موضوع: المفكر الجزائري مالك بن نبي رحمه الله الثلاثاء 06 أكتوبر 2009, 22:21
مالك بن نبي ( 1905-1973م ) من أعلام الفكر الإسلامي العربي في القرن العشرين.
حياته
ولد في مدينة تبسة في الشرق الجزائري سنة 1905 م ، فــي أســرة فقيرة بين مجتمع جزائري محافظ تخرج بعد سنوات الدراسة الأربع، فــي مدرسته التي اعتبرها "سجناً يعلّم فيه كتابــة "صــك زواج أو طـــلاق" وتخــــرج سنــــة 1925م.
سافر بعدها مع أحد أصدقائه إلى فرنسا حيث كانت له تجربة فاشلة فعاد مجددا إلى مسقط رأسه. وبعد العودة تبدأ تجارب جديدة في الاهتداء إلى عمل، كان أهمها، عملــه فـــي محكمـــة (آفلـــو) حيـــث وصــــل فــــــي (مارس 1927م)، احتك أثناء هذه الفترة بالفئات البسيطة من الشعب فبدأ عقله يتفتح على حالـــــة بلاده.
ثم أعاد الكرة سنة 1930م و لكن هذه كانت رحلة علمية. حاول أولا الإلتحاق بمعهد الدراسات الشرقية، إلا أنه لم يكــن يسمــح للجزائرييـــن أمثاله بمزاولة مثل هذه الدراسات. تركت هذه الممارســات تأثــيرا فــــي نفسه. فاضطّر للتعديل في أهدافه وغاياته، فالتحق بمدرسة (اللاسلكي) للتخرج كمساعد مهندس، ممّا يجعل موضوعه تقنــياً خالصـــاً، بطابعــــه العلمي الصرف، على العكس من المجال القضائي والسياســــي.
ثم انغمس في الدراسة، وفي الحياة الفكرية، كمـا تزوج فرنســية واختـــار الإقامــة في فرنسا وشرع يؤلف، في قضايا العالم الإسلامي كلــه، فكــان سنة 1946 كتابه "الظاهرة القرآنية" ثم "شروط النهضة" 1948 الذي طرح فيــه مفهــوم القابلية للاستعمـــار و"وجهة العالم الإسلامـــي" 1954،أما كتابه " مشكلة الأفكار في العالم الاسلامي" فيعتبر من أهم ماكتب بالعربية في القرن العشرين .
انتقل إلى القاهرة بعد إعلان الثورة المسلحة فـي الجزائر سنـــة 1954م وهناك حظي باحترام، فكتب "فكرة الإفريقية الآسيوية" 1956. وتشرع أعماله الجادة تتوالى، وبعد استقــلال (الجزائر) عاد إلــى الوطــن، فعيــن مديراً للتعليم العالي الذي كان محصوراً في (جامعة الجزائر) المركزيـــة، حتى استقال سنة 1967 متفرغاً للكتابة، بادئاً هـــذه المرحلـــة بكتابــة مذكراته، بعنوان عام"مذكرات شاهد القـــرن".
مذكرات شاهد القرن
صورة عن نضـال (مالك بن نبي) الشخصي في طلـب العلـم والمعرفـــة أولاً، والبحـث في أسباب الهيمنة الأوروبية ونتائجها السلبيـة المختلفـة وسياســـــة الاحتلال الفرنسي في الجزائر وآثاره، ممّا عكس صورة حية لسلوك المحتلين الفرنسيين أنفسهـــم في (الجزائر) ونتائج سياستهـــم، ووجوههـــا وآثارهــــا المختلفـــة: الاقتصادية، والثقافيــــة، والاجتماعــــي.
لكن مذكراته ممّا عبر بشكل قوي عن صلته بوطنه، وآثار الاستعمار والدمــار الذي أحدثه في (الجزائر) سياسياً، وزراعياً، واقتصادياً، وثقافياً، واجتماعياً، فهو شاهد على حقبة مظلمة في تاريخ الجزائــر وظـــروف مواجهـــة الفعـــل الاستعماري العنصري، فكانت الشهادة قوية زاخــرة، وستبقى مـــن المناجــــم الثرية للباحثين في أكثر من مجال من مجالات الحياة المختلفــة، وفي مقدمتها المجال الاجتماعي والثقافي والسياسي أولاً وأخيراً، حيث يسجــل لنـــا مـــالك مواقف مختلفة في مسار الحركة الوطنية نفسهــا، مما خدم القضية الوطنيـــة في (الجزائر) ومما خذلهـا منذ أصيــب المجتمـــع بمرض (الكلام) بتعبيــــر (مالك بن نبي) نفســه، بعــد إخفـــاق (المؤتمر الإسلامي الجزائري) سنــة (1936) إلى (باريس) في الحصول على مطالبـه "ولا يستطيـــع أحـــد تقييم ما تكبدنا من خسائر جوهرية منذ استولـى علينا مــرض الكــلام، منـــذ أصبح المجتمع سفينة تائهة بعد إخفاق البيالمؤتمر" المؤتمر ذلك المشروع الذي قضى نحبه "في الرؤوس المثقفة: مطربشة كانت أم معـمـمة" فكــان ذلك عبــرة للحركـــة الوطنيــة التـــي فصلت الخطــاب فيهـــا ثورة نوفمبـــر (1954-1962)، في ليل اللغط الحزبي البهيــم؛ فكانت هــذه الثــورة (جهينة الجزائر) التــي قــادت إلى استقــلال مضـــرج بالدمــاء والدمـــوع، وسرعان ما عمل العملاء والانتهازيــون والوصــوليون علــى اغتصابـــه، وتهميش الشرفاء الأطهار من صانعيه، وفـي مقدمـــة هـــؤلاء الشرفــــاء رجـــال الفـــكر والـــرأي ومـــنهـــم (مالك بن نبي) الـــذي قضـــى يــــوم (31/10/1973)، في صمت معدماً، محاصراً منسياً، وهــي ســبة عار في جبين أولئك الديمــاغوجيين ومنهم (أشبــاه المجاهديــن) الذيـــن باعـــوا الوطن ـ مقايضــة ـ على (طبق من ذهب) لعمـــلاء الاستعمــــار، وبيادقه، وأحفاده انتماء، وهوى؛ ليمرغوا سمعته في الأوحــال العـفـــنـة.
وفاته
قضى نحبه يوم 31 أكتوبر 1973م، في صمت معدماً، محاصراً منسياً.