمة في معظم البلادالأوروبية إلى الرضوخ، نوعا ما، للطريقة الأولى. ولكن الحال لم يكن كذلكبالنسبة للطريقة الثانية: إذ أصبح الوصول إلى هذا النوع من التحديد أو إلىإكماله حين يكون جزء منه مؤمنا، اصبح ذلك في كل مكان الغرض الأساسي لمحبيالحرية. ولما اطمأن البشر إلى محاربة عدو بعدو آخر، وقنعوا بأن يُحكَموامن قبل سيد ضمن شروط تؤمن لهم نوعا من الحماية ضد استبداده، فانهم لميعودوا يعملون ليدفعوا بأمانيهم إلى أبعد من هذه النقطة.

ثم جاء زمن رأى الناس فيه أن ليس من ضرورة طبيعية أن يكّون حكامهم سلطةمستقلة، تتعارض مصالحها مع مصالحهم. وبدا لهم أن الأفضل أن يكون أولئكالذين يستلمون شؤون الدولة وكلاء أو مندوبين عنهم يعزلونهم متى شاءوا.وظهر أن هذا هو السبيل الوحيد الذي يعطيهم الضمانة التامة في أن لا يساءاستعمال سلطة الحكم في غير صالحهم. هذا الطلب الجديد لحكام ينتخبونانتخابا لمدة مؤقتة أصبح تدريجيا الغرض الرئيسي لأي حزب شعبي أينما وجدحزب من هذا النوع. وأخذ هذا الطلب، إلى حد بعيد، مكان طلب الحد من سلطةالحكام الذي كانت تسعى إليه الجهود السابقة. وفيما كان النضال لجعل السلطةالحاكمة تنبثق عن انتخاب دوري من قبل المحكومين يسير في وجهته، أخذ بعضالناس يفكرون بأن الأهمية التي علقوها على مسألة تحديد السلطة نفسها كانتأكثر من اللازم، وان المسألة نفسها يمكن أن تكون مأخذا يؤخذ ضد الحكامالذين كانت مصالحهم عادة متضاربة مع مصالح الشعب. فما هو مطلوب الآن هو أنيكون الحكام متجاوبين مع الأمة وأن تكون مصالحهم وإرادتهم مصلحة الأمةوإرادتها. لن تحتاج الأمة إلى حماية من إرادتها الذاتية، وليس هناك خوف منأن تستبد بنفسها. ليكن الحكام مسؤولين عنها بطريقة مثمرة، وليكونوا عرضةللعزل من قِبَلِها، وعندها يمكن أن تمنحهم سلطات تستطيع هي أن تفرض أينيجب أن تُستعمل. وسلطتهم عندئذ ليست شيئا آخر سوى سلطة الأمة، وقد تمركزتبطريقة صالحة للتنفيذ.

أن هذا الأسلوب في التفكير، أو بالأحرى في الشعور، كان شائعا بين الأجيالالأخيرة من أحرار أوروبا، ولا يزال شائعا فيها حتى الآن كما يظهر. ويبقىأولئك الذين يقبلون فرض أي حد على ما يمكن أن تفعله الحكومة (إلا في حالةالحكومات التي يعتقدون أنها يجب أن لا توجد) يبقون قلة لامعين بين مفكريأوروبا السياسيين. إن أسلوبا في الشعور مماثلا لما ذكرت كان من الممكن أنيكون سائدا في بلادنا نفسها في هذا الوقت لو أن الظروف التي شجعته فترة منالزمن بقيت ولم تتبدل.

بيد أن النجاح في النظريات الفلسفية والسياسية، وفي الأشخاص أيضا يكشف عنعيوب وخطيئات قد يخفيها الفشل عن عين الملاحظ. فالرأي القائل بأن الشعب لايحتاج إلى تحديد سلطته على نفسه قد يبدو حقيقة بديهية حين تكون الحكومةالشعبية مجرد حلم، أو مجرد شيء تقرأ عنه على أنه حدث في الماضي البعيد.ولم يتضايق هذا الرأي بما حدث من انحرافات مؤقتة كانحرافات الثورةالفرنسية التي جاء أسوأ ما فيها عن عمل قلة مغتصبة، والتي لم تكن في أيحال ناجمة عن عمل ثابت لمؤسسات شعبية بل عن ثورة فجائية اضطرابية قامت ضداستبداد الملك والطبقة الأرستقراطية. ولكن قامت مع الزمن جمهوريةديمقراطية احتلت حيزا واسعا من سطح الكرة الأرضية وأثبتت وجودها كواحدة منأقوى أعضاء مجموعة الأمم، وبذلك وضعت حكومة منتخبة ومسؤولة موضعالانتقادات والملاحظات التي تنتظر حقيقة واقعية كبرى. وقد تبين عندئذ انعبارات مثل "الحكم الذاتي" و"سلطة الشعب على نفسه" لا تعبر عن حقيقة الوضعالراهن. فـ "الشعب" الذي يمارس السلطة ليس دائما نفس الشعب الذي يخضع لها،و"الحكم الذاتي" الذي يتحدث عنه ليس حكم كل فرد من قبل نفسه بل حكم كل فردمن قبل كل الآخرين. وإرادة الشعب، إضافة إلى ذلك، إنما تعني عمليا إرادةالعدد الأكبر أو إرادة الجزء الأكثر نشاطا من الشعب (إرادة الأكثرية)، أوأولئك الذين ينجحون في جعل أنفسهم مقبولين على أنهم الأكثرية. فقد يجوزبنتيجة ذلك أن يرغب الشعب في اضطهاد قسم من أفراده. وهنا يصبح من الضروريأن يُتخذ ضد هذا الأمر من الاحتياطات ما يُتخذ ضد أي نوع آخر من سوءاستعمال السلطة وعليه تحديد سلطة الحكومة على الأفراد لا يفقد شيئا منأهميته عندما يكون القابضون على زمام السلطة مسؤولين بانتظام أمامالمجتمع، أي أمام أقوى حزب فيه. وإن وجهة النظر هذه التي استساغتها علىالسواء عقلية المفكرين وميول الطبقات الهامة في المجتمع الأوروبي التيتتعارض مصالحها الحقيقية أو المفروضة مع الديمقراطية، لم تلاق صعوبة فيتثبيت نفسها. وأصبح التفكير السياسي عامة يشمل مسألة "استبداد الأكثرية"في عداد الشرور التي يجب على المجتمع أن يظل على حذر منها.

كان أكثر الناس ولا يزالون يخشون طغيان الأكثرية كما يخشون سائر أنواعالطغيان الأخرى، وذلك لأنه ينفّذ في الغالب عن طريق إجراءات السلطاتالعامة. ولكن رجال الفكر يرون أن المجتمع حين يكون هو نفسه الطاغية (أيحين يكون المجتمع بجملته ضد الأفراد) فان ذلك يعني أن أساليب طغيانه لاتنحصر بالإجراءات التي يمكن أن ينفذها عن طريق موظفيه السياسيين. إنالمجتمع قادر على إصدار الأوامر وعلى تنفيذها بنفسه. فإذا أصدر أوامرخاطئة بدلا من الصحيحة، أو إن أصدر أوامر في شؤون يجب أن لا يتدخل فيها،فإنه يمارس بذلك طغيانا اجتماعيا هو أشد عتوا من كثير من ألوان الاضطهادالسياسي لأنه، وإن لم تدعمه عادة عقوبات شديدة، فان وسائل النجاة التييتركها قليلة، وهو ينفذ إلى الصميم في كثير من نواحي الحياة، ويستعبدالروح ذاتها. لهذا كان الاحتماء من طغيان الحكام غير كاف، وكان لا بد منحماية ضد طغيان الآراء والمشاعر الشائعة، وضد ميل المجتمع لان يفرض (دوناللجوء إلى العقوبات المدنية) آراءه الخاصة وطقوسه كقواعد للسلوك، يفرضهاحتى على أولئك الذين لا يوافقون عليها، ليكبل النمو والتطور، ويمنع إنأمكن تكوين أي شخصية فردية لا تكون منسجمة مع طرقه، ويجبر كل الطبائع علىتكييف نفسها طبق أنموذج من صنعه هو. إن هنالك حدا للتدخل المشروع فياستقلال الفرد من قبل الرأي الجماعي. وإن إيجاد ذلك الحد وصيانته منالتجاوز أو الاعتداء عليه لازم لحسن سلامة شؤون الناس لزوم الاحتماء منالاستبداد السياسي.

ولكن لئن كان من غير المتوقع أن تناقش هذه القضية بصورة عامة. فإن السؤالالعملي: أين يجب وضع الحد، وكيف يمكن تحقيق التوفيق المناسب بين الاستقلالالفردي وبين السيطرة الاجتماعية؟ هذا السؤال يبقى الموضوع الذي عليه يتوقفكل شيء تقريبا.

إن كل ما يجعل للوجود قيمة في نظر أي شخص مرتكز على تنفيذ الضوابط التيتضبط أفعال الآخرين. فيجب إذن فرض بعض قواعد للسلوك عن طريق القانون أولا،ثم عن طريق الرأي العام في الأشياء الكثيرة التي لا تكون قابلة للإجراءاتالقانونية. أما ما هي هذه القيود اللازمة، فهذا هو السؤال الرئيسي في شؤونالبشر.

إننا إذا استثنينا بعض المسائل الواضحة جدا، فان السؤال السابق يبقى بينالمسائل التي لم يصل السعي وراء حل لها إلا إلى قدر ضئيل من التقدم. فلميُعطِ عصران أو بلدان حلا واحدا له. لا بل إن الحل الذي قال به عصر أو بلدكان موضع استغراب الآخر وتعجبه. ومع كل ذلك فان الناس في أي عصر أو بلد لميعودوا يرتابون بوجود أي صعوبة فيه، وكأنه موضوع كان الناس متفقين دائماحوله. والقواعد يجري بها العرف بينهم تبدو لهم جلية في حد ذاتها، ولاتحتاج إلى تبرير. إن هذا الوهم العام ليس إلا واحدا من الأمثلة علىالتأثير السحري للعرف، هذا العرف الذي يؤخذ لا على انه، كما يقول المثل،طبيعة ثانية فقط، بل يؤخذ دائما وخطأ على أنه طبيعة أولى. إن أثر هذاالعرف في إزالة أي شك يمكن أن يعلق في نفوس الناس بشأن قواعد الأخلاق التييفرضها الناس بعضهم على بعض هو في ازدياد مستمر لأن الموضوع أمر لا يوجدبشأنه اتفاق عام بأنه يحتاج إلى تبرير، لا من قِبَل شخص نحو الآخرين، ولامن قِبَل شخص نحو نفسه. فقد اعتاد الناس أن يعتقدوا أن مشاعرهم حولموضوعات من هذا النوع هي أفضل من الأسباب، وانها تجعل التعليل غير ضروري،وقد شجعهم على هذا الاعتقاد جماعة يطمحون في أن يكونوا بين الفلاسفة.والمبدأ العملي الذي يرشد هؤلاء الناس إلى آرائهم في تنظيم السلوك البشريهو الشعور الموجود في رأس كل منهم بأن على الجميع أن يفعلوا كما يريدهم هوومن على شاكلته أن يفعلوا.

لا يعترف أحد في الواقع أمام نفسه أن مقياسه في الأحكام مبني على ما يحبويرغب، ولكن الرأي الذي يُعطى في مسألة مسلكية ولا يكون مشفوعا بالأسبابلا يعدو كونه تفضيلا شخصيا. فإذا ذُكرت الأسباب ولم تكن شيئا آخر سوىتفضيلا مماثلا شعر به آخرون، بقي الأمر مجرد رغبة أناس كثيرين بدلا منواحد. إن هذا التفضيل الشخصي الذي يؤيده بهذه الطريقة تفضيل الآخرين ليسسببا كافيا وكاملا فحسب بالنسبة للشخص العادي، بل إنه السبب الوحيد عندهالذي به يبرر عادة أيا من آرائه في الأخلاق، أو الذوق، أو اللياقة حين لاتكون هذه الآراء مكتوبة صراحة في عقيدته الدينية، لا بل إنه أيضا مرشدهالرئيسي في تفسيره حتى لتلك العقيدة. وهكذا تكون آراء الناس حول ما هوممدوح أو مذموم متأثرة بكل الأسباب المتنوعة التي تتأثر بها رغباتهم بشأنسلوك الغير، وهي أسباب متعددة بقدر تعدد الأسباب التي تقرر رغباتهم بشأنأي موضوع آخر. فالأسباب تارة عقلهم، وأخرى تحّيزهم أو خرافتهم، وكثيرا ماتكون عواطفهم المحبة للمجتمع أو الكارهة له، أو حسدهم أو غيرتهم، أوغطرستهم أو ازدراؤهم. وأكثر الأسباب شيوعا هي محبتهم لأنفسهم أو خوفهمعليها: أو مصلحتهم الشخصية المشروعة أو غير المشروعة. وحيثما وجدت طبقةعالية فان القسم الأكبر من أخلاق البلاد ينبثق عن مصالح تلك الطبقة وعنشعورها بالتفوق الطبقي. فالأخلاق بين الإسبارطيين وبين الأرقاء، بينالمزارعين وبين الزنوج، بين الأمراء وبين الرعية، بين النبلاء وبينمستأجري أراضيهم، بين الرجال وبين النساء؛ هذه الأخلاق كانت في معظمهاوليدة تلك المصالح والمشاعر الطبقية. والعواطف التي تتولد بهذه الطريقةيرتد مفعولها على المشاعر الأخلاقية لأعضاء الطبقة العليا في علاقاتهمفيما بينهم، أما حين توجد طبقة كانت سابقا عالية وفقدت تفوقها، أو كانتفوقها غير محبوب، فان العواطف الأخلاقية السائدة عندئذ غالبا ما تحملمعها طابع الكراهية الملحة للتفوق. وهناك مبدأ خطير آخر من المبادئ التييفرضها القانون أو الرأي العام والتي تحدد قواعد السلوك في الفعل أو فيرحابة الصدر، هذا المبدأ هو خنوع البشر تجاه ما يحبه أو ما يكرهه أسيادهمالمؤقتون أو أصنامهم. إن هذا الخنوع، الذي هو في الأصل أناني، ليس رياءكله: إنه يثير عواطف أصيلة من المقت والكراهية، وقد دفع البشر إلى إحراقالسحرة والمارقين. لقد كان لمصالح المجتمع حتما، العامة منها والواضحة،نصيب، ونصيب كبير، بين تلك العوامل الكثيرة التي عملت في توجيه العواطفالأخلاقية، ولكن ذلك لم يكن بدافع الفكر والعقل، أو بسبب قيمة العواطفنفسها، بقدر ما كان نتيجة التعاطف أو الكراهية الذَين انبثقا عن تلكالعواطف نفسها. إن ذلك التعاطف وتلك الكراهية لم تكن لهما أي صلة بمصالحالمجتمع، ولكنهما أثبتتا وجودهما كقوتين كبيرتين في إيجاد الفضائل.

هكذا فإن ما يحبه المجتمع وما يكرهه، أو ما يحبه وما يكرهه قسم كبير منه،هو العامل الرئيسي الذي حدد عمليا القواعد التي يجب مراعاتها من قبلالجميع تحت طائلة عقوبة القانون أو الرأي العام. وحين جاء أناس سبقواالمجتمع في التفكير والشعور فانهم بشكل عام تركوا الوضع الراهن دون انيحملوا عليه من حيث المبدأ، رغما عن أنهم قد يكونوا قد تصادموا معه في بعضالتفاصيل. فقد شغلوا أنفسهم ببحث ما يجب على المجتمع أن يحب أو يكره بدلامن البحث فيما إذا كان ما يحبه المجتمع أو يكرهه يجب أن يفرض كقانون علىالأفراد. لقد آثروا أن يحاولوا تغيير شعور الناس تجاه النقاط التي كانواهم أنفسهم يجحدونها بدلا من أن يتضافروا في الدفاع عن الحرية مع عمومالجاحدين. والقضية الوحيدة التي ثابروا فيها على جعل النقاش على مستوى عالوبناء على مبادئ هي قضية العقيدة الدينية: هذه القضية التي ناقشها أشخاصهنا وهناك ليست وسيلة تهذيب وتثقيف فحسب، بل هي أيضا مثال واضح على أن مايَمّس بالحس الأخلاقي ليس معصوما عن الخطأ، لان عنف المشادات الدينية عندالجلّ المتعصب من أوضح الأمثلة على الحس الأخلاقي. إن أولئك الذين كانواأول من حطم نِيْرَ ما كان يسمى بالكنيسة العالمية لم يكونوا يريدون السماحبوجود خلاف بين الآراء الدينية، شأنهم في ذلك شأن الكنيسة نفسها. ولكن لمابرد وطيس المعركة دون أن يفوز أي فريق بانتصار حاسم، واضطرت كل كنيسة أوفرقة دينية إلى تحديد أمانيها إلى حد الاحتفاظ بما نالته من نفوذ، وجدتالأقليات، التي لم يكن لها أمل في أن تصبح أكثرية، نفسها مضطرة إلى أنتطلب ممن لم تكسبهم إلى جانبها أن يسمحوا لها بان تختلف عنهم. وفي هذاالميدان وحده تقريبا أمكن لحقوق الفرد ضد المجتمع أن تثبتت على أسس عامةمن المبادئ وظهرت معارضة مكشوفة لادعاء المجتمع بحقه في ممارسة سلطة ضدالمنشقين. إن الكّتاب الكبار الذين يدين لهم العالم بالفضل في ما أحرزه منحرية دينية قد أكدوا أن حرية الضمير حق لا يُقهر واستنكروا بشكل قاطع أنيكون الشخص مسؤولا أمام الآخرين عن عقيدته الدينية. إلا ان عدَم التسامحمن طبيعة البشر في كل ما يهمهم حقيقةٌ، ولم تتحقق الحرية الدينية بصورةعملية في أي مكان إلا حيث دعمتها اللامبالاة الدينية التي تكره أن تُعكّرصفوها المنازعات اللاهوتية. ان عقل جميع المتدينين، حتى في اكثر البلادتسامحا، يقر واجب التسامح ولكن مع تحفظات ضمنية. فقد يقبل شخص الاختلاف فيشؤون حكم الكنيسة، ولكن لا في تعاليمها المقررة، وقد يتقبل آخر كل شخص عداالبابوي أو الموحِّد، وقد يتقبل ثالث كل من يؤمن بدين مُنزَل، وقد يوسعبعضهم حدود التسامح ولكنهم يقفون عند تحد الإيمان بالله والحياة الأخرى.اما حيث لا تزال عاطفة الأكثرية أصيلة وشديدة فإننا نجد أنها لم تخفف شيئايذكر من غلوها في وجوب إطاعتها.

إن وطأة الرأي العام في إنكلترا أشد مما هي في اكثر بلاد أوروبا، علىالرغم من أن وطأة القانون قد تكون أخف، وما ذلك إلا بسبب الظروف الخاصةلتاريخ إنكلترا السياسي. فهناك قلق بالغ من جراء التدخل المباشر في سلوكالفرد من قبل السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية، ولا يأتي ذلك عن مجردالغيرة على استقلال الفرد بقدر ما يأتي عن العادة المستحكمة في النظر إلىالحكومة على انها تمثل مصلحة أخرى معارضة لمصلحة الشعب. فالأكثرية لمتتعلم بعد أن تشعر بأن سلطة الحكومة سلطتها، وآراءها آراؤها. ومتى تعلمتالأكثرية ذلك، فالأرجح أن تتعرض الحرية لغزو الحكومة بقدر ما هي معرضةالآن لغزو الرأي العام. ولكن لا يزال هناك قدر محترم من الشعور علىاستعداد للقيام ضد أية محاولة من قبل القانون للسيطرة على الأفراد في شؤونلم يسبق لهم أن تعودوا على سيطرة القانون فيها. وذلك بغض النظر عما إذاكان الأمر يدخل في نطاق سيطرة القانون المشروعة أو لا يدخل. إن هذا الشعورالسليم بمجمله قد يكون أحيانا في غير محله. وليس هناك في الواقع أي مبدأمعترف به لقياس ملائمة أو عدم ملائمة التدخل الحكومي، وإنما يقرر الناسذلك وفقا لأهوائهم الشخصية. فمنهم من يهيب بالحكومة إلى التدخل والعملكلما رأى خيرا يجب فعله أو شرا يجب معالجته وتلافيه، بينما يفضل غيرهم أنيتحملوا أي مقدار كان من الشر الاجتماعي على أن يضيفوا إلى مصالح الناسالتي تُخضع للسيطرة الحكومية مصالح أخرى. والناس يأخذون هذا الجانب أو ذاكفي أي قضية وفق التوجيه العام لعواطفهم، أو وفقا لمقدار اهتمامهم بالأمرالذي يقترح أن تقوم به الحكومة، أو وفقا لاعتقادهم بأن الحكومة، سوف تؤديهأو لن تؤديه بالطريقة التي يفضلونها، ولكن قَلّ أن يكون أخذهم هذا الجانبأو ذاك بناء على رأي يتمسكون به حول الأمور التي يكون من المناسب أن تقومبها الحكومة. وبناء على عدم وجود أي مبدأ أو قاعدة، يلوح لي ان كلا منالجانبين يخطئ الآخر، وأن تدخل الحكومة يتعادل فيه عدد المرات التي يساءفيها ابتغاؤه وعدد المرات التي يساء فيها استنكاره.

إن غرض هذا البحث هو تأكيد مبدأ بسيط جدا جدير بأن ينظم معاملات المجتمعمع الفرد من حيث الإكراه والسيطرة، أكانت الأساليب المستعملة قوة ماديةعلى شكل عقوبات قانونية أم كانت الضغط المعنوي للرأي العام. إن ذلك المبدأهو أن الغاية الوحيدة التي تجيز للبشر، أفرادا كانوا أم جماعة، أن يتدخلوافي حرية أفعال أي واحد منهم إنما هي حماية الذات. أي إن الغرض الوحيد الذيمن أجله يمكن ممارسة السلطة بحق في أي مجتمع متمدن على عضو منه رغم إرادتهإنما هو دفع الأذى عن الغير. فلا يكفي أن يكون الهدف الخير الخاص للعضو،ماديا كان هذا الخير أم معنويا. ولا يجوز عدلا إرغامه على القيام بأمر أوعلى الامتناع عنه لأن ذلك خير له، أو لأن ذلك يجعله أسعد حالا، أو لأنالآخرين يرون أن من الحكمة والصواب فعل ذلك، إن هذه الأسباب كلها وجيهة،تنفع في التباحث معه، أو المناقشة معه، أو في إقناعه، أو في رجائه، ولكنهالا تبرر إرغامه أو إلحاق الأذى به إن فعل عكس ما يطلب منه. ولا يبرر ذلكإلا الحساب بأن السلوك الذي يقصد إبعاده عنه سوف ينجم عنه ضرر يصيب الغير:فالجزء الوحيد من سلوك أي فرد، الذي يكون مسؤولا عنه تجاه المجتمع، هو ذلكالذي يمس الغير. أما الجزء الذي يمس الشخص وحده فان استقلاله فيه مطلقوحق. فالفرد سيد على نفسه في عقله وفي جسمه.

قد يكون من الضروري أن نقول هنا إن هذا المذهب ينطبق فقط على أفراد النوعالإنساني الذين وصلوا إلى مرحلة النضوج في ملكاتهم. فنحن لا نتكلم فيالواقع عن الأطفال أو الأحداث الذين هم دون السن التي يحددها القانونللرجولة أو لنضج النساء. أما الذين لا يزالون بحاجة إلى عناية الغير بهم،فتجب حمايتهم من أفعالهم كما تجب حمايتهم من الأذى الخارجي. كذلك يمكنللسبب نفسه أن نخرج من دائرة اعتباراتنا المجتمعات المتخلفة التي يمكناعتبار الأقوام التي تؤلفها أقواما قاصرة. فالصعوبات المبكرة التي تعترضسبيل التقدم الذاتي من الخطورة بحيث لا يبقى هناك أي مجال للمفاضلة بينوسائل التغلب عليها. والحاكم المشبَّع بروح الإصلاح يجوز له أن يستعمل أيوسيلة توصله إلى الهدف الذي لا يبلغه بأي من الوسائل الأخرى. إن الاستبدادأسلوب شرعي في حكم البرابرة شريطة أن تكون الغاية تحسين حالهم، وتحقيق تلكالغاية فعلا يبرر تلك الواسطة. والحرية كمبدأ لا مجال لتطبيقها في أي منالحالات التي توجد قبل ذلك الوقت الذي يصبح فيه البشر قادرين على التحسنعن طريق المباحثات الحرة بين أطراف تحققت المساواة بينهم. حتى ذلك الحينلا يكون أمامهم إلا الطاعة لعاهل أو لملك جبار عادل إن أسعفهم حظهمبوجوده. ولكن ما ان يكتسب البشر القدرة على الانصياع إلى الاقتناع أوالإقناع في تحسين أحوالهم (وهذه مرحلة وصلت إليها منذ زمن بعيد كل الأممالتي يهمنا أمرها هنا) حتى يصبح الإكراه في شكله المباشر أو في شكل إيذاءالمخالف وعقابه أمرا غير مقبول إذا قُصد استعماله كوسيلة لخيرهم، حتى وإنبقي مسموحا به في حالة ضمان أمن الغير.

من المناسب أن أذكر هنا أني أتنازل عن أي فائدة تدعم حجتي يمكن ان تأتينيمن فكرة الحق المجرد كشيء مستقل عن المنفعة. فانا اعتبر المنفعة الملاذالنهائي في كل المسائل الأخلاقية: ولكنها يجب أن تكون المنفعة في أوسعمعانيها، القائمة على مصالح الإنسان الدائمة من حيث هو مخلوق تقدمي. إنهذه المصالح كما أراها تسمح بإخضاع الفعل العفوي الفردي للقيد الخارجي فيحالة واحدة فقط هي حين تكون أفعال الفرد ماسة بمصالح الآخرين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://dahmane16.ahlamontada.net
المشرف العام
المشرف العام
المشرف العام
المشرف العام


بحوث ودراسات سياسية Collec10
بحوث ودراسات سياسية Sports10
بحوث ودراسات سياسية 110
بحوث ودراسات سياسية 25794_81264872602
الجنس ذكر
عدد المساهمات : 5351
بحوث ودراسات سياسية Dkv94354
    : الدعـاء

بحوث ودراسات سياسية Empty
مُساهمةموضوع: رد: بحوث ودراسات سياسية   بحوث ودراسات سياسية Icon_minitimeالأربعاء 20 أكتوبر 2010, 21:06

قد يظهر هذا المذهب غير جديد وقد يبدو لبعضهم كحقيقة أولية بديهية، ولكنبالرغم من ذلك ليس هناك مذهب آخر يتعارض مع الاتجاه العام للرأي العاموالعرف الحاليين كما يتعارض هذا المذهب. فلقد بذل المجتمع جهودا جبارة فيمحاولة إرغام الناس على الامتثال لآرائه في الصلاح الشخصي والاجتماعي.وكانت الدول القديمة تظن، وأيّدها الفلاسفة القدماء في ذلك، ان من حقهاممارسة تنظيم كل ناحية من نواحي السلوك الخاص بواسطة السلطة العامة بدعوىان الدولة شديدة الاهتمام بالتربية الجسدية والعقلية لكل واحد منمواطنيها، وهذه طريقة في التفكير يمكن قبولها بالنسبة لجمهوريات صغيرةمحاطة بأعداء أقوياء، وهي في خطر دائم من هجوم خارجي أو اضطراب داخلي، وقدتكون فيها الفترة القصيرة من التراخي وإعطاء الأفراد أمر قيادة أنفسهم،السبب في ضربة قاضية تصيبها بحيث لا تستطيع عندئذ انتظار الخيرات الدائمةالتي تنجم عن الحرية. أما في العالم الحديث فان اتساع المجتمعات السياسية،وفصل السلطات الروحية عن السلطات الزمنية (الذي وضع إدارة ضمائر الناس فيأيد غير الأيدي التي تهيمن على شؤونهم الدنيوية) قد حالا دون تدخل القانونكثيرا في دقائق الحياة الخاصة. ولكن آلات الضغط المعنوي ضد الانحراف عنالرأي السائد قد استعملت بشدة أعظم في المسائل التي تمس الفرد مما فيالمسائل الاجتماعية. حتى الدين، وهو أقوى العناصر التي تدخلت في تكوينالشعور الأخلاقي، كان دائما خاضعا لمطامع سلطة كهنوتية تحاول السيطرة علىمختلف نواحي السلوك البشري أو لروح التزَمُت البيوريتاني. ومن المصلحينالعصريين الذين وضعوا أنفسهم موضع المعارضة الشديدة لديانات الماضي مَن لميكن اقل حماسا من الكنائس أو الفرق الدينية في تأكيد حق السيطرة الروحية،لاسيما الفيلسوف أوغست كونت الذي نراه في نظامه الاجتماعي الذي نشره فيكتابه "نظام في السياسة الوضعية" يهدف إلى إقامة استبداد اجتماعي يتسلطعلى الفرد (ولو بالوسائل المعنوية اكثر مما بالوسائل القانونية) وهواستبداد يفوق ما فكر به اشد الفلاسفة القدماء صلفا في تفكيرهم السياسي.

وبالإضافة إلى المذاهب الخاصة لبعض المفكرين، فان في العالم على سعته ميلامتزايدا إلى توسيع سلطات المجتمع على الفرد، بدون ضرورة مبررة، بقوة الرأيالعام وبقوة التشريع أيضا. ولما كانت التغيرات التي تحدث في العالم تتجهجميعها إلى تعزيز سلطة المجتمع وتضييق سلطة الفرد، فان هذا التعدي من قبلالمجتمع ليس من الشرور التي تميل إلى الزوال من تلقاء نفسها، بل انه علىالعكس من ذلك سوف ينمو ويتفاقم. ان استعداد البشر، حكاما ومواطنين، لفرضآرائهم وميولهم على الغير كقاعدة للسلوك استعداد قوي وهو مدعوم بتأييد قوةتأتيه من أفضل المشاعر السامية ومن أحط المشاعر التي تمر بها الطبيعةالإنسانية، حتى ليكاد يتعذر عليه ان يقف عند أي حد أقل من إرادة السلطة.ولما كانت السلطة في تزايد لا في تناقص (إلا إذا ارتفع حاجز قوي منالقناعة الأخلاقية في وجه إساءة الاستعمال)، فان علينا أن نتوقع ضمن ظروفالعالم الحالية، ازديادا في قوة هذا الاستعداد.

قد يكون من الملائم قبل الدخول في صُلب الرسالة ان نحصر البحث أول الأمرفي فرع واحد منه، وهو ذلك الفرع الذي يعترف الرأي السائد حاليا، ولواعترافا جزئيا، بان المبدأ الذي أوردته سابقا ينطبق عليه. ان هذا الفرع هوحرية الفكر، ويستحيل ان نفصل عنه حرية القول والكتابة. وبالرغم من ان هذهالحريات تشكل، إلى حد كبير، جزءا من الأخلاق السياسية لكل البلاد التيتدعي التسامح الديني والمؤسسات الحرة، فان الأسس الفلسفية والعملية التيتقوم عليها ليست مألوفة من قبل الفكر العام، وهي لم تحط من الكثيرين، وحتىمن قادة الفكر، بالاعتبار والتقدير اللائقين كما كان متوقعا. فإذا أحسنفهم هذه الأسس اصبح تطبيقها ممكنا في اكثر من قسم واحد من الموضوع، وبذايكون البحث الوافي لهذا القسم من المسألة خير مقدمة لما تبقى من الموضوع.وإني لأرجو من الذين لن يجدوا شيئا جديدا فيما سوف أقوله بعد قليل أنيعذروني إن أنا خضت في هذا الموضوع مرة جديدة بعد أن كان موضوعا للبحثمرات عديدة خلال ثلاثة قرون مضت.

الفصل الرابع: في حدود سلطة المجتمع على الفرد

لنسأل الآن: ما هو الحد الشرعي لسيادة الفرد على نفسه؟ أين تبدأ سلسلةالمجتمع؟ ماذا يجب أن يعود للفردية من الحياة البشرية وماذا يجب أن يعودللمجتمع؟

ان كلا منهما ينال حصته العادلة إذا هو احتفظ بما يخصه أو يعنيه. فيكونللفردية جزء الحياة الذي يهم الفرد، وللمجتمع الجزء الذي يهم المجتمع.

ان المجتمع غير مؤسس على عقد ولا غاية ترجى من اختراع عقد لاستخلاصالواجبات الاجتماعية منه. ولكن من ينال حماية المجتمع يكون مدينا له مقابلذلك، والعيش في المجتمع يقتضي حتما أن يتقيد كل فرد بخطة من السلوك تجاهالآخرين. يتألف هذا السلوك، أولا، من عدم إضرار بتلك المصالح التي يجب أنتُعتبر حقوقا إما بموجب نص قانوني صريح أو بموجب تفاهم ضمني. ويتألف هذاالسلوك، ثانيا، من تحمل كل فرد نصيبه (الذي يُقَرر وفق مبدأ منصف) مماتقتضيه صيانة المجتمع أو أعضاءه من أتعاب وتضحيات. ويحق للمجتمع مهما كلفالأمر ان يفرض تحقيق هذين الشرطين على من يحاول الامتناع عن ذلك. وليس هذاكل ما يجوز أن يفعله المجتمع. فقد تكون أفعال الفرد ضارة بالغير أو قليلةالاهتمام بخيرهم دون أن تكون مخالفة لحقوقهم المقررة، ويجوز عندئذ معاقبةالمذنب عن طريق الرأي العام لا عن طريق القانون. وحينما ينطوي أي جزء منسلوك الفرد على ضرر بمصالح الغير تصبح للمجتمع سلطة عليه، ويطرح على بساطالبحث عندئذ السؤال القائل: هل يفيد الصالح العام من هذا التدخل أم لا؟ولكن لا موضوع لهذا السؤال إذا كان سلوك الفرد لا يمس مصالح أحد سواه، أوليس من الضروري ان يمسها إلا إذا أرادوا هم ذلك (بشرط ان يكون المعنيونبالغير بالغين وذوي قدر كاف من الفهم). وعلى كل حال يجب أن يكون للفردمطلق الحرية القانونية والاجتماعية في أن يفعل ويتحمل تبعة فعله.

من الخطأ الفادح في فهم هذه النظرية ان نزعم أنها نظرية لا مبالاة أنانيةتدعي أن لا شأن للناس بسلوك بعضهم مع بعض وان ليس من الواجب ان يهتموابمصالح الغير وخيره إلا إذا كانت تمس مصالحهم. فالحاجة تدعو لا إلىالإنقاص بل إلى الزيادة في كل جهد غير مغرض يُصرف في رعاية خير الغير،ولكن الحب غير المغرض للخير يستطيع أن يجد وسائل أخرى لإقناع الناس بخيرهمغير السياط بمعناها الحرفي والمجازي. إني آخر من يحط من قيمة الفضائل التيتعنى بالذات، وان جاءت بعد شيء فإنما تأتي عندي في الدرجة الثانية منالأهمية بعد الفضائل الاجتماعية، ومن واجب التربية أن ترعاهما معا. انالتربية تعمل عن طريق الإقناع كما تعمل عن طريق الإرغام فإذا انقضت مرحلةالتربية يكون من الواجب استعمال الطريقة الأولى، أي الإقناع، في ترسيخالفضائل التي تقصد الذات وتعنيها. والناس مدين بعضهم لبعضهم الآخربالمساعدة على التمييز بين الأحسن والأسوأ، والتشجيع على اختيار الأولوتجنب الثاني، ويجب ان يحفز بعضهم بعضهم الآخر على ممارسة ملكاتهم العلياوتوجيه مشاعرهم وأهدافهم نحو أغراض حكيمة سامية لا حمق فيها ولا انحطاط.ولكن لا يحق لفرد أو جماعة أن يقول لشخص آخر بالغ انه يجب عليه أن لا يفعلبحياته كما يشاء. فالشخص هو صاحب الشأن الأول فيما يختص بخيره الذاتي، ولايمتد بشأن الآخرين فيه إلا في حالات العلاقة الشخصية القوية.وما شأنالمجتمع به كفرد (فيما عدا سلوكه نحو الغير) إلا شأن جزئي غير مباشر. وحتىالشخص العادي نفسه فانه يملك من الوسائل لمعرفة مشاعره وظروفه الخاصة مايفوق ما يملكه أي شخص آخر. ان تدخُّل المجتمع للتحكم في حكمه وأغراضهالخاصة به لا بد أن يقوم على افتراضات عامة قد تكون خاطئة، وإن كانت صحيحةفقد يسيء تطبيقها على الحالات الفردية أناس يجهلون تلك الحالات كما يجهلهاأولئك الذين ينظرون إليها من الخارج فقط. في هذا الدائرة من شؤون البشريقع مجال عمل الفردية. ففي سلوك البشر نحو بعضهم بعضا لا بد من مراعاةقواعد عامة ليعرف الناس ما يجب أن يتوقعوا. أما فيما يختص بالفرد، فان لهالحق في ممارسة انطلاقه الفردي بحرية. يجوز أن يقدم إليه الآخرون اعتباراتتساعده في حكمه أو نصائح تقوي إرادته حتى ولو كان الأمر تطفلا منهم، إلاأنه هو الحاكم الأخير. وان الشر الناجم عن السماح للغير بإرغامه على مايرون فيه مصلحته يرجح على كفة كل ما قد يرتكبه من أخطاء رغم النصحوالتحذير إذا هو بقي بدون هذا الإرغام.

أنا لا أقصد القول ان نظرة الغير للشخص يجب أن لا تتأثر قط بما عنده منحسنات أو نقائص في صفاته التي تخص ذاته، فذلك غير ممكن ولا مرغوب فيه. فهوإن شعر في أي من الصفات الآيلة إلى خيره، فانه إلى هذا الحد حري بالإعجاب،إذ يكون بهذا القدر أقرب إلى كمال الطبيعة البشرية لا مثالي. وان كان شديدالافتقار إلى هذه الصفات، تلا ذلك ظهور الشعور المناقض للإعجاب. فهناكدرجة من الحماقة، أو درجة مما قد يسمى الحطة أو الخسة في الذوق، قد لاتبرر إيذاء مقترفها، ولكنها تجعله جديرا بالاشمئزاز، بل وجديرا بالاحتقارفي الحالات المتطرفة. ولو أنه لا يسيء إلى أحد، فان تصرفه قد يضطرنا إلىالحكم عليه والشعور نحوه بانه أحمق أو من درجة أدنى من ذلك. ولما كان هويفضل ان يتجنب مثل هذا الحكم والشعور، فان في تحذيره مسبقا من العواقبالوخيمة التي يعرض نفسه لها خدمة له. ليس في الإمكان تأدية هذه الخدمةبحرية أكثر مما تسمح به الآداب العامة المرعية في الوقت الحاضر، فيقولالواحد للآخر انه يظن أنه مخطئ دون ان يُعتبر متطفلا أو غير متأدب. ولديناالحق في ان نتصرف بطرق شتى بحسب رأينا السيء في أي شخص، لا باضطهاد فرديتهبل بممارسة فرديتنا. فنحن غير مضطرين مثلا إلى معاشرته، ولنا الحق فيتجنبها (ولكن بدون التفاخر بإظهارها) إذ لنا الحق في اختيار عِشرة من نرضىبهم. ومن حقنا، لا بل ومن واجبنا، أن نُحذر الآخرين منه، ان رأينا انقدوته ذات تأثير ضار بمن يعاشرونه. ولنا أن نؤثر الغير عليه في المناصب،إلا في تلك التي ترمي إلى تحسينه. ولهذه الأسباب قد ينال المرء عقوباتشديدة على أيدي الغير عن أخطاء لا تمس مباشرة إلا ذاته. ولكنه إنما ينالهاكنتائج طبيعية عفوية للأخطاء بالذات، لا لأنها فرضت عليه كقصاص. فان منيبدي تهورا أو عنادا أو اغترارا بذاته، من لا يستطيع العيش ضمن إمكانياتمعتدلة، أو لا يمسك نفسه عن الإباحية المؤذية، أو يندفع في الشهواتالحيوانية على حساب أصحاب الشعور والتعقل؛ يجب أن يتوقع أن ينحط في نظرةالغير إليه وشعورهم نحوه، ولا حق له في التذمر من ذلك، إلا إذا استحقعطفهم ورضاهم بامتياز خاص في علاقاته الاجتماعية، فحظي بنعمة في أعينهم لاتتأثر بنقائصه تجاه نفسه.

أريد أن أثبت أن المتاعب التي لا يمكن فصلها عن حكم الآخرين على الفردبسوء تصرفه إنما هي المتاعب الوحيدة التي يجوز أن يتعرض لها بسبب ذلكالجزء من سلوكه وخلقه الذي يتعلق بمصلحته الخاصة وحدها ولا يمس مصالحالآخرين في علاقتهم معه. أما الأفعال الضارة بالغير فإنها تقتضي معالجةأخرى تختلف تماما. فالتعدي على حقوقهم، أو تكبيدهم خسارة لا تبررها حقوقه،أو الكذب أو المواربة في معاملتهم، أو الاستئثار غير المشروع بالفوائددونهم، أو حتى التخلي الأناني عن حماستهم من الأذى، كل هذا يستحقالاستنكار الأخلاقي، بل والجزاء الأخلاقي والقصاص في الحالات الخطيرة.وليست هذه الأفعال وحدها هي التي تعتبر رذيلة أيضا وتستوجب الاستهجان الذيقد يبلغ حد المقت والكراهية. ان القسوة، و الحقد أو الضغينة، والحسد الذيهو في الواقع أفظع الأهواء الضارة بالمجتمع، والرياء أو عدم الإخلاص،والنزق أو سرعة الغضب لأتفه الأسباب، والحنق دون استفزاز متكافئ، وحبالتسلط على الغير، والرغبة في الاستئثار بأكثر من النصيب الشخصي منالفوائد، والكبرياء التي تتلذذ بامتهان الغير، والأنانية التي تعتبر الذاتومالها أهم من أي شيء آخر. ان هذه الصفات جميعا رذائل وهي تشكل طبعاأخلاقيا شريرا، وهي ليست كالأخطاء الخاصة بالسلوك الشخصي المذكورة آنفاوالتي لا تكون في حقيقتها رذائل ولا شرورا مهما تمادى الإنسان فيها. قدتكون هذه برهانا على أي مقدار من الحماقة أو قلة الكرامة الذاتية أواحترام الذات، ولكنها لا تستوجب اكثر من الاستنكار الأدبي إذا انطوت علىإخلال بالواجب نحو الغير، الذي من أجله يجب أن يعتني الفرد بنفسه. ان مايسمى بالواجب نحو أنفسنا لا يعتبر أمرا واجبا من الوجهة الاجتماعية، إلاحين تجعله الظروف في نفس الوقت واجبا نحو الغير. وإذا كان الواجب نحوالذات يعني شيئا أكثر من الفطنة أو التبصر بالعواقب فإنما يعني احترامالذات أو التطور الذاتي، وما من أحد مسؤول عن أي من هذه تجاه الغير، لأنهليس من مصلحة البشر ان يكون مسؤولا عن أي منها.

ان الفرق بين فقدان الاعتبار الذي يتعرض له المرء بتقصيره في الفطنة أوالكرامة الشخصية، وبين الاستنكار الذي يناله جزاء على افتئاته على حقوقالغير، ليس مجرد فرق اسمي. فهناك فرق كبير في مشاعرنا وسلوكنا تجاهه بينما إذا كان امتعاضنا منه في أمور نظن أن من حقنا السيطرة عليه فيها، وبينما إذا كان في أمور نعرف ان لا حق لنا بالتدخل فيها. فان كدّرنا، كان لناالحق في الإعراب عن امتعاضنا والابتعاد عنه، ولكن ليس لنا ان ننغص عليهحياته. لنفكر في أنه يتحمل أو سيتحمل مجمل جزاء أخطائه، وان أفسد حياتهبسوء إرادته، فليس في ذلك سبب يدعونا إلى زيادة إفسادها، وحري بنا بدلا منطلب قصاصه ان نحاول التخفيف من قصاصه بان نبين له كيف يمكنه ان يتجنب أويعالج الشرور التي يجلبها عليه سلوكه. قد يكون موضع شفقتنا أو امتعاضنا،ولكن يجب ان لا يكون موضع سخطنا أو نقمتنا وان لا نعامله كعدو للمجتمع.وأقصى عمل نستطيع أن نبرره أمام أنفسنا هو ان نتركه وشأنه إذا نحن لم نشأأن نتدخل بحسن نية بإبداء اهتمامنا به و غيرتنا عليه. إلا ان وجه المسألةيختلف إذا هو خالف الأنظمة اللازمة لحماية بني جنسه منفردين ومجتمعين.فعواقب أفعاله الوخيمة لا تقع عليه عندئذ بل على الغير، وعلى المجتمع انيقابله بالمثل دفاعا عن أعضائه، وأن يفرض عليه أو يذيقه الألم بقصدالقصاص، وإن يحرص على ان يكون قصاصا صارما. انه في هذه الحالة مجرم واقفأمام القضاء، ونحن مطالبون بالحكم عليه وبتنفيذ هذا الحكم أيضا بطريقة أوأخرى. اما في الحالة الأولى فنحن غير مكلفين بإيلامه إلا بقدر ما يترتبعرضا على استعمالنا في تنظيم شؤوننا الخاصة لنفس الحرية التي نبيحها له فيتنظيم شؤونه.

يأبى الكثيرون التسليم بهذا التمييز بين ذلك الجزء من حياة الإنسان الذييخصه وحده وذاك الذي يخص الغير. قد يسألون كيف يمكن ان لا يبالي بقيةأعضاء المجتمع بأي جزء من حياة عضو فيه. ما من أحد مخلوق مستقل منعزل، ومنالمستحيل ان يأتي شخص عملا يسبب لنفسه ضررا خطيرا أو ضررا دائما دون انيصل أذاه إلى ذوي قرباه على الأقل، وكثيرا ما يتعداهم إلى غيرهم. ان أضربأملاكه، أضر بالمنتفعين منها مباشرة أو غير مباشرة، وأفقد المجتمع جزءامن موارده قَلّ أو كثر. وإن افسد قواه البدنية أو العقلية، لما أوقع الشرعلى من يعتمدون عليه في جزء من سعادتهم فقط، بل لجعل نفسه أيضا غير صالحلتأدية الخدمات التي هو مدين بها لعموم البشر، وقد يصبح عالة على برّهموإحسانهم. قد يقال أخيرا، إن المرء قد لا يسبب أذى مباشرا برذائله أوحماقته ولكنه يظل مؤذيا بقدوته، ويجب ان يرغم على ضبط نفسه لئلا يفسد أويضل الآخرين الذين يرون سلوكه أو يعرفونه.

وقد يقال بالإضافة إلى ذلك: لو اقتصرت تبعات سوء السلوك على الفرد الشريرأو غير المفكر وحده، فهل يجب على المجتمع ان يسمح لأناس بان يرشدوا أنفسهموقد اتضح انهم غير أهل لذلك؟ ان كان الأطفال وغير البالغين حريين باننحميهم من أنفسهم، فهل المجتمع غير ملزم كذلك بحماية الأشخاص البالغينالعاجزين عن سياسة أنفسهم؟ ولئن كان في القمار أو السكر أو الكسل أوالدعارة إفساد للسعادة وعرقلة للتقدم والتحسن، كأكثر ما يحدث في الأفعالالتي يحرمها القانون، فلماذا لا يحاول القانون منع هذه الآفات بقدر ما هوممكن عمليا واجتماعيا؟ ثم الا يجب على الرأي العام أن يكمل نقائص القانونالتي لا مفر منها وان ينظم على الأقل قوة بوليسية ضد هذه الرذائل، وانيفرض عقوبات اجتماعية صارمة على مقترفها؟ كذلك قد يقال إن هذه المسألة لاتتناول مسألة تقييد الفردية، ولا إعاقة إجراء تجارب جديدة في الحياة،وإنما هي معنية بمنع أمور جربت واستنكرت منذ بداية العالم إلى اليوم. أمورأظهرت الخبرة أنها غير مفيدة ولا مناسبة لفردية أي إنسان. الواقع انه لابد من مرور زمن طويل على الاختبار قبل ان تصبح حقيقة أخلاقية ما معتبرةعلى أنها أصبحت مستقرة، وأن المرغوب فيه منع جيل بعد آخر من السقوط في نفسالهوة التي قضت على السلف.

إني أجزم هنا بان الضرر الذي يلحقه شخص بنفسه قد يكون ذا أثر خطير علىالغير ممن لهم علاقة به، وبدرجة أقل على المجتمع عموما. فإذا قاد مثل هذاالسلوك شخصا إلى الإخلال بواجب واضح نحو الغير، فان القضية تخرج عن نطاقالشؤون الذاتية وتصبح في متناول التنديد الأخلاقي بمعناه الصحيح.

وان عجز إنسان عن دفع ديونه، أو عن إعالة أسرته وتربية أطفاله بسبب تبذيرهفانه يستحق الاستهجان بل والقصاص، ولكن عقابه يكون على إخلاله بواجبه نحوأسرته ودائنيه لا على إسرافه وتبذيره. ولو حول الموارد التي يجب أن تخصصلهم إلى مشاريع استثمارية حكيمة لما تغير ذنبه الأخلاقي. لقد قتل جورجبارنويل عمه ليحصل على مال لخليلته، ولو أنه فعل ذلك لينشئ لنفسه عملاتجاريا لما تبدل الحكم بإعدامه. ثم إن الشخص الذي يجلب الأسى والغم لأسرتهبإدمانه على العادات السيئة يستحق التوبيخ على عدم لطفه وعلى نكرانهللجميل. ويستحق ذلك أيضا على ممارسة عادات ليست شريرة في حد ذاتها ولكنهامؤلمة لأولئك الذين يقضي حياته معهم أو يعتمدون عليه في أسباب رفاهيتهم.

وكل من يقّصر في الاعتبارات التي تقتضيها مصالح الغير ومشاعرهم دون أنيرغمه على ذلك واجب أشد إلحاحا فانه يستحق اللوم الأخلاقي على ذلكالتقصير، لا على سببه ولا على أخطائه الشخصية التي تكون قد أدت إليه منبعيد! لذلك يدان بذنب اجتماعي من يجعل نفسه بسلوكه الشخصي البحت عاجزا عنالقيام بواجب معين يترتب عليه تجاه الجمهور. لا يجوز معاقبة شخص على مجردسكره، ولكن الجندي أو الشرطي يجب ان يعاقب على سكره أثناء وظيفته.وبالاختصار كلما وقع الضرر، خرجت القضية من نطاق الحرية ودخلت ضمن نطاقالأخلاق أو القانون.

اما الضرر الطارئ الذي يمكن أن يسببه شخص للمجتمع من جراء سلوك ليس فيهإخلال بالواجب نحو الجمهور، وليس فيه قصد إلحاق الأذى بشخص معين من الناس،فانه يليق بالمجتمع ان يتحمله من أجل خير الحرية البشرية الأعم. إن كان لابد من معاقبة البالغين على عدم اعتنائهم بأنفسهم، فاني افضل ان يكون ذلكلأجلهم على ان يكون بحجة منعهم من إضاعة نشاطهم أو من تأدية خدمة للمجتمعلا يدعي المجتمع أي حق في فرضها. بيد أنى لا أوافق على مناقشة هذه النقطة،كأن المجتمع لا وسيلة لديه في رفع الصفات من أعضائه إلى المستوى العادي منالسلوك المعقول سوى الانتظار حتى يأتوا أمرا غير معقول فيعاقبهم عليهقانونيا أو أخلاقيا. لقد كان للمجتمع عليهم سلطة مطلقة خلال عمرهم المبكر،كان عهد الطفولة والحداثة تحت تصرفه ليحاول جعلهم ذوي سلوك معقول. انالجيل الحالي هو سيد التدريب وسيد كل الظروف التي تحيط بالجيل القادم،فإذا لم يستطع إبلاغهم حد الكمال في الحكمة والصلاح فلأنه هو ذاته ناقص فيالحكمة والصلاح. وليست أقصى جهوده مع الأفراد دائما أنجحها، ولكنه قادرعلى أن يرفع الجيل الناشئ جملة إلى درجة الصلاح التي وصل إليها هو، أو إلىما هو أعلى منها. فان سمح المجتمع لعدد وافر من أعضائه بأن يظلوا أطفالافي عقليّتهم، فليس له إلا أن يلوم نفسه على العواقب.

يتبع >
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://dahmane16.ahlamontada.net
المشرف العام
المشرف العام
المشرف العام
المشرف العام


بحوث ودراسات سياسية Collec10
بحوث ودراسات سياسية Sports10
بحوث ودراسات سياسية 110
بحوث ودراسات سياسية 25794_81264872602
الجنس ذكر
عدد المساهمات : 5351
بحوث ودراسات سياسية Dkv94354
    : الدعـاء

بحوث ودراسات سياسية Empty
مُساهمةموضوع: رد: بحوث ودراسات سياسية   بحوث ودراسات سياسية Icon_minitimeالأربعاء 20 أكتوبر 2010, 21:07

ان المجتمع مسلح بقوى التربية من جهة، وهو من جهة أخرى مسلح بالتفوق الذيتفرضه سلطة الرأي العام المسَلّم به على أصحاب العقول القاصرة الذين ليسواأهلا لتقرير أمورهم. ثم هو من جهة ثالثة يتلقى المساعدة من العقوباتالطبيعية التي لا يمكن إلا أن تصيب أولئك الناس الذين يستحقون كل امتعاضوازدراء من كل من يعرفهم. فهل يحق للمجتمع بعد هذا أن يدعي أنه بحاجة إلىسلطة لإصدار الأوامر وفرض الطاعة في شؤون الأفراد الشخصية، تلك الشؤونالتي تقضي جميع مبادئ العدل ان يكون أمرها بيد من يتحملون تبعاتها. انعلينا ان نعترف أن لا شيء يؤذي أفضل الوسائل المستعملة في التأثير علىالسلوك مثل اللجوء إلى ما هو أسوأ منها. وإن كان في الأشخاص الذين يرادإرغامهم على سلوك سبيل التعقل والاعتدال شيء من عناصر الأخلاق القويةالمستقلة، فانهم سيثورون حتما على ذلك النير. لن يقبل أحد منهم بحق الغيرفي السيطرة على شؤونه الخاصة، وسرعان ما يعتبر كل منهم أن من الشجاعةالوقوف في وجه تلك السلطة المغتصبة والتباهي بالقيام بعكس ما تأمر به، كماحدث إبّان عهد تشارلز الثاني للتعصب الأخلاقي الذي ظهر عند جماعةالمتطهرين (puritans). أما بشأن ما يقال عن حماية المجتمع من سوء قدوةالمستهترين، فالحق يقال ان القدوة السيئة ذات أثر ضار، لا سيما إذا بقيالمذنب نحو الغير دون أن يعاقب. ولكننا نتحدث الآن عن السلوك الذي يفترضفيه أنه كبير الضرر على صاحبه، دون أن يكون ضارا بالغير. على أني لا أفهمهنا كيف لا يفطن الذين يعتقدون بهذا القول ان القدوة على العموم يجب أنيكون نفعها أكثر من ضررها، لأنها تستعرض الآفة وتستعرض معها أيضا نتائجهاالمؤلمة أو المحزنة التي تلازمها في جميع الحالات أو في معظمها إذا نالسوء السلوك ما يستحقه من التوبيخ!

إن أقوى حجة ضد تدخل المجتمع في شؤون الفرد الخاصة هي أن تدخُّله غالبا مايكون خاطئا وفي غير محله. ان رأي العموم، أي الأكثرية السائدة، في مسائلالأخلاق الاجتماعية والواجب نحو الغير، كثيرا ما يكون خاطئا، رغما عن أنهكثيرا ما يظهر مصيبا، لان المطلوب منه إذ ذاك ان يحكم في مصالح الأكثرية،وفي الطريقة التي يمكن أن يؤثر عليهم فيها نوع من السلوك قد يسمحبممارسته. أما فرض رأي الأكثرية كقانون على الأقلية في شؤون السلوك الخاص،فانه قد يكون خاطئا بقدر ما يكون صائبا، لان الرأي العام في مثل هذهالحالات لا يعدو كونه رأي بعض الناس في ما هو خير أو شر للغير، بينما هوكثيرا لا يعني حتى هذا، فتهمله العامة ولا تبالي بإرادة أصحابه ورضاهم ولاتهتم إلا بما تفضله. هناك كثيرون يعتبرون السلوك الذي لا يحبونه ضررا لهميجرح مشاعرهم، كذلك المتعصب الذي اتهم بالاستهانة بمشاعر الغير الدينية،فأجاب بأنهم يستهينون بمشاعره بالمواظبة على عبادتهم أو عقيدتهم اللعينة.ولكن لا يوجد شبه بين شعور شخص نحو رأيه الخاص وشعور شخص آخر يكّدره تمسكالأول برأيه، أكثر مما يوجد بين رغبة لص في أخذ محفظة نقود ورغبة صاحبالمحفظة في الاحتفاظ بها. وذوق الفرد هو من شؤون الفرد الخاصة، تماماكرأيه وكمحفظته.

من السهل على أي إنسان أن يتخيل مجتمعا مثاليا لا يتدخل في حرية الأفرادواختيارهم في الأمور التي يجب فيها الاختيار، ولا يطلب منهم إلا أنيجتنبوا أنواع السلوك التي استنكرتها الخبرة العامة. ولكن أين تجد المجتمعالذي وضع لرقابته مثل هذا الحد؟ أو متى يهتم الجمهور بالخبرة العامة؟ انهفي تدخله في السلوك الشخصي قلّما يفكر في شيء غير فظاعة العمل أو الشعورالذي يخالفه، وهذا القياس في الحكم يعرضه مُقُنَّعا بغلالة رقيقة تسعةأعشار رجال الأخلاق والكتاب والمفكرين على الشعب على انه رأي الدينوالفلسفة. إنهم يعلموننا أن الأمور صحيحة لأنها صحيحة، أو لأننا نشعربأنها كذلك، ويطالبون منا أن نبحث في عقولنا وقلوبنا عن قوانين السلوكالملزمة لنا وللآخرين. فهل يستطيع الجمهور المسكين إلا أن يطبق هذهالتعليمات ويجعل مشاعره الخاصة في الخير والشر واجبا لازما على جميعالبشر، ان أمكنه الإجماع عليها؟

إن الشر المشار إليه هنا لا يوجد نظريا فقط. وإذا كان من المنتظر مني أنأعين الحالات التي يضفي فيها الجمهور في هذا العصر وهذه البلاد على مايفضله صبغة القانون الأخلاقي، فأنا اكتب مقالا في شذوذ الشعور الأخلاقيالحاضر، وهذا في نظري أخطر من أن يُبحث على الهامش أو بإيراد الأمثلة. بيدأنه لا بد من الأمثلة لأبين أن المبدأ الذي أقول به ذو شأن خطير وعملي،وأني لا أحاول إقامة حاجز دون الشرور الوهمية. وليس من العسير أن أبينبالأمثلة العديدة أن توسيع حدود ما يمكن ان يسمى بالبوليس الأخلاقي توسيعايصل إلى حد الاعتداء على أعمق حرية شرعية للفرد إنما هو من أعم النزعاتالبشرية.

لننظر أولا في تنافر الناس القائم على أن من يخالفونهم في العقيدة الدينيةلا يقبلون طقوسهم وشعائرهم ولا ينتهون بنواهها. لنوضح ذلك بمثال. لا شيءفي الدين المسيحي أدعى إلى نفور المسلمين من أكل لحم الخنزير، وليس لدىالمسيحيين والأوروبيين أي شيء ينظرون إليه باشمئزاز حقيقي كما ينظرالمسلمون إلى هذا الأسلوب من إشباع الجوع. انه أولا مخالفة لدينهم، ولكنهذا وحده لا يوضح مدى اشمئزازهم ونوعه. فالخمر أيضا محرمة لديهم،والمسلمون يعتبرون تعاطيها إثما. ولكنهم لا يشمئزون منها. ان كراهيتهمللحم "الحيوان النجس" هي من ذلك النوع الخاص الذي يشبه النفور الغريزيالذي تثيره دائما فكرة النجاسة إذا غاصت إلى صميم المشاعر، حتى في مَن لايراعون النظافة في عاداتهم الشخصية، والتي يكون من أبرز أمثلتها ذلكالشعورالشديد بالنجاسة الدينية عند الهنود. لنفرض ان الأكثرية المسلمة فيشعب ما أصرت على تحريم أكل لحم الخنزير ضمن حدود البلاد، فهل يكون في هذاممارسة شرعية لسلطة الرأي العام الأخلاقية؟ فان لم تكن كذلك، فلم لا؟ انتلك العادة مثيرة حقا للشعب الذي يعتقد مخلصا أنها محرمة يمقتها الله.ولكن لا يمكن التنديد بالتحريم كاضطهاد ديني، فقد يكون دينيا في أصله، إلاأنه لن يكون اضطهادا للدين ما دام لا يوجد دين يوجب أكل لحم الخنزير.والحجة الدامغة الوحيدة التي يقوم عليها استنكار ذلك التحريم إنما هي أنهلا يحق للجمهور أن يتدخل في أذواق الفرد وشؤونه الخاصة. إليك مثل آخر أقربإلينا: يعتقد معظم الأسبان أن من الكفر بالله أن يُعبد على غير الطريقةالكاثوليكية، فلا تعتبر أية عبادة أخرى شرعية في الأراضي الأسبانية. ثم إنشعوب جنوبي أوروبا ينظرون إلى زواج رجال الكنيسة كشيء غير عفيف، وغير لائقوفظيع، وبغيض، بالإضافة إلى كونه خروجا على الدين. ماذا يقول البروتستنتفي هذه المشاعر المخلصة وفي محاولة فرضها على غير الكاثوليك؟ لو برر البشرفي تدخلهم في حريات بعضهم بعضا في شؤون لا تمس مصالح الغير، فعلى أي مبدأيمكن استثناء هذه الأمثلة؟ أو من يسعه أن يلوم الناس على رغبتهم في قمع مايرونه معيبا في أعين الله والناس؟ لا حجة لتحريم ما يعتبر رذيلة أقوى منتلك التي يتذرع بها من يرون في الأمثلة التي أوردناها رذائل تستوجب القمع.وإلا إذا شئنا أن نأخذ بمنطق الطغاة وأن نقول إن لنا أن نضطهد الغير لأنناعلى حق، وإنهم لا يجوز لهم أن يضطهدونا لأنهم على باطل، فلنحذر التسليمبمبدأ نعتبر تطبيقه على أنفسنا منتهى الإجحاف والظلم.

قد يعترض بعضهم على الأمثلة الآنفة الذكر بقوله إنها مأخوذة من حوادثيستحيل وقوعها في بلادنا، إذ لا يحتمل ان يفرض الرأي العام عندنا الامتناععن أكل بعض اللحوم أو التدخل في شؤون العبادة أو الزواج أو عدمه. بيد أنالمثال التالي مأخوذ من تدخل في الحرية لم ننج بعد تماما من خطره. لقدحاول المتطهرون أن يقضوا على جميع أنواع اللهو أو التسلية العامة والخاصة،لا سيما الموسيقى والرقص والألعاب العامة والملاهي والمسارح، ونجحوا إلىحد كبير في تلك الأماكن التي قويت فيها شوكتهم، مثل بريطانيا ونيوانغلندإبان عهد الكومنولث. ولا تزال بيننا جماعات كبيرة لها من الآراء الأخلاقيةوالدينية ما يستنكر أسباب اللهو تلك. ولما كان معظم أولئك الناس من الطبقةالوسطى، وهي السلطة المتفوقة في الظرف الاجتماعي والسياسي الحالي، فليس منالمستبعد أن يفوزوا يوما بأكثرية مقاعد المجلس النيابي. فماذا تقول بقيةأعضاء المجتمع في إخضاع ما يسمح لها به من أسباب اللهو لآراء أولئكالمتزمتين الدينية والأخلاقية؟ أفلا ترغب حتما في إلزام أولئك الأتقياءالمتطفلين حدهم؟ وهذا هو ما يجب أن يقال لكل حكومة وكل مجتمع يدعيان أن لاحق لامرئ في أية متعة يعتبر أنها خاطئة. ولكن إذا سلمنا بمبدأ الادعاء،فلا يستطيع أحد أن يعترض على العمل به باسم الأغلبية أو السلطة الراجحة فيالبلاد. وعلى الجميع أن يستعدوا للإذعان لفكرة كومنولث مسيحي كما فهمهمستوطنو نيوانغلند الأولون، فيما لو نجح تدين مماثل لتدينهم في استرداد مافقده من نفوذ.

لنتخيل احتمالا آخر قد يكون أقرب إلى التحقيق مما سبق. في العالم الحديثاتجاه نحو كيان ديمقراطي للمجتمع، مصحوب بمؤسسات سياسية شعبية. ويقال عنالولايات المتحدة، وهي اكثر البلدان ديمقراطية حكومة وشعبا، أن شعورالأغلبية يعمل كقانون فعال في تنظيم إنفاق الأموال، وأن من الصعب على صاحبالدخل الكبير، في عدد كبير من أنحاء ذلك الاتحاد، أن يجد وسيلة لإنفاقدخله الكبير لا يتعرض فيها لسخط الجمهور. ان في هذا القول مبالغة للواقعدون شك، غير أن ما يصفه من أوضاع شيء ممكن وقابل للتصور، لا بل هو نتيجةمرجّحة لشعور ديمقراطي مقرون بفكرة أن للشعب حق النقض بشأن الطريقة التيينفق فيها الأفراد أموالهم. وما علينا بعد ذلك إلا أن نفرض انتشار الآراءالاشتراكية وتغلغلها حتى قد يصبح من العيب في أعين الأكثرية ان يقتنيالمرء إلا اقل قدر من الأملاك، أو أن يكسب أي دخل إلا بالعمل اليدوي. ولقدانتشر ما يشبه هذه الآراء بين أفراد الطبقة العاملة، وأزعج ذلك بقية أعضاءالطبقة الذين يتأثرون برأيها. ومن المعروف أن العمال غير الحاذقين الذينيؤلفون الأكثرية في معظم الصناعات يرون أن العامل الخائب يجب أن ينال أجرامساويا للعامل الحاذق، وأنه لا يجوز لأحد أن يكسب بحذاقته اكثر مما يكسبالآخر بدونها. وهم يستخدمون بوليسا معنويا يتحول أحيانا إلى بوليس فعليليحول دون إعطاء العمال الحاذقين أجرا أعلى على خدمات أحسن وأنفع. فاناعترفنا بأن للجمهور سلطة على الأعمال الخاصة، فأنا لا أرى أن أولئكالعمال على خطأ، ولا أرى أن يلام جمهور ما، كجمهور العمال، إذا ادعى لنفسهسلطة على سلوك أفراده تماثل السلطة التي يدعيها الجمهور على الناس عموما.

لا حاجة إلى أخذ حالات نفترضها افتراضا. ففي أيامنا هذه أمثلة كثيرة علىاغتصاب حرية الحياة الخاصة، وعدد كبير منها ينذر بنجاح أوفر. لا بل إنهناك آراء تدعو إلى تخويل الجمهور حقا لا حد له في تحريم ما يراه خطأبواسطة القانون، وفي تحريم عدد من الأمور يعترف بأنها بريئة بذاتها، إلاأنها طريقة في الوصول إلى ما يراه خطأ.

لقد حرم القانون، بحجة مكافحة إدمان المسكرات، شعب إحدى المستعمراتالبريطانية ونصف سكان الولايات المتحدة من استعمال المشروبات المخمرة، إلالأغراض طبية. لم يكن تحريم بيعها إلى بغية تحريم استعمالها كما هوالمقصود. ومع أن عدم إمكان تنفيذ القانون قد أدى إلى إلغائه في عدة ولاياتبما فيها الولاية التي يحمل اسمها ، فانه قد بدئ بحملة حماسية للعمل علىسن تشريع مماثل في هذه البلاد. إن الجمعية التي تسمى نفسها "الاتحاد"،والتي أُسست لهذه الغاية، قد اكتسبت بعض الشهرة السيئة من جراء نشرمراسلات جرت بين أمين سرها وبين إحدى الشخصيات الإنكليزية القليلة القائلةبأن آراء الرجل السياسي يجب أن تقوم على المبادئ. وكان المأمول من نصيباللورد ستانلي من هذه المراسلات أن يعزز الأمل الذي علقه عليه من أدركواندرة صفاته بين الشخصيات اللامعة في دنيا السياسة. إن داعية الجمعية هذا،الذي "يستنكر أي اعتراف بأي مبدأ يغتصب اغتصابا كي يبرر التعصبوالاضطهاد"، يأخذ على عاتقه بيان "الحاجز العريض المنيع" الذي يفصل بينتلك المبادئ وبين مبادئ الجمعية. فيقول: "إن كل ما يتعلق بالفكر والرأيوالضمير يبدو لي أنه خارج نطاق التشريع، وإن كل ما يتعلق بالأفعالالاجتماعية، والعادات، والعلاقات، يدخل في نطاق سلطة اختيارية موضوعةبِيَد الدولة نفسها لا بِيَد أي فرد من الأفراد الذين تضمهم". وهو لا يذكرفئة ثالثة تختلف عن السابقتين، مثل الأفعال والعادات التي ليست اجتماعيةبل فردية، مع أن شرب المشروبات المخمرة إنما هو فعل من أفعال هذه الفئة.

إن بيع المشروبات المخمرة تجارة، والتجارة عمل اجتماعي. على أن الإجحافالمشكو منه ليس مشكلة حرية البائع بل هو حرية المشتري والمستهلك، فالدولةإنما تمنع الشرب بمنع البيع. إلا أن أمين السر يقول: "إني كمواطن أدعي أنلي الحق في التشريع كلما اعتدى على حقوق الاجتماعية فعل اجتماعي من قبلشخص آخر". وهو يعّرف هذه "الحقوق الاجتماعية" بقوله: "إن كان ثمة ما يغزوحقوقي الاجتماعية، فلا شك في أن تجارة المشروبات القوية تفعل ذلك. إنهاتفسد علي حقي في الأمن، بإثارة الفوضى الاجتماعية. إنها تغزو حقي فيالمساواة باجتناء ربح يأتي عنه خَلقُ شقاء يفرض علي إعالته بالضرائب. إنهاتعرقل حقي في حرية التطور الأخلاقي والعقلي، بإحاطة سبيلي بالأخطار،وبإفساد المجتمع الذي من حقي أن أطلب منه العون المتبادل". إن هذه النظريةفي الحقوق الاجتماعية لم يسبق قط، على الأرجح، أن أعرب عن مثلها بلغةصريحة. فهي لا تعدو ما يلي: ان من الحق الاجتماعي المطلق لكل فرد ان يفعلكل فرد آخر كما يجب، وإن كل من يقصر في ذلك أقل تقصير يعتدي على حقيالاجتماعي ويخولني حق الطلب من السلطة التشريعية ان تزيل الظلم. إن مبدأفظيعا كهذا لأشد خطرا من أي تدخل مفرد في الحرية، وما من اعتداء علىالحرية إلا ويتمكن من تبريره. وهو لا يعترف بأي حق في الحرية، وربمااستثنينا هنا حق الاحتفاظ بالآراء سرا دون البوح بها، إذ حالما يخرج رأيأراه أنا ضارا من فم أحد، فانه يغزو جميع "الحقوق الاجتماعية" التي يخولنيإياها ذلك "الاتحاد". فهو مذهب يجعل لكل واحد من أفراد النوع الإنسانيمصلحة في الكيان الأخلاقي، والفكري، والجسمي للآخرين، وكل واحد يستطيع أنيفسر هذه المصلحة طبق مقاييسه.

إليك مثلا هاما آخر على التدخل غير الشرعي في حرية الفرد الشرعية وهوالتشريع الخاص بيوم العطلة أو الراحة. لا شك في أن الاستراحة في أحد أيامالأسبوع من عناء بالأعمال، بقدر ما تسمح به مقتضيات الحياة، عادة مفيدةجدا، ولو أنها غير إلزامية دينيا إلا عند اليهود. وبما أن من غير الممكنمراعاة هذا التقليد إلا بموافقة عامة من قبل الطبقات الصناعية والعمالية،وبما أن اشتغال بعض الناس يفرض ضرورة انتقال البعض الآخر، فقد يكون منالجائز والحق أن يضمن القانون لكل واحد مراعاة الآخرين لذلك التقليد وذلكبتعليق أعمال الصناعات الكبرى في يوم معين. ولكن هذا التبرير القائم علىاهتمام الغير المباشر بمراعاة كل فرد للتقليد، لا ينطبق على الأعمال التييختار المرء أن يلهو بها في أوقات فراغه، ولا يجيز أبدا فرض قيود قانونيةعلى أسباب اللهو. صحيح أن لهو بعض الناس يعني يوم عمل بالنسبة لغيرهم، إلاان متعة الكثيرين تستحق عناء القليلين بشرط أن يكون لهؤلاء القليلينالحرية في اختيار العمل أو التخلي عنه. ان العمال على حق في ظنهم أنالاشتغال يوم الأحد يجعل عمل سبعة أيام مكافأ عليه بأجر ستة أيام. ولكن مادامت أكثر الأعمال معلقة في ذلك اليوم، فان القليلين الذين يجب أن يعملواليؤمنوا للغير المتعة التي يريدها يحصلون على زيادة نسبية في كسبهم، ثمإنهم غير مجبرين على العمل إن كانوا يفضلون الفراغ والراحة على الربح.ويمكن كذلك معالجة قضية هؤلاء الأشخاص بفرض عطلة لهم في يوم آخر من أيامالأسبوع.

لم تبق إذن حجة للدفاع عن تقييد أسباب اللهو يوم الأحد، إلا القول بانالدين لا يجيزها، وهذا اجتهاد في التشريع لا يمكن ان نفيه حقه من الاحتجاجوالاستنكار. بقي ان نثبت ان المجتمع أو أيا من موظفيه لا يملك تفويضا منالأعلى للأخذ بالثأر لأي جرم مزعوم بحق الخالق لا يكون في نفس الوقت جرمابحق بني جنسنا. ان الفكرة القائلة بان من واجب كل شخص أن يكون الآخرمتدينا كانت أساس جميع ما اقترف من الاضطهادات الدينية، ولو سلمنا بتلكالفكرة لبررنا تلك الاضطهادات. ومع ان الشعور الذي يتبدى في المحاولاتالمتكررة لمنع السفر بالقطار يوم الأحد، وفي مقاومة فتح المتاحف وغير ذلك،ليس فيه ضراوة المضطهدين القدامى، فان الحالة العقلية التي ينم عليها هيفي أساسها. انها التصميم على عدم التسامح مع الآخرين في عمل أمر يسمح لهمبه دينهم لسبب واحد فقط وهو أن دين المتسلطين لا يسمح به. إنها الاعتقادأن الله يمقت أعمال الكفار فحسب، بل إنه أيضا لا يبرئ ساحتنا ان تركناهموشأنهم.

لا يسعني في هذا الصدد أن أغفل ذكر لغة الاضطهاد الذميم التي تصدر عنصحافة هذه البلاد كلما شعرت بأنها مدعوة لملاحظة ظاهرة المورمون الغريبةالتي تدعي قيام وحي جديد ودين جديد يقوم عليه. يمكن أن يقال الكثير عن هذهالبدعة: حصيلة التدجيل المحسوس، التي لا تسندها أية صفات خارقة لمؤسسها،والتي يؤمن بها مئات الألوف، حتى أصبحت أساسا لجمعية في عصر الصحف والسككالحديدية والتلغراف الكهربائي. ولك ما يعنينا هنا هو أن لهذه الديانة كمالغيرها شهداء، وأن نبيها ومؤسسها قبل بيد الدهماء بسبب تعاليمه، وأنه فتكبغيره من الأتباع بنفس العنف غير الشرعي، وأن المورمون طردوا بمجموعهم منالبلاد التي نشأوا فيها. وبينما هم الآن مبعدون في ركن منعزل في قلبالصحراء، يصرح الكثيرون علنا في هذه البلاد بأن من الحق (لولا أنه من غيرالمناسب) إرسال حملة عليهم لإرغامهم قسرا على الإذعان لرأي غيرهم منالناس. إن المادة في المذهب المورموني التي تستفز النقمة وعدم التسامحالديني هي إباحتهم تعدد الزوجات. وهذا التعدد محلل للمسلمين والهنودوالصينيين، ولكن يبدو أنه يثير عداء لا يخمد حين يمارسه أناس يتكلمونبالإنكليزية ويدعون أنهم نوع من المسيحيين. ما من أحد اشد تبرما مني بهذهالطائفة، لأسباب أخرى ولأنها إجحاف صارخ بمبادئ الحرية، فانها مجرد أحكامالسلاسل التي تقيد نصف المجتمع وتحرر النصف الآخر منها. ولكن يجب أن لاننسى أن تعدد الزوجات هذا إنما يتم بمحض إرادة النساء اللواتي يمكناعتبارهن الطرف المَغبون. ومهما بدا هذا الأمر مستغربا، فان له تفسيرا فيآراء البشر وعاداتهم العامة. ولما كانت هذه الآراء والعادات تلقن المرأةالاعتقاد بان الزواج هو الشيء الوحيد الذي لا بد منه، فمن الواضح أن هناككثيرات تفضل الواحدة منهن أن تكون ضرة لعدد من الزوجات على أن لا تتزوجأبدا. لا يطلب من البلدان الأخرى الاعتراف بمثل هذا الزواج، أو إعفاء بعضسكانها من قوانينها الخاصة إكراما لخاطر المورمون وآرائهم. ولكن بعد أنأذعن المنشقون لمشاعر الغير المعادية إلى أبعد مما يقتضيه العدل، وهجرواالمواطن التي لم ترض عن تعاليمهم، واستقروا في بقعة نائية من الأرض التيكانوا أول من جعلها صالحة لسكنى بني آدم؛ يتعذر أيجاد مبدأ غير مبدأالطغيان يقوم عليه منعهم من العيش هناك وفق ما يريدون من القوانين، بشرطأن لا يعتدوا على غيرهم وأن يسمحوا بان يهجرهم من لا يرضى بطرق معيشتهم.لقد اقترح أحد الكّتاب أن تراسل على حد قوله "لا حملة صليبية، بل حملةتحضيرية" لوضع حد لما يبدو له أنه خطوة رجعية في الحضارة. وهي تبدو ليكذلك، ولكني لا أرى أن لأي مجتمع الحق في أن يجبر مجتمعا آخر على التحضر.وما دام الراضخون للقانون السيئ لا يطلبون العون من مجتمع آخر، لا أرى مايوجب تدخل من لا علاقة له بالأمر لوضع حد لحالة يبدو أن من تهمهم مباشرةراضون عنها، بحجة انها فضيحة أو سبة لأناس يبعدون عنها آلاف الأميال ولاشأن لهم بها. ليرسلوا إن شاؤا مبشرين يبشرون ضدها، وليقاوموا بوسائل عادلة(ليس منها كَمّ أفواه المعلمين) تقدم مذاهب مماثلة بين ظهرانيهم. إذا كانتالحضارة قد تغلبت على البربرية يوم كانت البربرية سيدة الكون، فكيف يتسنىلنا ان ندعي الخوف من أن تنتعش البربرية بعد اندحارها وتنتصر على الحضارة؟إن حضارة تستسلم هكذا لعدو مقهور، يجب أن تكون قد أصبحت منحطة بحيث يعجزكهانها وأساتذتها وسواهم عن الدفاع عنها أو لا يكلفون أنفسهم مؤونة ذلك.وإن كان الأمر كذلك، فخير لها أن تزول سريعا، وخير البّر عاجله، إذ ليسلها إلا أن تتردى من سيء إلى أسوأ، إلى ان تفنى وتنبعث ثانية(كالإمبراطورية الغربية) على أيدي برابرة نشيطين حازمين

المصدر : مركز ابداع المعلم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://dahmane16.ahlamontada.net
 
بحوث ودراسات سياسية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» بحوث حول الشخصيات
» مصطلحات سياسية
» مصطلحات طبية سياسية كونية
»  بحوث في الإدارة والقيادة الناجحة للمؤسسات والموارد البشرية
» أطاريح ورسائل/مناقشة رسالة ماجستير علوم سياسية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى القلوب الصادقة  :: الأقسام الفكرية والثقافية :: قسم الطلاب عامة :: فضاء الجامعة :: منتدى العلوم السياسية-
انتقل الى: